رئيس التحرير
عصام كامل

الصعايدة عن «ترشيد الإنجاب»: «عيب وحرام».. السيدات ينجبن بالجملة.. والرجال: «وجودهم بالدنيا».. عبير: «زوجي اكتشف إني باخد حبوب منع الحمل فأصر يحرقني بالنار».. و

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

الزيادة العددية في أفراد الأسرة.. وحش كاسر يلتهم الأخضر واليابس، حيث تعد الزيادة السكانية من أخطر القضايا التي تعوق تقدم الدول وتهدد المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي.


المنيا.. «العزوة» مقابل الحياة
لم يكن التقرير الذي أصدره الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، والذي يؤكد أن محافظة المنيا احتلت المركز الثالث من حيث النمو السكانى على مستوى الجمهورية، “مفاجأة”؛ لأن هناك مؤشرات ودلائل تؤكد ارتفاع نسبة الإنجاب في المحافظة، رغم تكالب مثلث الموت “الفقر.. والجوع.. العوز” عليها.. ذلك المثلث الذي يعد سببًا أساسيًا في تصدر المحافظة للكثير من محافظات الصعيد الأكثر إنجابًا.

“أنا وحداني.. خرجت من الدنيا لقيت نفسى وحيد على 6 بنات.. شربت المر لحد ما كبرت.. كان نفسى يبقى لى أخ سند.. علشان كده قررت يكون عندى “عزوة” بتلك العبارات بدأ محمد أحمد حسن سعودي، مزارع، مقيم بقرية “أبا الوقف” التابعة لمركز مغاغة، أقصى شمال المنيا، حديثه معنا.. مضيفًا: أكرمنى الله في بداية زواجى بحمل زوجتى في أول 10 أيام، وعندما توجهنا إلى الطبيبة أسعدتنى بخبر سار: “افرح يا محمد ربنا أكرمك بتوءم”، وبفضل الله أكرمنى بـ”فارس وعامر”، وبعد عام من ولادة التوءم أكرمنى الله بـ”أسماء وهدى”.. وبهم اكتفيت؛ فقد أنعم الله عليّ من الذرية بالبنين والبنات، إلا أن والدى أصرَّ على استكمال مسيرة “العزوة”.. كان دائما يقول لي: “خلف يا ابنى رجالة تلاقيهم في ضهرك”، حتى اختمرت الفكرة في عقلي؛ فقررت أن أنجب مرة أخرى، زوجتى لم تكن توافق، إلا أنها وافقت لكى ترضيني، فأكرمنى الله بـ”عبير، وسهير”، وكانت ولادتهما بمثابة “جنازة” داخل الأسرة، لأنهما بنتان.. الأمر الذي جعل زوجتى لا تتردد عندما طلبت منها أن ننجب مرة أخرى: “عاوز عزوة رجالة مش حريم”، على حد تعبير والدي، ورزقنى الله بـ “وليد وعلي”، وعبد الرحمن “أصغرهم جاء غلطة”، وأطلق على زوجتى داخل عائلتى “أم التوائم”، وأضاف “سعودي”: مع موجة غلاء الأسعار التي أطاحت بالأخضر واليابس أصبحت “الخلفة” نقمة، وكما يقولون: “انقلب السحر على الساحر”، وأصبحت في ورطة كبيرة.. فيكفيني فقط هَمُّ “جوازهم”.

“يعنى إيه تنظيم أسرة ؟!”
“صَمَّت أذنيها عن برامج تنظيم الأسرة.. ظَنّت أن الأسرة قوامها العزوة والعيال.. ترددت في أذنيها فكرة “املى البيت بالعيال، وجوزك مش هيبعد عنك”.. هذا هو حال “نعيمة ع.”، بقرية دير الملاك، التابعة لمركز ملوى جنوبى المنيا.. قضت 20 عاما داخل تلك القرية التي ظلت حتى الآن بدون وحدة صحية، واضطرت لكثرة الإنجاب حتى أصبح لديها من الأبناء 7، تقول: “لم أجد من ينصحني.. لم أجد من يرشدني.. عندما كان زوجى يقرر الخلفة كنت أوافق بدون أي تردد”، وعندما تطرقنا مع “نعيمة” للحديث عن “تنظيم الأسرة”، ظهرت على وجهها علامات تعجب، وكأنها لم تسمع عن ذلك من قبل.. قالت: “هذا ليس حالى أنا فقط، بل حال جميع نساء القرية البالغ عددها أكثر من 18 ألف نسمة”، وأضافت «إننا لم نسمع عن كلمة “تنظيم الأسرة” إلا من خلال وسائل الإعلام عندما تأتى بين فواصل المسلسلات، ولكن ظلت قرية دير الملاك منذ أن تزوجت، وعشت مع زوجى بها، ليس بها وحدة صحية نتلقى فيها النصائح الطبية والأسرية، فتجد أهالي القرية لديهم أعداد كبيرة من الأبناء لمساعدة الأب في أعمال الزراعة».

حين سألنا “عبير. ح. م”، ابنة الواحد والعشرين عاما، كم تبلغين من العمر؟ كان الرد: معلش.. آسفة.. والله ما أعرف.. أجيبلك البطاقة تقرأ منها؟”، وعندما أحضرت البطاقة اكتشفنا أن عمرها لا يتعدى الـ21 عاما، لديها 6 من الأبناء “4 فتيات.. وطفلان”، تروى قصتها، فتقول: تزوجت منذ 7 سنوات.. كنت في هذا الحين صغيرة، ولكن عادات القرية كانت تجبرنى على الموافقة على الزواج كأى صديقة لي، ومنذ تزوجت أكرمنى الله بالإنجاب 4 مرات.. مرتان منها “توائم”؛ في الحمل الأول وتوائم في الحمل الثاني، وأخيرا رزقنى الله في الحمل الثالث والرابع بـ “على - عمر”.

اختفاء دور الصحة في القرية.. واختفاء دور تنظيم الأسرة الذي كنا نسمع عنه في التليفزيون أدى إلى جهل صحى وخاصة عند السيدات.. فسيدات القرية أصبحن ما بين أمرين؛ إهمال صحى يتمثل في اختفاء دور الوحدة الصحة، والثانى إجبار زوج طامع في عزوة الأبناء.

قالت “عبير”: ذات مرة شعرت بإرهاق شديد من كثرة إنجاب الأطفال، وكان لديّ من الأبناء 4؛ جميعهم بنات، ولم يرزقنى الله بـ”الولد”.. شكرت ربنا وقلت الحمد لله على كده، بعد أن أجريت فحصا لدى طبيبة بمركز ملوي، قطعت أكثر من 13 كيلومترا لكى أجرى الكشف، وهذا حالى في كل كشف أقطع مسافات.. نصحتنى الطبيبة بـ”حبوب منع الحمل” دون أن يعلم الزوج، وبعد أن تناولت شريطًا تلو الآخر افتضح أمري”.. والله كنت هنحرق بالنار.. كنت هاموت قتيلة بسبب شريط منع الحمل”.. إلا أن الله أكرمنى بعد ذلك بخلفة “الصبيان”.

سوهاج: «خلفى وسيبيهم وإحنا نربى»!
محافظة سوهاج تأتى في مقدمة محافظات مصر من حيث زيادة التعداد السكاني، ورغم كثرة الدعوة لتنظيم الأسرة، وتقليل النسل للحد من مشكلة الانفجار السكاني، لا تزال نسبة المواليد في سوهاج ترتفع بشكل مستمر؛ حيث وصل عدد سكانها إلى 4 ملايين و956 ألفًا و779 نسمة.

"فيتو" التقت عددًا من السيدات من أهالي قرية طما بمحافظة سوهاج، وهى أولى المحافظات التي طبقت بها وزارة الصحة الإستراتيجية السكانية المنضبطة، لمعرفة رؤيتهن حول مفاهيم الصحة الإنجابية، ومدى توافر وسائل منع الحمل بوحدات طب الأسرة، فضلا عن مدى انتشار ثقافة تركيب وسائل منع الحمل، حيث أكدت السيدات رفض أزواجهن تركيب الوسيلة ورغبتهم في الإنجاب بكثرة، وانتشار مفهوم “العيال عزوة”.

"صباح" سيدة من أبناء قرية طما بمحافظة سوهاج، لم تكمل تعليمها، لديها ثلاثة أبناء ذكور، وثلاث بنات، قالت في حديثها لـ”فيتو”: إنها بدأت في استخدام وسيلة منع حمل لعدم الإنجاب لفترة، مشيرة إلى أن لديها 6 أبناء، وأن أغلب السيدات في القرية تنجب ما لا يقل عن 5 أبناء، وكثرة الإنجاب تلقى ترحيبا وتتفق مع رغبة أهل الزوج في ذلك.

وتابعت حديثها بأن السيدات في القرى يرغبن في تركيب وسيلة منع حمل إلا أن الأزواج يعتبرون الأبناء “عزوة”، ويرفضون تركيب وسائل منع حمل ويطالبون السيدات بالإنجاب، وهم يربون الأبناء بمبدأ “خلفى وسيبيهم.. إحنا نربي”!!

فيما أوضحت "منى على" التي تبلغ من العمر 37 سنة، ولديها 5 من الأبناء ولدان و3 بنات إنها توجهت إلى الوحدة الصحية لتركيب وسيلة منع حمل، بعد إجراء عدد من التحاليل وقياس الوزن ونسبة الأنيميا لاختيار أفضل وسيلة، موضحة أن “اللولب” وسيلة طويلة المفعول تصل إلى 12 عاما، وهى أفضل الوسائل، حسبما سمعت من طبيبة الوحدة، وأوضحت أن الأهالي بالأرياف والقرى لديهم رغبة في إنجاب عدد كبير من الأبناء، حتى تخدم الفتيات في المنازل، والأولاد في الأرض الزراعية، قائلة: "لايفى معاهم 8 ولاد عايزة أجيب زيهم، وزوجى دائما يطلب منى إنجاب أبناء كل سنة"، وأضافت أنها تناولت أقراص منع الحمل، إلا أنها سببت لها ألمًا إضافيًا؛ لذا لجأت إلى تركيب “اللولب” لأنه وسيلة آمنة وموضعية ولكنها تخشى ألا يؤدي الغرض وتحمل مجددا.
الجريدة الرسمية