مشاكلنا لن تحلها الكلمات والأمنيات
شانها شأن كل مؤسساتنا وهيئاتنا القديمة والجديدة والمستحدثة.. ضجيج -يصم الأذن- بلا طحين.. الهيئة الوطنية للصحافة التي عقدت تقريبا 6 جلسات ويزيد لمناقشة قضايا الصحافة ومشكلات مؤسساتها، ومع ذلك لم نر حتى الآن بوادر رؤية وحلول للمشكلات الآنية والمزمنة منها.. برغم أن الهيئة قامت باختيار كل قيادات المؤسسات ورؤساء تحرير كل إصداراتها بعد دراسة متأنية– حسب تصريحات كل أعضاء الهيئة- وبعد أن ناقشت ما قدمه كل من وقع عليه الاختيار لأي منصب في تقارير ترصد المشكلات وتقترح حلولا لها قابلة للتنفيذ.. هذا إن كان حدث بالفعل!
لكن يبدو أن الاستعجال في إصدار قرارات التغيير والتعيين لم يعط الهيئة قدرا وافيا من دراسة ما قُدم لها من دراسات خاصة بالمشكلات وحلولها، لذلك لم يعد الأمر مجديا الحديث فيه الآن.
في اجتماع الهيئة الأخير ناقش الأعضاء المحتوى الإعلامي للطفل المصري في الصحافة والإعلام، وعن ضرورة تفعيل منظومة ثقافية وإبداعية لإعادة تشكيل وعي أبنائنا، وتحدثوا عن الواقع المليء بالتحديات والمتغيرات الحديثة التي تستوجب حمايتهم منه، وانطلقت الكلمات من أفواه الجميع لتتحول إلى تصريحات –مجرد تصريحات– تنشرها الصحف وتنقل عنها مواقع خبرية وفضائيات ليلية إذا رأت أن الأمر يستدعي، أو أن الموضوع يهتم به المشاهدون.. مجرد تسويد صفحات، وملء مساحات هواء!
قالوا في تصريحات نارية: ضرورة الاستماع إلى أولادنا والتجاوب مع رغباتهم وميولهم للارتقاء بشخصياتهم! ولا أدري إذا كانت هذه نصيحة واجبة النفاذ أن نستجيب لكل رغبات وميول الأبناء على الإطلاق مهما كانت هذه الرغبات والميول أم أنها مجرد جملة براقة فيها من الخطر الكثير!
وقالوا: لابد من توفير بيئة إعلامية ومناخ صحفي مشوق وجاذب للأطفال! ولا أدري أيضا إلى من يتوجهون بهذه الرسالة وهم المعنيون والأقدر على توفير ذلك لأنهم يملكون أدوات التنفيذ!
وقالوا: الطفل المصري.. أخطر المحاور في قضية تثبيت الدولة! لكن لم يقل أحد منهم كيف، وما علاقة الطفل الذي لا يملك قدرة الفعل أو التغيير في قضية تثبيت الدولة؟ أم أن مصطلح تثبيت الدولة تحول إلى حضانة نضع فيها كل ما يعن لنا من قضايا؟ بالمناسبة الدولة ثابتة وواقفة على قدميها وليست مفكوكة، وتخطو بثقة نحو مستقبل أفضل بعد أن استكملت بناء مؤسساتها!
وقالوا: إننا نواجه تطرفا في بناء العقل المصري المحاصر بقنوات الأطفال الغربية والمجلات ومواقع الإنترنت التي تحث على الأفكار المتطرفة والعنيفة، لذا يجب أن ندرك إن إصلاح المجتمع يبدأ من الطفل، وأن نتبنى إستراتيجية طموحة عبر تدشين برامج للأطفال تسعي لرفع الوعي والإبداع يناهض البرامج والألعاب الإلكترونية المنتشرة على المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي.. كلام جميل.. لماذا لا تقدم الهيئة تلك الإستراتيجية طالما تعلم– كما نعلم جميعا– أهميتها في تصحيح الأفكار العنيفة عند الأطفال!
وقالوا: من الضروري أن نقدم محتوى عصريا ومتميزا يتواكب مع تطورات العصر لأطفالنا، لأن الطفل المصري بذكائه الفطري لديه فراغ في المحتوى السائد حاليا لذلك يلجأ للمنتج الغربي وهو ما يجب أن نتوقف أمامه.. لماذا لا تقدمون هذا المحتوى العصري وبسرعة بدلا من التوقف أمامه طويلا بلا فعل؟
وقالوا: لابد من بناء إستراتيجية بمؤسساتنا الصحفية لبناء العقل والفكر لأطفالنا عبر مطبوعات تناسب طموحاتهم وأحلامهم ورغباتهم وتسمو بالوعي والتربية الحديثة ونبذ الأفكار الهدامة والمتطرفة التي لا تناسب سلوكياتنا وأخلاقياتنا، والتي تبث عبر وسائل الإعلام الغربية! ما الذي يمنع تلك المؤسسات من بناء هذه الإستراتيجية وهي تقدم ملايين المطبوعات بين صحيفة وكتاب ودوريات متنوعة؟ وهل الأفكار المتطرفة والهدامة تأتي من الغرب فقط أم أن لدينا العشرات والمئات من الوسائط الإعلامية التي تقدم محتوى يحمل أفكارا متطرفة وهدامة تقتل الذوق المصري وتغيب الهوية المصرية!
الخلاصة أننا نعرف مشاكلنا جيدا، ونعرف أوجه القصور والتقصير، وأننا أحسن من يُشخص المشكلة ويشرح تفاصيلها ويسهب في الشرح ويعيد ويزيد، وغالبا نعرف الحلول.. لكننا لا نسعى بجدية والتزام نحو تنفيذ ما نعرف من حلول، وكأننا نسعد بحالة البحث عن حلول واختراع العجلة من جديد لنبرر لأنفسنا أننا نعمل ونفكر ونجتمع ونطلق تصريحات مليئة بالكلمات والشعارات.. نحن متميزون بممارسة لعبة الإشغال وليس الشغل!
مشاكلنا لن تحلها كثرة الاجتماعات والمؤتمرات والتصريحات التي تطلب من الآخر البحث عن حلول، وكأن الأمر لا يعني أصحاب الأمر أو التخصص!