رئيس التحرير
عصام كامل

سياسة الأمر الواقع


يبحث الديكتاتور دائمًا عن وسيلة لفرض رأيه على الآخرين بها وقد قتل هذا الملف بحثًا على أكثر من مستوى، وقد أسفرت الأبحاث عن العديد من الاستراتيجيات الممنهجة التى تستطيع الطبقة الحاكمة من خلالها السيطرة على مفاصل الدولة وتلجيم الرأى العام وتوجيهه بل واستخدامه إن لزم الأمر.


أما وإن كان الحاكم ضعيف الشخصية ضحل الفكر وعقيم الفلسفة، وكان حلم الديكتاتورية - أو قل الإمبراطورية - هو مجرد جزء من شخصيته الحالمة التى تفتقر للإمكانيات، فلا يملك "هواة الاستبداد" إلا استخدام القوة بديلًا لفرض الرأي كأمر واقع لا يمكن الفكاك منه.

فيصبح مفهوم المناورة مرتبطًا باستعراض العضلات وإرهاب كل الأطراف اعتمادًا منه على المفاجأة فى ظل فوضى مصطنعة تجتاح المشهد السياسى والحياة العامة على السواء.

تأتى خطوات تنفيذ استراتيجية الأمر الواقع على 3 مراحل يصبح بعدها مراد الديكتاتور ومصلحة حاشيته محل نقاشات ومحاورات وانتقادات معارضيه، وتأييد وتهليل من أهله وعشيرته. فيتحول العبث إلى قرار ويصير الخلل قانونًا.

ويبدأ التدرج التصاعدى فى استراتيجيته بـ "مرحلة التلميح". التى تتزامن مع بعض التصريحات غير المسئولة من أطراف غير رسمية ويأتى ذلك ضمنًا بين السطور فى تصريحات المسئولين وكأنما تمدها بغطاء سياسى غير مباشر. ولا ضرر إن واجهت تلك التلميحات اعتراضات عنيفة أو وقعت على طاولة النقد اللاذع وواجهت احتجاجًا على نطاق واسع مؤقتًا فتحمل ذلك سهل فى سبيل فرض الرؤية واستنزاف طاقة المعارضين.

وما هو إلا وقت قصير حتى يبدأ فى تنفيذ مرحلته التالية وهى "مرحلة التصريح" فبعد تفنيد الاعتراضات سواءً بتشويه أشخاص المعترضين أو بصياغة ردود تحمل فى ظاهرها درجة من الترتيب وتحمل فى باطنها تجليًا واضحًا للبس الحق بالباطل فى عبارات مليئة بالمغالطات تستند إلى أصول عقائدية (دينية أو أيديولوجية) وأصوات رنانة حادة النبرة وكأنما تشتعل غضبًا من أجل الحق .

وهو ما يثير جدالًا واسعًا وسطحيًا.. فيصبح اللامعقول محل مناقشة ويتحول اللامقبول فيها مقبولًا. وهذا ما تهدف له المرحلة تحديدًا.. فليس عليك إلا أن تجعل رأيك محل نقاش ما بين مؤيد ومعارض لكى تفرض وجوده مهما بلغ ذلك الرأى من شذوذ ومهما بلغت درجة استنكار الآخرين، وهو كافٍ جدًا لإتمام عملية استنزاف الطاقة استعدادًا للمرحلة الثالثة.

"مرحلة الإرهاب واستعراض القوة" وهى المرحلة الأخيرة والتى يضع فيها "هواة الاستبداد" ختام خطتهم ولمساتهم الأخيرة. فتجدهم يحتشدون تحت لواء تأييد فكرتهم الهزيلة بجرأة ووقاحة من ناحية والتنديد بالمنطق والمنادين به ببذاءة من ناحية أخرى، فقد أتاحت لهم المرحلتين السابقتين مساحة كافية لذلك، يأتى ذلك بالتزامن مع بعض الإجراءات الصورية فى اتجاه تفعيل القرار بحجة البحث عن الشرعية وهو ما يظهر المؤيدين فى موقف الدفاع عن الشرعية ولتفتح لهم مجالًا للتغنى بشعارات رنانة مثل الصالح العام ومستقبل أفضل فى إطار تخيلى من دعوات للتغيير والتطهير يفقد خلالها المواطن قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ.

وبناءً على ما نتج من ذلك الترتيب من قبول نفسى وإرهاب سياسى، ينتهز "هواة الاستبداد" فرصتهم فى إصدار ما يحلو لهم من قوانين وسط العديد من الأزمات المختلقة الأخرى فى مرحلة أولى جديدة نحو قرارات جديدة وتعديات أخرى سافرة فى ظل دوائر مفرغة من الجدل والمناقشات تضيع صمود المناضلين وتثنى همة المعارضين وتجعل المشهد السياسى مهترءًا بما يكفى لتقبل الأمر الواقع.

وهى كما ترون استراتيجية بعيدة المدى نافذة التأثير على سذاجتها، ويظهر جليًا فى خطواتها أن من يسعى لاستخدام سياسة الأمر الواقع يشترط فيه:

- انتمائه إلى فصيلة "ذوات الجلد التخين" ليتمتع بالصبر الكافى والبرود اللازم لتحمل تبعات تلك الخطوات على اختلاف مراحلها.

- لا يضره كثيرًا سوء سمعته أو ظهور وجهه القبيح للجميع، فهو كالعاهرة التى يتحول سوء سمعتها مع الوقت إلى أحد أهم مصادر دخلها!

ملحوظة :- إذا تشابه محتوى المقال بالنص أو المضمون مع سياسة أى نظام فعلى أو تصريحات بعض الأشخاص فهى محض مصادفة غير مقصودة بتاتا... ودمتم.

https://twitter.com/MahmoudNabeel

الجريدة الرسمية