«إيصالات الأمانة» حيلة أهالي بني سويف لتزويج القاصرات.. «تقرير»

«إحنا قاسيين قوي على أولادنا وبناتنا» بهذه الكلمات أبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمته باحتفالية التعداد السكاني، استياءه من ظاهرة زواج القاصرات، ومنذ ذلك التصريح بدأ المعنيون بالأمر العمل على التوعية بمخاطر الظاهرة، التي انتشرت في مختلف المحافظات ومن بينها بني سويف.

الخوف من العنوسة
وأمام إصرارهم على تزويج بناتهم في سن مبكرة بدافع "الستر" أو الخوف من "العنوسة" انتشرت تلك الزيجات التي عادة تنتهى بفشلها، وبمشاكل اجتماعية أو قانونية، حيث يقدم الزوج إيصال أمانة موقعا على بياض من نسختين، واحدة يحتفظ بها والد العروس والثانية تكون لدى المأذون الذي يزوج العروسين بلا وثيقة رسمية، ليكون إيصال الأمانة بديلًا لـ"قسيمة الزواج" ويتم بموجبه الزواج الكامل حتى تبلغ الفتاة السن الرسمية للزواج فتعود مع الزوج للمأذون مرة أخرى ليعقد قرانهما رسميا ويسترد العريس إيصالي الأمانة.

جريمة مكتملة الأركان
يقول محمود منجي، محامي، إن هذه الطريقة المنتشرة في قرى بني سويف، باستبدال القسيمة بإيصالات أمانة، جريمة مكتملة الأركان، في عُرف القانون وهي تزوير في ميزان الشريعة، وتُنفذ الجريمه التي يرتكبها المأذون ثم والد العروس أو ولى أمرها ومن بعدهما يأتى العريس أو طالب الزواج، لتكتمل المافيا التى يجمع حلقاتها من يقوم بدور الـ"سمسار".

جدة في عز شبابها
وقالت سامية جابر رسلان، ربة منزل، 47 سنة: تزوجت وأنا بسن 12 عاما وأنجبت عشرة أبناء تبقى منهم ثمانية على قيد الحياة، وأصبحت جدة وكبر أحفادي وأنا في عز شبابي، لذلك زوجت بناتي في سن الرابعة عشرة و"زواج البنات سترة ولو تعدت البنت سن 16 عاما ولم تتزوج فإن القرية تاكل وشنا"، على حد قولها.

زوجي اختفى
وتابعت: بعدما شددت الحكومة على سن الزواج تزوجت ابنتي الأخيرة بإيصال أمانة وأنجبت طفلا، وعندما حان وقت العقد الرسمي تهرب زوجها وأرسلها للإقامة معنا واختفى، ونصحنا محام بعدم استخدام الإيصال الآن حتى لا ينكر هو الزيجة ومازلنا في مرحلة التفاوض مع أهله ولا أعلم كيف سيكون مستقبل ابنتي وطفلتها.

تركني معلقة
وقالت "نهي م.م" 18 سنة، حاصلة على دبلوم فني: تزوجت منذ عامين بإيصال أمانة مثل معظم فتيات القرية من أحد أقاربي الذي أحببته، وأنجبنا طفلتي "جنا" وكانت الحياة عادية إلى أن اقترب موعد عقد القران الرسمي الذي انتظرته لأتمكن من استخراج شهادة ميلاد لابنتي التي لم أسجلها حتى الآن!! فوجئت به يدعي أنه لم يعد يحبني واشترط طلاقي بعد عقد القران الرسمي وهو ما رفضه والدي فتركني معلقة، وأقمنا ضده دعوى بإيصال الأمانة.

سمسار المأذون
وقال أيمن أبوالدهب، إخصائي اجتماعي، إن ظاهرة زواج القاصرات في قرى مراكز محافظة بني سويف، سببها الأفكار والعادات المترسخة، فالغالبية العظمى يتعامل مع البنت كأنها "مصيبة" ستجلب المشاكل والعار، فمنذ بلوغها الثانية عشرة يبدأ التفكير في زواجها، فيعجل في إنهاء الزيجة ويلجأ لمافيا زواج الصغيرات ويتكبد مع العريس مبلغًا لا يقل عن 5 آلاف جنيه، ليتم الزواج مأذون مجهول الهوية لا يعرفه إلا "السمسار" يقوم بتحرير وثيقة وهمية لا تسجل في المحكمة إلا ببلوغ العروسين السن القانونية المحددة بـ18 عامًا.

قومي المرأة
فيما أكدت نرمين محمود عبد العظيم، مقرر فرع المجلس القومي للمرأة في بني سويف، أن فرع المجلس تلقى تقريرًا من جهة قضائية كشف عن إحصائية لزواج القاصرات بالمحافظة، مفاده أن عدد الأسر التي شاركت في توثيق زواج القاصرات أو الزواج المبكر بلغت ألفي حالة، حصلت على عقد تصادق على مستوى المحافظة من محكمة الأسرة.

الرقابة على المأذونين
وعن حالات زواج القاصرات التي تتردد على المجلس عديدة، قالت إنها عديدة ولكن يأتى أغلبها بعد اتمام الزواج وتصل المشكلات بين الزوجين إلى رغبتهما في الانفصال، وهو ما يتوقف لحين توثيق عقد الزواج، فالمشكلة تكمن في الإجراءات الإدارية لتسجيل الزواج أو انعدام الدور الرقابي على المأذونين الشرعيين، ممن يخالفوا الشرع والقانون بأسلوب لا يحفظ للزوجة أي حقوق في حالة غدر الزوج أو وفاته.

تفريط في البنات
وطالبت نرمين بتشديد عقوبة المأذون المتهم بإرتكاب هذه الجريمة وأن تطال الأب والأم اللذين يفرطان في كرامة وعرض بناتهما، بما يردعهما عن إتيان هذا العمل المشين، مع تشديد العقوبة على كل الأطراف المتورطين في هذا السلوك الذي يرفضه الدين، لأن البنت في هذه الآونة تحتاج إلى قدر من العلم والثقافة والنضج لتحمل مسئولية الأمومة والحياة الزوجية.

جريمة ونكاح فاسد
وقال الشيخ سيد محمود زايد، عضو لجنة الفتوى، أن مثل هذا النوع من الزواج جريمة بيع طفلة ومهاترات ونكاح فاسد ودعارة مقنعة، وكذلك بالنسبة للشهود، لقوله تعالى "وأشهدوا ذوي عدل منكم" فالجريمة يتورط فيها الأب والزوج والشهود والمأذون.