«كيد النسا» في اليونسكو
درجة حرارة مواقع التواصل الاجتماعى حولت انتخابات اليونسكو إلى مباراة كرة قدم، وربما كرة حكشة، فالمتابع لما جري يدرك أن المسافة بين ما تداولته السوشيال ميديا لم يكن بعيدا عن نهج وسائل الإعلام المحترفة التي تحولت إلى أبواق فارغة أقل بكثير من أبواق ألتراس الأندية الكروية، وربما كان «كابوهات» الألتراس أكثر وعيا من زملائهم الإعلاميين المتورطين في إحالة ملف اليونسكو إلى مستشفى الأمراض العقلية.
اختزل الإعلام المصرى المخجل قضية اليونسكو في قطر، وخلط الأوراق بين الشعب القطرى والحاكم بأمره هناك، ولم يناقش القضية وتداعياتها، وتفاصيل السجال القائم بين الغرب والشرق على دور هذه المنظمة، واستيلاء الغرب على مقدراتها ودورها وبوصلتها، ولم يتناول المعارك القديمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمنظمة، عندما اتهموا الشيوعيين باعتلاء منصتها واستخدامها ضد الغرب.
صوت «زاعق» كان عنوان التغطية الخبرية، فلم يظهر على الساحة الإعلامية المصرية صوت واحد يناقش الأمر بمنطقية، وبدا أن الأهم هو ألا تفوز قطر بالمنصب، حتى لو كان الشعار «قطر لا.. تحيا فرنسا».. لم يخجل القائمون على الأمر من الصورة العامة التي ظهرت بها البلد الأقدم في التاريخ، ولم يحاول مسئول واحد أن يعقد اجتماعا بالهيئات الإعلامية ليضبط مؤشر التغطية، فكان ما كان من فضائح كارثية، ستبقى ثمارها مُرة لسنوات على الساحة العربية عامة والمصرية خاصة.
لم نناقش أسرار وتفاصيل المعركة الدائرة أصلا بين وزارة الخارجية المصرية، ووزارة التعليم العالى المصرية أيضا، حول أحقية من يتحمل الملف، وشماتة التعليم في الخارجية والأداء الباهت للدبلوماسية المصرية، ولم نتطرق إلى تحليل كل مرحلة من مراحل التنافس الانتخابى بين المترشحين لنعرف قدرنا في أفريقيا، وقدرنا في المنطقة العربية، وحجم تأثيرنا في كتلة أوروبا الشرقية، ولم نهتم إلا بشيء واحد.. وواحد فقط.. أن نشتم قطر وأبو قطر وأمها كمان.. فصارت المعركة مجرد «كيد نسا»..
وعلى الرغم من أن الموقف القطرى من فاروق حسني عند ترشحه قبل ثماني سنوات، كان منطلقا من الرؤية الإسرائيلية ضد حسني، وداعما لتل أبيب التي خاضت معركة شرسة، فإن مصر ساعتها خاضت التنافس بشرف دون أن تهوى إلى الدرك الأسفل.. فلم يعلم العامة تفاصيل الموقف القطرى الذي أغرى بالمال عواصم كثيرة حتى لا يفوز فاروق حسنى.. كل ذلك جرى في معركة اليونسكو الأولى، ولم يفصح عنه حسني إلا بعد سنوات.
إن الأثر النفسى السلبى الذي تسرب إلى عامة الناس، أننا فشلنا في مواجهة قطر، بينما المعركة أكبر من قطر وغيرها.. قديما كان الفريق المعاون لفاروق حسنى مجموعة من الأسماء الكبيرة، ولم يكن هناك شقاق داخلى مثلما حدث بين التعليم العالى والخارجية.. أضف إلى ذلك أن هناك موقفا محددا من مصر، فالعرب كانت لديهم غصة فيما مضى عندما كانت مصر تسيطر على معظم لجان المنظمة، كما أن الموقف الإسرائيلى لا يختلف كثيرا عن الموقف القطرى.
الأخطر من وجهة نظرى؛ أن التناول الإعلامي المحلي رغم عدم تأثيره على المستوى الدولى، أدى إلى وضع مصر في خانة المنافس لقطر، وهو أمر بالغ الخطورة في الذهنية الشبابية، إذ من غير المنطقى أن يصل العراك إلى مستوى متدنٍ من الحوار بلغ قمة الإهانة بعد هتاف «قطر لا.. تحيا فرنسا»، هذا الهتاف الذي أظن أنه لا يجب أن يمر مرور الكرام، ولا يمكن اعتباره هتافا وليد لحظة انفعالية غير محسوبة.
ما زلت أقول إن الحكم في قطر نظام عميل، ويستمد شرعيته من حجم عمالته، وتصوير الأمر على أن قطر تنتصر على أربع دول عربية في معركتها ضد العروبة وضد المنطقة بأكملها، هو إهانة لنا ولكل من يقف بحزم ضد عمالة حاكم قطر.. فالقصة باختصار أنها تقوم بدور كما تقوم تل أبيب بأدوار للغرب في المنطقة، باعتبارها «أرخص قاعدة عسكرية» للغرب في قلب العرب، ولو كانت إسرائيل وحدها لقضينا عليها منذ زمن بعيد.. أيضا قطر، ليست دولة قوية، وإنما عميل كبير يحقق للغرب وأمريكا ما لا يحققه نظام آخر، رغم تبعية معظم الأنظمة العربية لواشنطن.
من أجل ذلك نقول إن التغطية الإعلامية للحدث عظّمت من قطر، وصنعت منها عملاقا كبيرا، وقزّمت منا لأنها لم تعِ الدرس المستفاد من معركة فاروق حسنى التي خرجنا منها بنتائج مدهشة، كان أهمها قول إسرائيل «لن يفوز فاروق حسنى دون دعم إسرائيلى»، وهو ذات الأمر الذي فسر لنا لماذا كانت تضغط قطر ساعتها على الدول لمنع وصول مصر إلى هذا المنصب!!