ننشر رسالة معاذ الخطيب لحسن نصر الله.. المنطقة تمر بفتنة لا ينجو منها أحد.. تفكك إمبراطوريات عظيمة بسبب غرور القوة.. كفانا خصام بين السنة والشيعة .. اسحب قوات حزب الله من سوريا
أرسل معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطنى السورى، رسالة إلى حسن نصر الله؛ الأمين العام لحزب الله اللبنانى، بدأها بالسلام على كل من يمدّ للحق يدًا، ويحقن للأبرياء دمًا، ويجعل الإنسان مكرمًا.
وقال فى الرسالة التى حصلت "فيتو" على نسخة منها: إنه لا يخفى عليكم أن المنطقة تُجَر إلى فتنة ربما لا ينجو منها أحد، وأن هناك سعيًا نحو تفتيتها، وإدخالها فى صراع مذهبى مرعب يستهلكها عشرات السنين.
وركز معاذ على أنه لا يؤمن بالحرب، ويعتبرها عجزًا للإنسان ، وأن التفاهم وحدَه هو سبيل حل أية مشكلة تنشأ بين الأفراد أو المجتمعات، وعلى الأمم ألا تغترّ بالقوة التى تمتلكها فكم تفككتْ إمبراطوريات عظيمة بسبب غرور القوة الذى يسكنها.
وتساءل الخطيب: ألم يكفنا سنةً وشيعة أكثرُ من ألف عام من الخصام، لنَدفنَ العقلية المذهبية الضيقة ونُخرجَ الأمة من وهم الانتصار؟
وأشار إلى أنه فى حرب تموز فتح السوريون بيوتَهم وقلوبَهم للمقاومة رغم اختلافهم معها فى عديد من أمور الاعتقاد، ليقينهم أنهم كانوا يصدون صولةَ عدو لئيم، ورفرفتْ أعلامُ حزب الله اللبنانى فى شوارعنا، وامتدت أيديهم بما تيسّر من قُوت أبنائهم لدعم أشقائهم فى لبنان. أفهكذا تكون المكافأةُ لشهامة هذا الشعب المعطاء الكريم.
وشدد على أن تدخل حزب الله اللبنانى فى سوريا قد عقّد المسألة كثيرًا، مشيرًا إلى أنه كان يتوقع من نصر الله شخصيًّا بما له من ثقلٍ سياسى واجتماعى أن يكون عاملًا إيجابيًّا لحقْن دماء أبناء وبنات شعب سوريا.
وتساءل: هل يُرضيكم قصفُ النظام لشعبنا بالطائرات وصواريخ سكود، وعجنُه لحومَ الأطفال مع الخبز؟ هل يسرّكم اغتصابُ آلاف النساء! وقتلُ مئات الأطفال بالتعذيب حتى الموت! هل يُعجبكم أن يعيشَ السوريون تحت حكم حزب طاغوتى خمسين عامًا، فإذا قاموا لنيل حريتهم عوقبوا بالدمار الشامل لبنيتهم التحتية، واجتثاث مجتمعاتهم، وتشريدهم ونفيهم، والمذابح الجماعية لهم، وإدخالهم فى دوامة مؤامرةٍ مرعبة كان النظام من ساعد فى تحقيقها.
ويقول: هل مذهبُ أهل البيت عليهم السلام هو نصرُ الحق مطلقًا كما أفهم، أم الانتصارُ لنظام طاغوتى أرعن، وإن شعب سوريا بمجموعه هو عين مأساة الإمام الحسين المضطهد المظلوم الشهيد، ويبقى النظامُ هوَ المسؤولَ الأولَ عما يجرى من قتلٍ وتخريبٍ فى البلاد .
وأضاف: أقول لكم بكل صدقٍ وصراحة: إن الموقف اليوم وتصريحات بعض المسئولين فى الحزب يضع بعض الأفكار تحت طائلة التفكك التاريخى، والإفلاس الأخلاقى، وإن موجة عارمة من الإلحاد بدأت تغزو أجيالًا كاملة بسبب بعض المواقف التى (باعتقادى) لا يمكن أن تنتسب إلى فكر آل البيت عليهم السلام بأى طريق.
وأوضح أن ضمائر الناس لم تعد تتحمل، وما دعوة الشيخين الرفاعى والأسير إلا استجابة لما تقشعرّ له الأبدان من المذابح والدماء وصرخات الحرائر فى السجون.. مشيرًا إلى أن زعم الدفاع عن بعض القرى الشيعية مرفوض، فهل كان الشيعة فى خطر خلال مئات السنين؟ وهل سوريا ميدانٌ لتصارُع كل قوة تريد حماية طرف ما؟؟
وأشار إلى أنه لا يريد أن يدخل فى جدال لا ينتهى، ويذْكرَ ما فعله بعضُ المجرمين التابعين للنظام بالنساء فى قرى استغلّوا مذهب أهلها للاحتماء بها، فهل هذا هو السبب لكل ما يجرى؟ وهل فى داريا والقابون طرفَى دمشق أى قرى شيعيةٍ لقدوم كتائب الحزب إليها، بل رفع أعلامهم فيها.
وشدد على أنه رغم كل ذلك أقول لكم ما سبق أن ذكرتُه فى الإعلام من خُطة ماكرة لجر العالم الإسلامى كلّه إلى معركة سُنية شيعية، يبدأ فتيلُها من سوريا فلبنان ثم دول المنطقة كلها بما فيها إيرانُ وتركيا لتحطيمهما، واستهلاك أموال الخليج لدعم الحرب أو لشراء السلاح من أجل حرب مجنونة ليس فيها منتصر.
وقال: "إنه من خبرتى البسيطة فى السياسة، والواسعة فى الحياة، عرفتُ أن السياسيين من أقل الناس ذكاء وإدراكًا للمخاطر التى تحيط بأوطانهم، وأكثرهم بلادةً فى الشعور بآلام الناس، وكلُّ حروب العالم أسهَم سياسيون كثيرون فى إيقادها، واشتركوا فيها عميانًا لا يبصرون، وظنوا بصلَفهم أنهم سيتحكمون فى النار كما يريدون، وأغْرتهم انتصاراتٌ مزيفة تستهلك أممَهم وشعوبهم، ونسُوا أن إشعال الحرب ليس كإطفائها.
وأضاف: بكل أمانة أقول لكم: إن عشاق الحرية فى سوريا لديهم من الشجاعة ما يكفى أهلَ الأرض، ولكنّ دماءَ أبنائكم فى لبنان لا يجوز أن تُهدَر فى قتال أبنائنا المظلومين فى سوريا، فهناك من يُسرّ لمرأى الشباب من الطرفين وهم يتساقطون برصاص بعضهم .
وطالب الخطيب نصر الله بسحب قوات حزب الله من سائر الأراضى السوريا، والتواصل مع الثوار فى مناطق القرى الشيعية لضمان أمن الجميع، وليتخذ الأخير عبرة مما جرى فى الحرب الطاحنة بين إيران والعراق لسنوات؟ أما اكتفى اللبنانيون من حرب مجنونة استمرت خمس عشرة سنة، وما زال لبنان يعانى آثارها حتى اليوم... أما كفى طُوفان دمع الأمهات، وزفراتُ الأرامل، ونحيبُ الأطفال والأيتام ... أما كفانا قتلًا للأرواح والأبدان !!
وأنهى رسالته قائلًا: "لستُ أخاطب فيكم السياسى ولا الزعيم، بل الضميرَ والوجدان، والعقلَ والحكمة، وسوريا ولبنان، وأرجو منكم والشيخين الرفاعى والأسير أن تجتمعوا وتتفاهموا وتدرءوا عن بلدنا الواحد مصيبةً قادمة، وأن نكون جميعًا سفراء خير وعواملَ إنهاء صراع.. لا مُشعلى فتنة أو مُوقدى حروب.. دعونا نَخـــَف فقط على شيءٍ واحد .. أن يضيع من بين أيدينا الإنسان ...