هل تتحكم العوامل النفسية في الاقتصاد؟
العالم الأمريكي "ريتشارد ثيلر" حصل على جائزة نوبل الاقتصادية لعام 2017 مؤخرا لنظرياته لتشكل ثورة لعلم مستحدث هو الاقتصاد السلوكي من خلال دراسة العوامل النفسية في التأثير السيئ فى القرار الاقتصادي للفرد داخل المجتمع ليشكل طفرة نوعية ضد النظريات الكلاسيكية التي افترضت أن البشر يعقلون جيدا أثر القرار الاقتصادي نحو مصالحهم.
كتاب "التنبيه" (Nudge) الذي شارك في كتابته "ثيلر" حقق أعلى المبيعات في العالم ويبحث الدوافع النفسية التي تدفع الفرد نحو قرارات اقتصادية غير عقلانية، مما دفع الحكومة الإنجليزية إلى تأسيس "وحدة للتنبيه" خلال حكم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عام 2010 للتوصل إلى سبل إبداعية لتغيير السلوك العام ثم انتشرت فروعها في بريطانيا ونيويورك وسنغافورة وسيدني وقد أثار "ثيلر" جرس الإنذار نحو الثقافة الاستهلاكية للفرد ثم المجتمع وإن الأغلبية يصرفون أموالهم على خطط قصيرة الأجل وتم تصنيفها أنها نفس فاعلة ( doer- self) أما النوع الأكثر عقلانية والأقل نسبيا هو النفس المخططة ( planner-self) هي التي تخطط وتدخر لذا فإن دور الدولة هو تحفيز المجتمع نحو النموذج الثاني لتعظيم ثقافة الادخار وخنق المعطيات النفسية للثقافة الاستهلاكية، ويلاحظ ذلك من نمط أثرياء الغرب مثل "مارك زوكربيرج" و"ستيف جوبز" في بساطة الملابس كقدوة مجتمعية مع التناقض لأثرياء العرب في السفه والتبذير.
المثير من وجهة نظر أخرى هو أن الاقتصاد السلوكي أصبح يفسر منهجية التسويق للشركات التي تستطيع استنزاف موارد الفرد ثم المجتمع بلا عقلانية بل إن بعضها غير أخلاقي مثل إعلانات المشروبات الغازية قبل استراحة السينما بتوقيت محسوب لمخاطبة العقل الباطن وتحفيزه نحو العطش والشراء مباشرة... إلى جانب سيطرة الماركات المشهورة على عقول الشرائح المستهدفة لدفع أضعاف القيمة الحقيقية للمنتج من خلال عوامل نفسية يتم تهيئتها تسويقيًا باحترافية شديدة بل إنها قادرة على استعباد الفرد متوسط الدخل من خلال قروض الفيزا التي جعلت الصعوبة النفسية للاقتراض (ما يسمى مصطلح ألم الدفع) أكثر سهولة من النقود المدفوعة فيما يسمى اقتصاد الكازينو بما سبب الأزمة الاقتصادية العالمية ٢٠٠٧.
وقد حلل "دانيل كانيمان" و"آموس تفريسكي" الدوافع النفسية لمنتجات الترفيه وأثبتوا أن أغلب قرارات الأفراد خاطئة اقتصاديا وأما "هيربرت سيمسون" مؤسس نظرية العقلانية المقيدة قد أكد أن هذه الأخطاء يمكن توقعها لذا فتستغلها الشركات تسويقيًا فتعرض مثلا ثلاثة منتجات بثمن اثنين بما يدفع الفرد للاقتراض ناهيك عن أسلوب الأوكازيون المحدد المدة الذي يعتقد العميل أنه يحصل على المنتج بأقل من قيمته ولكن الشركات تحقق في هذه الأوقات حجم المبيعات المستهدف طوال العام بما يحقق مجمل الربح المستهدف لتستنزف المجتمعات الاستهلاكية.
إن نظرية المحاسبة العقلية - النفسية لثيلر تشرح كيف نقوم بصياغة قراراتنا الاقتصادية لتحقيق الإشباع النفسي وكيفية صياغتها بصورة تحقق التنمية الاقتصادية المدروسة التي تعتمد على سلوك الفرد.
الاقتصاد السلوكي والعوامل النفسية للاستثمار الأجنبي وصياغة عوامل استقطابه نفسيًا يحتاج مقالًا آخر أما عن المنتج السياسي وكيفية تسويقه، فلا يسعني إلا استعارة مقتطفات لما كتبته في مقالي السابق كمقولة "جوستاف لوبون" السياسي الفرنسي في كتابه سيكولوجية الجماهير (الجماهير أنثوية العاطفة) أما "رينهولد نابيهور" فقد كتب عن قيادة الجماهير وأن القلة منهم يمتلك المنطق أما العامة فينساقون خلف المشاعر، لذا فيجب أن يقود أصحاب المنطق العوام للصالح العام بخلق قصص وأساطير لصالح بقاء الوطن كما نصح "هارولد لازويل" بنفس المضمون وقد طرح "نعوم تشومسكي" أساليب توجيه الرأي العام الأمريكي.
إن حكومة شريف إسماعيل قررت مواجهة الثقافة الاستهلاكية برفع الدعم وتحرير سعر الصرف كإصلاح اقتصادي مطلوب ولكن غير حاسم وسبب غضبًا شعبويًا لأنه بدون تدارك علم الاقتصاد السلوكي للمواطن المصري وتوجيهه نفسيًا للصالح ضد ثقافته الاستهلاكية المدمرة... لأسباب جهل بأهداف الحياة.. بلا قناعة ولهث خلف رفاهية لا تحقق سعادة لذا يلزم إدراك كيف تدير الدول المتقدمة ثقافة شعوبها بما يسمى باللعبة الاقتصادية نحو تنمية مستدامة... والحل في النموذج الإنجليزي (وحدة التنبيه).
أتمنى أن تصل هذه المقالة إلى يد مُتَّخِذ القرار عسى أن أكون قد أصبت لصالح الوطن.