سفير فلسطين السابق بالقاهرة: مصر «وسيط نزيه» بين فتح وحماس.. والوضع العربي في أسوأ حالاته
- القاهرة الرئة التي يتنفس منها قطاع غزة
- كوارث المنطقة بدأت بالموافقة على تدخل الناتو في ليبيا
- الشعب الفلسطيني سيقف أمام أي محاولة لإفشال المصالحة
أدار الحوار : أحمد كحيل
أعدته للنشر: زينب غريان
تصوير: محمد عبد الرحمن
بعد أعوام طويلة من الانقسام وجهود الإصلاح الفاشلة، تمكنت الفصائل الفلسطينية من تحقيق المصالحة أخيرا بوساطة مصرية تحت مظلة رئيس المخابرات المصرية اللواء خالد فوزي بعد مفاوضات طائلة حاولت مصر خلالها إرضاء جميع الأطراف وتجميع فرقتهم على طاولة واحدة لصالح القضية الفلسطينية.
صالون "فيتو" استضاف السفير بركات الفرا، سفير فلسطين السابق لدى القاهرة، لمناقشته حول مستقبل المصالحة، ومصير القضية الفلسطينية بعد إتمامها والأخطاء التي وقعت فيها أطرافها في المرات السابقة بهدف تجنبها، وإليكم تفاصيل الحوار:
في رأيك.. ما الأسباب التي دفعت حركة حماس لقبول المصالحة في هذا التوقيت بالتحديد؟
هناك مجموعة من العوامل أدت إلى لجوء حركة حماس للمصالحة، وهذه العوامل منها ما هو دولي ومنها ما هو إقليمي أو عربي أو حتى داخلي.
بالنسبة للعوامل الدولية تضمنت تغيير الإدارة الأمريكية وتولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة أما على الصعيد الإقليمي فإن التغيرات الجذرية التي حدثت خلال الآونة الأخيرة أثرت على حركة حماس بما فيها وضع إيران وتركيا والحرب الدائمة في سوريا ودخول روسيا في اللعبة والأزمة مع قطر التي أثرت على علاقاتها بحركة حماس التي تسببت في اهتزازها خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد هزيمة حركة الإخوان المسلمين، فلم تعد إيران داعما قويا لحماس بس قلصت دعمها فقط لكتائب القسام، الذراع المسلحة للحركة، وتركيا ليست داعما أساسيا لحماس فهي تبحث عن مصالحها فقط وكذلك الحال بالنسبة لقطر فأصبح الوضع الإقليمي ليس في صالح حركة حماس بعد أنها فقدت كل الدعم حتى جماعة الإخوان التي لم تصبح قادرة حتى على دعم نفسها.
أما عن الوضع العربي فحدث ولا حرج، فهو في أسوأ حالاته على الإطلاق ولم يعد لحماس أي أصدقاء في الوطن العربي بعد أن خسرت علاقتها مع مصر، الرئة التي يتنفس منها قطاع غزة، بموقفها نحو جماعة الإخوان ضد الإرادة الشعبية للمصريين مما دفعها لخسارة الكثير أضف إلى ذلك أن الأمور بلغت تصنيف السعودية للحركة على أنها منظمة إرهابية.
وجدت حماس نفسها في نفق مظلم بعد اتباعها سياسة خارجية خاطئة أصبحت بعدها لا تملك أي علاقات إستراتيجية مع أي دولة وهو ما أثر عليها مع الوضع الداخلي الذي يتمثل في أزمة قطاع غزة التي تزداد سوءا باستمرار، حتى إن تقارير المنظمات الدولية أكدت أنها ستختفي بحلول عام 2020 إذا استمرت على وضعها الحالي.
في النهاية لم تجد حماس أمامها إلا السير في طريقين متوازيين يلتقيان وهما تحسين علاقاتها مع مصر لأنها بدونها لكن يكون هناك أي متنفس أو مستقبل لحماس.
ما أسباب لجوء الأطراف الفلسطينية لمصر لتبني المصالحة؟
لم يكن هناك خيار غير مصر فلا تستطيع تركيا أو قطر سوى تقديم أموال لحركة حماس فقط لكنهما لا تستطيعان تغيير صورة حماس لدى الرأي العام العالمي، وتظل مصر هي الدولة الوحيدة القادرة على إحداث انفراجة على قطاع غزة التي تعاني وضعا شديد التأزم كما أن بإمكانها تغيير صورة حماس لدى العالم.
وتعتبر مصر القضية الفلسطينية قضيتها ولذلك فهي لا تملك أي أطماع مقابل تبنيها لحل النزاع، بل إنها لا تعتبر وسيطا للمصالحة، كما أن قطاع غزة على حدود سيناء يمثل قضية أمن قومي لمصر بسبب الأنفاق التي يتم تهريب السلاح والمخدرات والإرهابيين أيضا من خلاله، وبعد إغلاقها لم يكن هناك سبيل لحركة حماس بالتحديد سوى قبول المصالحة.
هل تعتبر المصالحة مجرد عملية تكتيكية لحماس؟
لا أعتقد أن يكون الأمر كذلك هذه المرة لأن الخيارات أمام حماس محدودة، ولكن بالتأكيد كل شيء وارد أن يحدث، خاصة أنني لا أثق كثيرا في أتباع فكر الإسلام السياسي، ولكن الأمور حتى الآن تسير في الطريق الصحيح.
حركة حماس الآن ترمي بجميع الأحمال الموجودة بقطاع غزة على السلطة الفلسطينية بعد أن فقدت كل مصادر القوة الخاصة بها.
هل ستسمح إسرائيل وتركيا وقطر وإيران بإتمام المصالحة؟
لم يعد تأثير قطر وإيران على حماس كما كان من قبل، فهي لم تعد تقدم لحماس ما كانت تقدمه من قبل وبالتالي وجدت حماس أن مصلحتها الأساسية ليست مع هذه الدول بل مع مصر ومع الشعب الفلسطيني نفسه، ولذلك فلا أعتقد أن تملك دولة منها أي تأثير.
بالنسبة لإسرائيل فهي دولة احتلال والجميع يعرف أنها لا تريد السلام مهما كانت ادعاءاتها، ولكنها تظل المستفيد الأكبر من الانقسام، ولكن إرادة الشعب الفلسطيني تلك المرة ورغبته الشديدة في إتمام المصالحة هي التي ستدفع بها للنجاح.
ما الأخطاء السابقة التي تسببت في فشل محاولات المصالحة وكيف يمكن تجنبها هذه المرة؟
هي ليست أخطاء بقدر ما هي ظروف غير مهيأة، بالإضافة طبعا إلى الضغوط الخارجية على حركة حماس التي كانت تجعل قرارها ليس في يدها ولم يكن قرارا فلسطينيا مستقلا بل كانت تملى عليها بشكل أو بآخر قرارات من جماعة الإخوان المسلمين ومن إيران.
كيف يمكن لحكومة الوفاق العمل في غزة في ظل الوضع الحالي؟
جزء مهم من المفاوضات التي جرت بين حركتي فتح وحماس هو تمكين قوى الوفاق الوطني داخل القطاع الذي يمتلئ بمشكلات حساسة تحتاج لحلول ولهذا فيجب أن تمتلك الحكومة صلاحيات للقيام بكل شيء هناك الأمني والمحلي بما فيها المعابر الـ 6 الموجودة هناك والأمن في الشوارع بما في ذلك الوزارات والمؤسسات جميعها وأن تكون هناك سلطة قضائية واحدة غير منقسمة.
ما مصير من وظفتهم حركة حماس في القطاع والذين يصل تعدادهم لـ 42 ألفا كما ذكرت؟
تعتبر هذه واحدة من كبرى المشكلات داخل القطاع، ولكن من المرجح أن يتم إحالتهم إلى التقاعد المبكر ولكن لا يوجد حل حاسم تم الإعلان عنه حتى الآن باعتبارها واحدة من القضايا الحساسة جدا في الوقت الحالي والتي ستتولى السلطة الفلسطينية مسئولية إيجاد حل لها.
متى يمكننا القول إن المصالحة تمت بنجاح وإن هناك متحدثا واحدا باسم فلسطين؟
الرئيس محمود عباس أبو مازن هو المتحدث الأوحد الآن باسم السلطة الفلسطينية، شكلت منظمة التحرير بموجب اتفاق تضم لجنة تنفيذية للمنظمة وجميع الأمناء للفصائل الفلسطينية وأيضا حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
المجلس الوطني الفلسطيني الحالي يحتاج في الوقت الحالي للإعداد إلى انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني فلسطيني يضم أعضاء من جميع الفصائل بما فيها حركة الجهاد الإسلامي لأنها مهمة جدا.
ما توقعاتك لمستقبل القضية الفلسطينية بعد إتمام المصالحة؟
نسأل الله أن يكون المستقبل أفضل من الوضع الحالي، وموقف الدول العربية جميعها من القضية الفلسطينية يدعمها لأن كل منها يعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لها وحلها يحل مشكلات إقليمية كثيرة في المنطقة.
يخطط الغرب لتقسيم الدول العربية بأكملها فبات العراق الآن مقسما واليمن وسوريا مستعدان للتقسيم وهناك مخططات أيضا لتقسيم السعودية بفصل المناطق الدينية مكة والمدينة وبقية المملكة تقسم لثلاثة أجزاء.
وأحب أن أشير إلى أن مشكلات العرب الفعلية بدأت بأخذ قرار في الجامعة العربية بالسماح لحلف الناتو التدخل في ليبيا وهو ما حذرت منه وقتها وأكدت أن تدخل الناتو لن يتوقف عند ذلك ولكن الأمر الآن دخل في نطاق تدويل القضايا التي لم يصبح حلها في يد أصحابها.
هل تتوقع أي تحركات داخلية لإفشال المصالحة من قبل كتائب القسام؟
كل شيء جائز، وهناك فئة داخل فلسطين خلقت لتستفيد من الانقسام وبالتالي فليس في صالحها إتمام المصالحة أو توحيد شطري الوطن متمثلين في الضفة والقطاع، لكن هؤلاء الآن صوتهم خافت ولا يمكنهم فعل أي شيء لأن إرادة الشعب الفلسطيني تعد الوصول للمصالحة مسألة حياة أو موت في الوقت الحالي.
كيف ترى الدور المصري في المنطقة الآن؟
مصر تلعب دورا مهما جدا الآن لاستعادة عافيتها ودورها بشكل كبير، وهو ما اتضح في لجوء الفلسطينيين إليها ليصبح أكبر عامل في إتمام المصالحة هو الدور الذي تلعبه مصر فهي الآن شريك وضامن كامل في القضية الفلسطينية وليست وسيطا وهو ما يجعل الشارع الفلسطيني مطمئنا.
هل تعتبر مصر ضامنة لحركة حماس في المصالحة؟
مصر ضامنة للطرفين، فهي تقف على الحياد من طرفي المصالحة فتح وحماس حتى على مدى التاريخ كانت علاقاتها من الفصائل الفلسطينية على مسافة واحدة فيما عدا عقب سوء العلاقات مع حماس نتيجة أفعالها ومواقفها من جماعة الإخوان المسلمين.
والرئيس أبو مازن دائما يشيد بالدور المصري، ويؤكد أن ملف المصالحة بدأ في القاهرة وسينتهي في القاهرة، والكل يثق في مصر ويحملها المسئولية في نفس الوقت.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"...