رئيس التحرير
عصام كامل

مافيا «قصر العينى».. محررة «فيتو» تتبعت خطوات أعضائها.. وحضرت صفقات «التسليم والتسلم» طوال 270 يوما في تحقيق استقصائي.. تورط «ملائكة الرحمة» وعمال المستشفيات في

فيتو

الكتابة عن الفساد فقدت نكهتها.. الكلمات هي الأخرى فقدت قوتها، أصبحت شبيهة بالقوانين، لا تسمن ولا تغنى من جوع.. الجميع فوق القانون، إلا الفقراء المرضى منا الذين لا يمتلكون من حياتهم إلا الستر والصحة، وعندما تذهب الأخيرة تصبح أرواحهم مكشوفة ومتاحة لـ"الفاسدين".


جولة واحدة داخل مستشفى.. قصر العينى القديم، كافية للتأكد من أن القانون لا يعترف بالفقراء، فعبارات الطمأنة لا تخرج إلا بـ"البقشيش"، الأدوية التي من المفترض أن توفرها الحكومة لمواطنيها لن تجدها، الأطباء لا حول لهم ولا قوة، وكل هذا لا لشيء إلا لأن مجموعة من الموظفين داخل المستشفى العريق قرروا أن الفقراء لا يصلحون للحياة، وأن من يملك المال فقط هو من يستحق العلاج والدواء والشفاء أيضا.

على كرسي متحرك تجلس "إسراء"، تنقل أعينها المجهدة بين زوجها الذي افترش الأرض ليختطف دقائق من النوم بعد ساعات طويلة قضاها داخل صالة استقبال مستشفى الطوارئ بقصر العينى القديم (185).. وشقيقتها التي تنتظر الحصول على أشعة الرنين المغناطيسى التي خضعت لها "إسراء" بعدما فقدت القدرة على تحريك أطرافها منذ 3 أيام، وأصبحت غير قادرة على الأكل أو الشرب خلال تلك الأيام. 

المريضة.. زوجها.. وشقيقتها، الثلاثة تظهر على ملامحهم علامات التعب، ورغم هذا لا يزالون يتمسكون بـ"خيط أمل"، رغم الصدمات القاسية التي تتلقاها أرواحهم منذ وطأت أقدامهم المكان.


 
شقيقة "إسراء" روت تفاصيل ما حدث خلال الأيام الثلاثة قائلة: "عملنا لها أشعة على الجهاز الهضمي، وكشف نساء كامل، ومفيش حاجة، بنيجي هنا من ثلاثة أيام“، وقد وصل زوج إسراء إلى المستشفى في السادسة صباحا، وانتظر دور زوجته في تلقى العلاج بالمستشفى، ورفضت إدارة المستشفى إعطاء زوجته المحاليل الطبية المطلوبة باعتبارها غير مريضة، رغم أنها لم تخضع لكشف الرنين المغناطيسي، ولم تخضع لاختبار نفسي، كما أن بقاءها دون طعام أو شراب لمدة ثلاثة أيام يستدعي حصولهم على محاليل، والممرضة بتعاملنا معاملة وحشة، وقالت لنا إنها بتدلع، واشترينا محاليل على حسابنا بـ200 جنيه".

"إسراء".. لم تكن الحالة الوحيدة التي عانت من نقص الأدوية، فقد وثقت محررة "فيتو" عددًا من الحالات الأخرى، أمام مستشفى الحالات الحرجة بقصر العيني.


 
قائمة الضحايا تضم "أم مينا" التي روت قصتها قائلة:" لفينا على ثلاثة مستشفيات لحد ما جينا هنا، وبدأت رحلة أم مينا في البحث عن سرير بالمستشفى، وبعد معاناة وجدت سريرا في عنبر السيدات، لقينا سرير فاضي في عنبر السيدات، دفعت 30 ألف جنيه مصروفات العملية، واشتريت دعامة القلب من خارج المستشفى، والقسطرة كمان من برة وعلي حسابنا".

أمام مستشفى النساء والتوليد جلست شقيقة سميرة بانتظار إجراء شقيقتها لعملية جراحية عاجلة، بسبب موت الجنين داخل رحمها، ففي البداية كانت تعاني من فقر الدم، وارتفاع في ضغط الدم، وضعف في عضلة القلب، وتسببت هذه الأمراض في موت الجنين داخل الرحم، ما استدعى إجراء عملية جراحية عاجلة: “المستشفى سلمنا قائمة أدوية نشتريها من برة، أخويا خرج اشتراها، ودفعنا أكثر من ألف جنيه ثمنا لهذه الأدوية“.


الأدوية الناقصة
طبقا لما أعلنته الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة في شهر مارس الماضي يوجد 336 دواء من الفئة الأولى غير متوافر، ولا يوجد له بديل، كما يوجد 287 دواء غير متوفر، وله بديل في الفئة الأولى، ويوجد 49 مستحضر من الفئة الثانية لا يوجد له بديل، و342 مستحضرا شهدت نقصا ولها بديل، وكانت نقابة الصيادلة والمركز المصري للحق في الدواء أعلنوا أن الأدوية الناقصة يتجاوز عددها الـ1800 صنف.

ولا يخفى على أحد نقص الأدوية بالمستشفيات المصرية، بعدما ارتفعت وتيرته بعد قرار تحرير سعر صرف الدولار، ويعاني سوق الأدوية في مصر من نقص حاد، بسبب ارتفاع أسعار الدواء إلى الضعف، ورفض المتعهدين توريد الأدوية بالأسعار القديمة، ومع هذا الوضع ازدهرت عمليات تهريب الأدوية من قبل عمال وممرضي المستشفيات الحكومية، ومنها مستشفى قصر العيني، وبيعها إلى المرضى بأضعاف سعرها مستغلين حاجتهم إليها.
 


مافيا بيع الأدوية
وعلى مدار 9 أشهر، خاضتها معدة التحقيق للبحث عن عصابات بيع الأدوية والأجهزة، داخل مستشفى قصر العيني التقت المحررة بـ"محمد" (اسم مستعار) ممرض بوحدة الحالات الحرجة، الذي أكد وجود عصابات لتهريب الأدوية من داخل المستشفى.

وقال "محمد": ارتفاع أسعار الأدوية، ونقصها في كثير من الأحيان، جعل بعض الناس يلجئون إلى المستشفيات الحكومية لشراء نواقص الأدوية، والمحاليل الطبية وبعض أدوية الكلى والسكري والضغط، وبعض العمال بمستشفى قصر العيني أصبحوا يعملون كشبكات لبيع أدوية المستشفى و"كله بثمنه".



شراء الأدوية
داخل وحدة الطوارئ، التقت معدة التحقيق إحدى الممرضات لشراء محاليل طبية في 7 يوليو 2017، بدعوى أن والدها يجري عملية قلب، ويحتاج إلى هذه المحاليل، بالفعل اتفقت المحررة مع الممرضة سماح (اسم مستعار) لشراء المحاليل من الوحدة، واتضح أن "سماح" تعمل كعضو وظيفته إتمام الصفقات والبيع.

وقد وثقت معدة التحقيق حادث البيع بكاميرا سرية، وانتظرت المحررة داخل غرفة الممرضين، وقد أخبرتها سماح بأنها تقوم بذلك منذ فترة طويلة بمساعدة زميلاتها “تاخدي الحاجة وتخبيها في الشنطة، وتخرجي من باب غير اللي دخلتي منه، ومتكلميش حد لو حد سالك انتي متعرفنيش “، وبعد نحو ساعة حصلت معدة التحقيق على زجاجتي محلول مقابل أقل من مائتي جنيه. 



الدواء لم يكن "البيزنس" الوحيد في القطاع الصحى، فالجولة داخل "أرض قصر العينى" كشفت أيضا أن هناك تخصصات أخرى، منها تلك المتخصصة في الأجهزة الطبية، التي تختلف عن مافيا الأدوية من حيث طرق التهريب ووسائله، فحين يقتصر تهريب الأدوية على المهرب والمشتري، فإن عمليات بيع الأجهزة تتضمن أطرافا أخرى.

أحمد “اسم مستعار” عامل بالمستشفى قسم الحالات الحرجة، قال: الأجهزة التي يتم تهريبها تكون مستعملة، ويخرج العمال إذنا لتحويلها إلى مخزن الخردة، وغالبا ما يشارك بالصفقة “وسيط” لنقل الأجهزة إلى الموزع الرئيسي أو إلى تجار الخردة، وغالبا ما تكون سيارة إسعاف أو أحد تجار الخردة.

اعترف "أحمد" أن الوسيط يحصل على نسبة من الصفقة، ووجوده ضروري منعا للشبهات، وأكمل: الأجهزة غالبا ما تكون خفيفة ورخيصة نوعا ما مثل الكراسي المتحركة، فلا يستطيع أحد سرقة الأجهزة الكبيرة مثل أجهزة وحدة الكلى، ويتم سرقة الأجهزة الكبيرة على شكل قطع غيار، أما الأجهزة الصغيرة الحجم فيتم إخفاؤها بالملابس وبيعها في مقاهي قصر العيني.

خلال فترة إتمام التحقيق، وثقت معدة التحقيق حادثة سرقة بعض الأجهزة الطبية من أمام مستشفى أبو الريش الياباني بكاميرا سرية، وقد وقف عدد من العمال يجمعون بعض الكراسي المتحركة، ومراوح السقف، والأطباق المعدنية المستعملة من المستشفى، ونقلت إحدى سيارات الإسعاف هذه الأجهزة إلى الموزع الرئيسي بقصر العيني، بعد حصول العمال على الأموال من بيع الأجهزة.

وأضاف: مافيا الأجهزة الطبية تُخرجها ضمن مخلفات المستشفى أو الخردة، موضحا أن إحدى العاملات توجهت إلى إدارة الجامعة بعد القبض عليها، واعترفت على الدكتور الذي حرضها على سرقة قطع غيار أحد الأجهزة الطبية، وهي قطعة صغيرة تكلفتها 25 ألف جنيه.

داخل مخزن الخردة بمستشفى قصر العيني
غالبا ما يستخرج العمال إذنا لإخراج الأجهزة الطبية "العهدة" إلى مخزن الخردة، وخلال تلك العملية يسرقون بعض قطع الغيار مرتفعة الثمن من الأجهزة الغالية.

وفي مقابلة أجرتها معدة التحقيق لشراء كراس متحركة من المخزن، أكدت للعمال أنها تعمل لصالح جمعية خيرية، وتحتاج إلى كراس متحركة مستعملة، وأخبرها العمال، أن الصفقة ستتم بمساعدة أحد تجار الخردة، لاستحالة بيع الأجهزة وإخراجها دون مساعدته " مقدرش أخرج الحاجة من غير عربية، الأمن يلبسني قضية، لازم حد من التجار يخرجها في وسط الحاجات اللي اشتريتها من المزاد".

أمر طبيعي ووارد والعقوبة محدودة
في سياق متصل علق الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق على الأمر بقوله: قصر العيني يوجد به 6800 سرير في 12 قسما مختلفا، ويعمل به 20 ألف موظف، ونحو 4200 دكتور، والجريمة واردة مع هذا العدد الضخم.

واعتبر رئيس الجامعة السابق "سرقة الأدوية والأجهزة الطبية" ظاهرة موجودة بالمستشفيات الجامعية، وقال: هناك عصابات تبيع الأدوية والأجهزة الطبية بقصر العيني، لكن إدارة المستشفى تقبض عليهم، وهناك حالات تستطيع الهروب من العقاب، وأسوأ ما في المنظومة الحكومية هو الموظف.

وأضاف "نصار" في اللقاء الذي أجرته معه معدة التحقيق: الحالات التي يتم إلقاء القبض عليها يتم وقفها عن العمل، وفصلها نهائيا، وتحويلهم إلى النيابة فورا.

وانتقد عمليات السرقة والتهريب، قائلًا: "سرقة الأدوية نوع من الخسة والندالة، لأنها تعرض حياة المرضى للخطر، يعني إيه مريض في وحدة الطوارئ يكتب له حقنة غالية لإنعاشه من الغيبوبة أو الحادث الذي تعرض له، يسرقها الممرض ويبيعها برة".

وفسر "نصار" أسباب وجود عصابات الأدوية بقوله: في الأيام الأولى بعدما توليت رئاسة الجامعة كانت تأتي إلى مكتبي كل يوم خميس أسبوعيا أكثر من 150 حالة سرقة أو تهريب تخص مستشفيات الجامعة، كنت أحيلها إلى النيابة الإدارية، التي كانت تفتح تحقيقا في الواقعة بعد مرور عام على حدوثها، وتصدر الحكم بعد عامين، وفي الغالب يكون خصم 3 أيام من الراتب، أو إيقاف مؤقت عن العمل.

ومع انتشار الظاهرة حاولت جامعة القاهرة التصدي لها، حيث أسس رئيس الجامعة السابق قسم شئون قانونية من خمسة محامين مهمتهم بحث شكوى السرقة في المستشفيات الجامعية، وإحالتها فورا إلى مكتب رئيس الجامعة، والذي يقوم بالوقف الفوري عن العمل.

يبقى سؤال كيف تتم عمليات السرقة، يخبرنا الدكتور نصار، أن حوادث السرقة الحالية تكون بمساعدة أحد النواب، والذي يكتب روشتة مضروبة يتم صرفها من صيدلة القصر العيني باعتبارها روشتة عادية.

مقاهي قصر العينى.. أرض "تسليم المسروقات"
مع زيادة الصفقات وكثرتها يبقى سؤال عن مكان تسليم المسروقات، غالبا يتم تسليم الأجهزة "بمقاهي العيانين " بعد انتهاء أوقات العمل الرسمية بالمستشفى، أمام مستشفى قصر العيني الجديد “الفرنساوي"، توجد ثلاثة مقاه مواجهة له، معروفة بين العامة باسم “مقاهي العيانين“ وتزدحم بالمرضى والعمال بعد الساعة الثانية ظهرا.

وكانت معدة التحقيق شاهدا على عدد من الصفقات، وغالبا ما يُنهى العمال والموظفون صفقات بيع الأجهزة الطبية المهربة صغيرة الحجم داخل المقاهي، لتأخذ الأجهزة طريقها إلى محال الأجهزة الطبية بمنطقة السيدة زينب.

بدوره برر الدكتور هشام عامر، مدير المستشفيات الجامعية بجامعة القاهرة السابق حوادث السرقة باعتبارها أمرا واردا، وقال: مستشفى قصر العيني كبير، ويعمل به عدد كبير من العمال، والأمر وارد، وإدارة المستشفى ألقت القبض على مجموعة من العمال هربوا 16 متر كابلات كهرباء، وتم إحالتهم للشئون القانونية، وفي حالة ثبوت التهمة، يتم فصلهم نهائيا من المستشفى، وإحالتهم إلى النيابة فورا.

الجامعة تحارب الفساد
الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة قال : الفساد المالي مسألة خطيرة، ومن جانبي أتحفظ على الحديث في مسألة سرقة أدوية مستشفى قصر العيني لحين فتح تحقيق رسمي.

وتابع: قصر العيني يقدم كثيرا تحت إدارة الدكتور فتحي خضير عميد كلية طب قصر العيني، وإدارة الجامعة ترفض الفساد بكل أنواعه وتحاربه، والأدوية والأجهزة في قصر العيني تقع ضمن العهد من الصعب خروجها أو بيعها.

بدوره علق الدكتور فتحي خضير، عميد كلية طب قصر العيني: أي شخص يسرق الأدوية من قصر العيني مهما كان منصبه، تتم إحالته للشئون القانونية، ويوقف فورا عن عمله لحين انتهاء التحقيق، وإذا ثبتت عليه الجريمة تتم إحالته إلى النيابة.

في السياق قال الدكتور أحمد صبحي، أستاذ جراحة التجميل بكلية طب قصر العيني، مدير عام مستشفيات جامعة القاهرة: إدارة المستشفى وضعت كاميرات في جميع المباني، يراقبها عامل أمن، وأى شخص تشك إدارة الأمن فيه يتم تفتيشه وإحالته إلى التحقيق الفوري، والإدارة لا تتستر على الفساد أبدا.

الأدوية والأجهزة الناقصة بقصر العيني
تأثر مستشفى قصر العيني كبقية المستشفيات بتحرير سعر صرف العملة، الذي أدى إلى نقص شديد في سوق الدواء المصري، هو ما أوضحه الدكتور هشام عامر مدير عام المستشفيات الجامعية بجامعة القاهرة السابق، بقوله: مستشفى قصر العيني حصل على الميزانية المالية، التي كان مقررا أن تصرفها لها إدارة الجامعة، وهذه الأموال ستعمل على سد العجز في الأدوية الناقصة.

وقد حصلت فيتو على قوائم الأدوية الناقصة، وتشمل الأدوية الخاصة بمرض القلب، وأدوية تخص الفشل الكلوي، وصبغات الأشعة، الكابرس، وميني برس، ثرومبكس كريم، بيكوم أمبول، وأسبوسيد، وبعض المحاليل الطبية، وبعض أدوية السكر والضغط والقلب، وشملت بعض المستلزمات الطبية مثل قفازات ولاصقات طبية، ورول تعقيم، وتشمل الأجهزة الناقصة مرتبة هوائية، منظار حنجري، ومراوح سقف، سخان كهرباء، إضافة إلى جهاز غسيل كلوي لوحدة الكلى.

ميزانية قصر العيني
تخصص جامعة القاهرة ميزانية ضخمة لمستشفى قصر العيني لشراء الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية وتجديد الأبنية، وفى تصريحات سابقة للدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، أوضح أن ميزانية قصر العيني بلغت 500 مليون جنيه وهي غير كافية لأن مستشفيات الجامعة تحتاج سنويا إلى 2.5 مليار جنيه، من أجل أن تتمكن من تقديم خدمة علاجية جيدة للعاملين بالجامعة وللمرضى المقبلين إليها من الأقاليم.

وأضاف "الخشت" في التصريحات ذاتها: أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية في تزايد مستمر، خاصة بعد قرار «تحرير صرف الجنيه»، ما يعنى أن الميزانية الحالية لن تفي بكل احتياجات هذه المستشفيات على الإطلاق.

في حين أكد رئيس الجامعة السابق، الدكتور جابر نصار أن ميزانية تشغيل قصر العيني بلغت 642 مليون جنيه قبل تحرير سعر الصرف، ثم أصبحت بعد تعويم الجنيه 672 مليون جنيه، موضحًا أن 400 مليون جنيه من هذه الموازنة يذهب إلى مرتبات العمالة، ويذهب الباقي إلى خدمة المستشفى، والمستلزمات الطبية، والأدوية وصلت ميزانيتها إلى 72 مليون جنيه، وميزانية مستشفى الطوارئ وصلت إلى 240 مليون جنيه، كما خصصت الجامعة مليون جنيه نقدا لخدمة الحالات الحرجة.

العمال سبب الفساد
يعترف الدكتور "نصار" أن الجهاز الإداري الحكومي هو أحد أسباب مشكلة الفساد ليس فقط في قصر العيني ولكن أيضا في مصر كلها، حيث قال: قصر العيني مؤسسة ضخمة وتحاول تطوير نفسها، ويوجد به 6800 سرير داخل أكثر من 12 قسما، ويعمل بها 4200 طبيب، ومصر بها سبعة ملايين ونصف المليون موظف، ويحتاج الجهاز الإداري إلى مليون ونصف ليكون جيدا، ويعمل بمستشفيات جامعة القاهرة 20 ألف موظف، وتحتاج المستشفيات منهم 15 ألفا فقط".

وواصل: جزء من شبكة الفساد شخصي ونفسي ومجتمعي، "العامل الصغير يبرر لنفسه سرقة الأدوية، وتقاضى الرشوة باعتبار أن راتبه صغير لا يكفي، كما أن الممرضة تبيح لنفسها تقاضي الرشوة وابتزار المرضى، والعمالة الزائدة تضغط على المكان "لوكان الأمر بيدي كنت قعدت العمالة الزائدة في البيت، ووفرت مواصلات وكهرباء وياخدوا مرتبهم عادي وترتاح المستشفي من شرهم، يروحوا يشتغلوا في حتة تانية ".

وشدد "نصار" على أن مستشفى قصر العيني الفرنساوي يعاني من مشكلة العمالة الفاسدة "قبل تولي نبيل عبد المقصود كان أي حد مغضوب عليه يروح العلاقات العامة، وكانوا بيعاملوا المرضى وحش"، مضيفا أن بعض الموظفين يعمل لصالح مستشفيات خاصة، ويقوم بإرسال مرضى قصر العيني إلى المستشفيات الخاصة، ويحصل على عمولة على كل مريض".

سرقة الأدوية جريمة جنائية
يبقي السؤال عن العقاب القانوني لمثل هذه الظاهرة في المستشفيات، وينص قانون العقوبات المصري رقم 95 لسنة 2003 على أن كل موظف عام تاجر بأعمال الوظيفة، المختص بها، من أجل تحقيق مصلحة خاصة؛ يعاقب بالسجن المشدد والغرامة وتختلف هذه العقوبة حسب اختلاف الوظيفة وحجم الضرر.

في هذا السياق قالت الدكتورة فوزية عبد الستار، أستاذ القانون الجنائي بكلية حقوق جامعة القاهرة، وعميد الكلية الأسبق: سرقة أدوية وأجهزة القصر العيني يعد اختلاس مال عام، وهي جريمة جنائية، وعقوبة الاختلاس من المال العام تصل إلى الأشغال الشاقة، والسجن من 3 إلى 15 سنة، وبلاغ إلى نيابة العامة كفيل بفتح تحقيق، مع اعتبار "الأدوية أو الأجهزة" دليل إدانة".

وتابعت: في حالة استعانة الممرض أو العامل بروشتة مزورة للحصول على الأدوية، أو استخراج أوراق مزورة لإخراج الأجهزة كخردة تشكل جريمة أخرى وهي جريمة التزوير، كما أن سرقة الأدوية من المريض تعرض حياته للخطر، ومن حقه مقاضاة الممرض أو العامل الذي قام بهذا الفعل.

النظام الإلكتروني هو الحل
تعتمد المستشفيات في الدول الأجنبية على النظام الإلكتروني في صرف الأدوية عن طريق الكمبيوتر، وقاعدة بيانات أخبرنا الدكتور جابر نصار أنه حاول تطبيق هذا النظام بمستشفيات جامعة القاهرة إلا أن محاولته باءت بالفشل، موضحا أنه أراد تطبيق منظومة صرف الدواء الموجود بقصر العيني الفرنساوي في مستشفى قصر العيني القديم، وهو يقوم على صرف الدواء للعاملين بالروشتة، ويتم إرسالها إلى إدارة الجامعة، مؤكدا أن هذه المنظومة ساهمت في تقليل مصروفات الأدوية في قصر العيني الفرنساوي من 12 مليونا إلى 4 ملايين جنيه، خاصة أن الجامعة توفر خصما خاصا للعاملين بالجامعة على الأدوية، وكان بعض الموظفين يستغلونه لصرف أدوية بديلة..

"نصار" أكد أن معهد الأورام لجأ لحل آخر في مشكلة سرقة الأدوية بتفتيش العمال والموظفين قبل خروجهم من المستشفي، وخاصة أن بعض أدوية السرطان يصل سعر الجرعة الواحدة منها إلى 25 ألف جنيه، إذا لم يحصل عليها المريض يموت فورا.

"نقلا عن العدد الورقي"..
الجريدة الرسمية