إصلاح التعليم القانوني في مصر
"تطوير التعليم القانوني في مصر" مبادرة نسند فكرتها لصاحبها، وهو قاض ورئيس محكمة، وحاصل على الماجستير في القانون الجنائي من جامعة تورينو بإيطاليا، والماجستير من جامعة فرانكفورت بألمانيا، يرى القاضي "طاهر أبو العيد" أن الأعداد المتزايدة للخريجين من كليات الحقوق في مصر تمثل إشكالية معقدة على واقع التعليم القانوني، بالإضافة لغياب التطوير الفعلي لآليات التعليم، بما يتماشى مع المتغيرات الحادثة في مجال التعليم القانوني في العالم، هذه الصعوبات تؤثر بصورة واضحة على جودة العمل القانوني في مصر حاليا، فبعد أن كان خريجو كليات الحقوق في النصف الأول من القرن العشرين يمتازون بكفاءة ملحوظة، صاروا يعانون تدهورا حادا في المستوى القانوني، فضلا عن درجة إجادة اللغة العربية.
وهل ننسى الشخصيات البارزة التي أثرت الحياة القانونية والسياسية بل والأدبية في مصر أمثال عبد الرازق السنهوري وتوفيق الحكيم ومصطفى كامل وسعد زغلول ومكرم عبيد وغيرهم ممن غيروا وجه التاريخ في مصر والمنطقة بأسرها؟!
يحدث هذا في مصر، في الوقت الذي تشهد فيه الكليات المناظرة في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا تطورًا هائلًا في أساليب ومناهج البحث العلمي وآلياته؛ مما أصبح معه من غير المتصور ألا نحاول إلقاء الضوء على تلك التطورات ومحاولة نقل تلك التجارب من أجل الوصول لتعليم قانوني عصري في عصر بات يعرف بعصر العولمة، على حد تعبير المستشار أبو العيد.
يدعو طاهر أبو العيد إلى تحديد رسالة وغايات وأهداف مؤسسات التعليم القانوني بشكل عام، من خلال تحديد الغايات المستقبلية والأهداف المرحلية والإستراتيجية لنظام التعليم القانوني في مصر؛ ما هي المخرجات التي نريدها؟ هل يجب أن نركز على تزويد المتخرجين بالمعلومات والمهارات أم كليهما؟ هل يتعين أن نركز على إكساب الخريجين بالمهارات اللازمة للتعامل مع معطيات العصر التكنولوجية وبما يمكنهم من استخدامها في عملهم القانوني في المستقبل؟
في إطار هذه الرسالة والغايات والأهداف يمكن أن يتبلور الدور الأساسي للإعداد في مؤسسات التعليم العالي، وهو التركيز على التفكير التحليلي الإبداعي لتحويل المعلومات إلى معرفة يمكن الاستفادة منها مستقبلًا في الواقع العملي، كذلك لا بد أن يتم تدريب الخريجين على مهارات العمل الجماعي داخل المؤسسات القانونية.
من أجل ذلك نطلق مبادرة تطوير التعليم القانوني في مصر لعلها تكون البداية لتطوير حقيقي للتعليم القانوني في مصر.
وبادئ ذي بدء، فإن أولى الخطوات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان هي الاهتمام بالمهارات التكنولوجية لطلبة القانون، فلم يعد من المتصور الآن في عالم باتت التكنولوجيا فيه أحد أهم سماته أن يصبح طالب القانون غير قادر على استخدام هذه التكنولوجيا في عمله، مثل البريد الإلكتروني والحاسب الآلي في كتابة أبحاثه ومخاطباته، ناهيك عن احتمالية تدفق التكنولوجيا لقطاع القانون والقضاء في مصر في الأعوام القادمة من خلال تطبيق مشروع المحاكم الإلكترونية.
الأمر الثاني هو جودة التعليم القانوني التي تراجعت بشكل كبير بسبب الزيادة الهائلة في عدد الطلبة المنتسبين لكلية الحقوق مقابل تعليم يعتمد على التلقين دون وجود أي ديناميكية تعليمية بين الطالب وأستاذه.
الأمر الثالث يتعلق بالكتابة القانونية، فغالبية كليات الحقوق في دول العالم المتقدم تطلب من الطالب كتابة أبحاث ومقالات قانونية وتساعدهم على تنمية مهاراتهم في هذا الشأن.
وتتمثل الخطوة الرابعة في رأي المستشار أبو العيد، في التدريب العملي ويتضمن برامج للمحاكاة للعمل بعد التخرج سواء بتعلم فنون التحقيق، أو المرافعة أو كتابة المذكرات القانونية أو الأحكام.. كذلك لابد من اعتماد نظام الساعات المعتمدة والذي يتضمن تحديد ساعات الدراسة لكل مادة والالتزام بحضور 75 % من المحاضرات لضمان حصوله على شهادة التخرج.
وكذلك أهمية البعثات العلمية القانونية للخارج لطلبة كليات الحقوق للتعرف على المستجدات القانونية والتعرف على الأساليب الحديثة في دراسة القانون.
وكذلك الاستعانة بأساتذة قانون من كليات القانون المرموقة حول العالم لضخ نظريات قانونية معاصرة ومتابعة المتغيرات وإيجاد حلقة وصل مع ما يحدث في العالم في المجال القانوني.
المبادرة تستحق الاهتمام من جانب الوزارة والجهات المختصة في مصر؛ وأنا على ثقة من أنها كفيلة بإحداث قفزة نوعية في مستوى خريجي كليات الحقوق.