انتفاضة نسائية على «العناتيل»
قادت الفنانة الأمريكية أليسا ميلانو والصحفية الفرنسية ساندرا مولر حملة ناجحة لحث النساء على مواجهة التحرش والاعتداء الجنسي، عبر الاعتراف بما حدث معهن. استغلت ميلانو عاصفة الفضائح الجنسية التي هزت السينما الأمريكية في أعقاب اتهام نحو ثلاثين فنانة، المنتج الهوليوودي النافذ هارفي واينستين (65 عاما) بالاغتصاب والتحرش، ودعت النساء اللواتي تعرضن للتحرش أو اعتداء جنسي لنشر تجاربهن وإرفاقها بهاشتاج "أنا أيضا"، موضحة أن الهدف من الحملة "إظهار الحجم المرعب للمشكلة التي تعاني منها النساء في عالم السينما بصفة خاصة". ووجدت حملة أليسا آلاف المشاركات تحدثن عن معاناتهن، ونبذ كثير منهن "ثقافة السكوت لأنها جزء مؤلم من الاغتصاب". وقالت إحداهن "لنتحد جميعا.. غدا أو بعد غد قد أكون أنا أو امرأة أخرى ضحية لهذه الاعتداءات".
وفي باريس لم تتحمل الصحفية الفرنسية ساندرا مولر حجم العار والانحراف الجنسي في "هوليوود"، ودعت إلى الإدلاء بشهادات "بالأسماء والتفاصيل عن تحرش جنسي واجهتموه في العمل".. بدأت مولر بنفسها ونشرت في "هاشتاج" أطلقته خصيصا تفاصيل إيحاءات جنسية فاضحة قالها رئيسها السابق في العمل مع ذكر اسمه. ومن لحظتها انهالت آلاف المشاركات عن محاولات تحرش جنسي وتعديات جسدية أو لفظية في العمل، أو في الشارع ووسائل النقل. كما شهد "الهاشتاج" شهادات مضادة عن حالات تحرش ارتكبتها نساء في حق رجال. وأصبح هذا الموضوع الأكثر تداولا ومشاركة في الولايات المتحدة وفرنسا، ودعا الجميع إلى مواجهة حكومية فاعلة وأحكام قضائية رادعة بحق المتحرشين والمغتصبين.
النجاح المبهر لحملة أليسا وساندرا شجع المغنية الأيسلندية الشهيرة بيورك على الاعتراف بتعرضها لتحرش جنسي خلال التصوير من قبل المخرج، ولأنها صدته ولم تستجب لما يريد عوقبت بعدم العمل في السينما، مؤكدة أن "ظاهرة إقدام المخرج والمنتج على ملامسة الممثلات والتحرش بهن، عالمية".
لم تقتصر الاعترافات على أهل الفن والإعلام، بل كانت المفاجأة أن الزوجة الثانية للملاكم الأمريكي محمد على كلاي كشفت عن أنّه كان مهووسًا جنسيًا، وأنها اضطرت لأن تحجز له في الفنادق لقضاء بعض الوقت مع عشيقاته، وأن علاقاته تلك جعلته يصطحب واحدة من عشيقاته في زيارة رسمية إلى الفلبين، ولم يخجل من تقديمها إلى الرئيس لدى استقباله، فشعرت هي حينها بالإهانة وأصرت على الطلاق.
قد يرى البعض أن التحرش والاعتداءات الجنسية والتنازلات، أمر ليس بجديد على الفن في العالم، وهناك قضايا كثيرة أثيرت من قبل ولم ترافقها ضجة مثلما حصل في قضية المنتج هارفي واينستين، الذي غادر لوس أنجلوس إلى مركز إعادة تأهيل طلبا للعلاج من الانحراف الجنسي، بعد فضيحة تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" عن أنه دفع مبالغ مالية لنحو ثماني نساء اعتدى عليهن جنسيا لتسوية الأمر بعيدا عن القضاء.
لكن تعود أهمية هارفي إلى نفوذه الكبير في هوليوود، وملكيته لشركتي الإنتاج "واينستين كومباني" و"ميراماكس" وعبرهما أنتج عشرات الأفلام المهمة منها "بالب فيكشن"، "كيل بيل"، "غانغز اوف نيويورك"، "ذي آرتيست"، "شكسبير إن لاف" و"ذي انغليش بايشنت"، ونالت أفلامه 303 ترشيحات لجوائز "أوسكار" حصل منها على 75 جائزة، إلى جانب كم كبير من الجوائز المهمة الأخرى. أيضا تضم الأسماء التي اغتصبهن أو تحرش بهن فنانات بارزات منهن غوينث بالترو، أنجلينا جولي، إيما دو كون، آشلي جود، ليا سيدو، ميرا سورفينو، جوديت غودريش، وكارا ديلافين، آزيا ارجنتو ولوسيا ايفانز.
كما اشتهر "عنتيل" هوليوود بعلاقاته السياسية الواسعة وانتمائه للحزب الديمقراطي، فضلا عن تمويله الحملات الانتخابية لكثير من الديمقراطيين ومن بينهم هيلاري كلينتون وباراك أوباما، ورغم ذلك أصدر أوباما وهيلاري بيانا أعربا فيه عن "صدمتهما واشمئزازهما من التهم الموجهة إلى هارفي وتصرفاته المهينة مع النساء، وعليه تحمل مسئولية أفعاله".
اعترافات الفنانات ضد هارفي أجبرت نقابة المنتجين الأمريكيين على إنهاء عضويته فيها، معتبرة أن "التحرش والاغتصاب مشكلة شائعة تتطلّب مواجهة فورية على مستوى القطاع الفني". كما طردت أكاديمية "الأوسكار" واينستين من صفوفها للسبب نفسه وقالت إن "زمن التجاهل المتعمد والتواطؤ المهين مع الاعتداءات الجنسية والتحرش في أوساطنا، قد ولى". وفي فرنسا قرر الرئيس إيمانويل ماكرون سحب وسام جوقة الشرف من المنتج الأمريكي. وأعلنت زوجته انفصالها عنه حتى تربي أولادها بهدوء، وفي شركته قرر مجلس الإدارة تأجيل عرض الأفلام الجديدة والتفاوض لبيع الشركة والاستديوهات بعد العار الذي ألحقه بها هارفي.
فضيحة "العنتيل" هارفي هزت أمريكا وأوروبا، ونأمل أن تتوحد نساء مصر في انتفاضة على "عناتيل" يتربصن بهن في كل مكان.