رئيس التحرير
عصام كامل

اختطاف سليمان الحكيم


من غير المنطقي أن نناقش قانونية إطلاق قوات أمن مركزي وغيرها لإزالة منزل الكاتب الصحفي الكبير «سليمان الحكيم» بمدينة فايد، إذ لا بد وأن يكون هناك وازع قانوني لخروج هذه القوات وتنفيذها مهمة إزالة منزل أقيم بدون ترخيص -حسبما قالت الجهات الرسمية- غير أن هذه المشروعية تصبح باطلة إذا ما كانت قوات الإزالة تتحرك في اتجاه وتترك الآخر لأي سببٍ مهما كان، فالعدل يصبح ظلما إذا ما طبق على الحكيم ولم ينفذ على غيره.
الواقع يقول إن القوات لو تحركت بنفس المشروعية فإن نصف مباني مصر سيهدم لا محالة؛ لأن الناس إذا ما أرادت أن تلتزم بالقانون واستصدار تراخيص للمبانى، فإن الحكومة لا تلتزم.


أعرف مواطنا مصريا خالصا لم يظهر في قنوات الإخوان، ولم يضبط في يوم من الأيام يمارس المعارضة باعتبارها جريمة، اشترى قطعة أرض بأحد الأحياء الراقية وأراد استصدار ترخيص بناء، عامان كاملان لم يفلح في ذلك رغم التزامه بكل ما طلب منه.
باع أرضه واشترى أخرى بعد أن عرف الطريق الصحيح للبناء، قدم الرشاوى اللازمة للبناء وقام بالبناء دون ترخيص، انتهى من بنائه في أقل من عام، ثم قدم طلبا للمصالحة، فكان له ما أراد، هكذا تدار الأمور في مصرنا العزيزة، أما القول بأن الكاتب الصحفي سليمان الحكيم مخالف في بناء بيته؛ فالأمر ينطبق على ملايين البشر غيره ولا تقترب منه، ولا نريد أن تقترب منه معاول الهدم.

السؤال المنطقى في قضية سليمان الحكيم ليس في البناء المخالف، وإنما يختزل في الاستفهام الذي يجب أن نناقشه بموضوعية وشفافية: ما الذي جعل سليمان الحكيم ينتقل من صفنا إلى صف آخر؟ من الذي أجبر سليمان الحكيم على مغادرة خانة ثوار يونيو إلى خانة المعارض لها؟ من الذي دفع سليمان الحكيم للظهور على قنوات هو يعرف جيدا ما تريده لنا من شر مستطير؟ ومن الذي دفع ناصريًا أصيلًا إلى الظهور مع أعداء الناصرية تاريخيا منذ يوليو وحتى يونيو؟

هذا هو مربط الفرس.. مراجعة المشهد الثورى في ٣٠ يونيو تؤكد أن سليمان الحكيم ليس وحده من غادرنا إلى مساحات أخرى، هناك من فضل الانزواء، وآخرون آثروا الاختفاء وفريق ثالث اكتشف أن قواعد اللعبة تغيرت تماما، وأن الرغبة في إقامة نظام ديمقراطي غير موجودة رغم أنها كانت أقوى مضمون لشرعية ٣٠ يونيو، فالشوارع التي اكتظت بالناس كانت هي الشرعية التي خطت ملامح النظام الجديد.

اختطف سليمان الحكيم من سياقه إلى سياق آخر.. اختطفه من طمس شعارات يونيو.. اختطفه من اختطف حلم يونيو وسار به بعيدا عن سياقه، وأراد أن يفرض علينا نموذجا لم يكن متفقا عليه من الأساس!!

وسليمان الحكيم واحد من الناس الذين خرجوا، ونسجوا بأفكارهم كتابات لا زالت شاهدة على إخلاصه لبلاده ولثورة ٣٠ يونيو، وهو أيضا واحد من الناس الذين تحركوا بوازع من ضمائرهم الوطنية التي أيقنت أن الجماعة الإرهابية إنما جاءت لتسطو على البلاد وتختطفها وتتصرف فيها كيفما تريد لا كيفما يريد الشعب، والحكيم أيضا واحد من بسطاء مصر الذين عاشوا حياتهم يناضلون بالقلم ولم يضبط في يوم من الأيام عميلا لنظام ولا آكلا على موائد الغير، ظل سليمان الحكيم قابضا على الجمر من أجل احترام ذاته وقلمه ورسالته.

أقول وبملء الفم، إنني ضد كل من سافر إلى تركيا أو قطر، وضد كل من مارس المعارضة المشينة من تلك العاصمتين، وآخر من كنت أتصور أن يظهر على قنوات الإخوان هو سليمان الحكيم، لأنني أعرفه جيدا طوال سنوات كان فيها مثالا للقيم النبيلة والالتزام المهنى والأخلاقى والقيمي، إذن أنا مثل غيري كثيرين ضد أرزقية انضموا إلى قافلة الظلام الإخوانى لأسباب مادية معروفة للجميع، غير أن الحكيم لم يكن منهم رغم خلافى الشديد مع فكرة ظهوره هناك.

أعود فأقول، إن المشهد الإعلامي المحيط بالنظام الآن هو أخطر ما يهدد هذا النظام، ساذج من يتصور أن كل معارض هو عميل وواهم من يظن أن كل مطبل هو داعم للنظام، يشير الواقع الذي نحياه إلى أن الرئيس السيسي هو أقوي المرشحين في الفترة القادمة، والذين يعارضونه ربما يرفضون المحيط ولا يختلفون على الرئيس، يرفضون السير في نفس الطريق الذي أوصلنا إلى مساحات من العتمة طوال ٦٥ عاما عشناها بدون تجربة تمنح الأجيال حقها في التداول السلمي للسلطة، فكان ما كان من ردة حضارية جعلتنا أضعف من أن ندافع عن خياراتنا.

ربما خرج سليمان الحكيم عن وقاره المهني وربما خرج عن النص وربما تطرف في الإدلاء برأيه غير أن هناك فارقا بين من يعارض خوفا على التجربة، ومن يعارض لهدم التجربة، ولا أظن أن الحكيم وغيره كثيرون، يعارضون للهدم لأن كتاباتهم عن "الهيرو" القادم من قلب الجيش لا تزال تنبض بالحياة، ولا تزال شاهدة على أنه ومعه كثيرون كانوا معنا وممارستهم للمعارضة ليست إلا خوفا على المستقبل الذي لم نعد نرى ملامحه بنفس وضوح لحظة الثورة ضد الحكم الإخوانى الفاشى.
الجريدة الرسمية