رئيس التحرير
عصام كامل

أصول مصر المهدرة.. حديقتا الأسماك والأورمان


حديقة الأسماك في القاهرة وراؤها قصة حب أسطورية تستحق فيلما عالميا، أنشئت في عهد الخديو إسماعيل الذي كان له أمنيتان الأولى أن تكون بلده مصر واحدة من أجمل بلاد العالم، والثانية أن تأتي حبيبته "أوجيني" في ضيافته لترى إنجازاته.


الأولى فقد حققها بجدارة.. والأمنية الثانية وجد في نفسه سببا لتحقيقها "افتتاح قناة السويس"، وتكون هي ضيف شرف الحفل.. وتبدأ الترتيبات.. يشتري الخديو جزيرة على النيل ويستدعي خبراء الجمال المعماريين من أوروبا لبناء قصر الجزيرة، وتأتي المفروشات من فرنسا وإيطاليا، وسطه نافورة من أجمل نافورات المياه في مصر، ويضع الخديو تمثالين لأسدين من الرخام الأبيض على مدخله (فندق ماريوت حاليا)، ثم عكف الخديو على التفكير في إنشاء حديقة لا مثيل لها في العالم.. فكانت حديقة الأسماك.

طلب الخديو إسماعيل من مدير متنزهات باريس إحضار أحد الخبراء لتصميم الحديقة، حتى تكون على شكل جبلاية، واستخدم الخبراء الطين الأسونلي والرمل الأحمر في بنائها حتى أصبح المنظر العام للجبلاية في منتهى الروعة والجمال، ولذلك أطلق على هذه الحديقة اسم حديقة الجبلاية، وبمرور الهواء داخل هذه التكوينات يصدر منها صوت كموج البحر.

تم بناء حديقة الأسماك (الجيلاية) على مساحة عشرة أفدنة وسط جزيرة الزمالك، وقيمتها تتجاوز عشرة مليارات جنيه، لأنها في منطقة شديدة التميز، تديرها وزارة الزراعة والعائد منها أقل مما تحققه بائعة مناديل أو متسول في إشارة مرور أو سايس في شوارع وسط البلد، ونفس الكلام ينطبق على حديقة الأورمان التي أنشئت أيضا في ‏عهد‏ ‏الخديو‏ ‏إسماعيل‏ ‏عام 1875 ‏بهدف‏ ‏إمداد‏ ‏القصور‏ ‏الخديوية‏ ‏بالفاكهة‏ ‏والموالح‏ ‏والخضر،‏ ‏والتي‏ ‏تم‏ ‏استجلابها‏ ‏من‏ ‏جزيرة‏ ‏صقلية،‏ ‏وكانت‏ ‏الحديقة‏ ‏جزءا‏ ‏من‏ ‏قصر‏ ‏الخديو‏، ‏والذي‏ ‏عرف آنذاك "بسراي‏ ‏الجيزة‏‏"، وجلب‏ ‏الخديو‏ ‏لها أشجارا ونباتات مزهرة‏ ‏من جميع‏ ‏أنحاء‏ ‏العالم‏ واستعان بمهندسين فرنسيين لتصميمها على الطراز الطبيعي.

الحديقة على مساحة 28 فدانا وقيمتها السوقية تتجاوز الخمسة عشر مليار جنيه لأنها في منطقة متميزة بين جامعة القاهرة وحديقة الحيوان ونهر النيل.

حينما كتبت عن حديقة الحيوان أن قيمتها تتعدى (33 مليارا) البعض تخيل أنني أطالب بنقلها وبناء مصانع بدلا منها، وهذا لم يكن مقصدي بل كل ما أتمناه هو حسن إدارتها أو بيع أرضها، لأن وضعها الحالي لا يسر عدوا ولا حبيبا، فحدائق الحيوان والأورمان والأسماك قيمتها تتجاوز 50 مليار جنيه والعائد الاقتصادي منها لا يتجاوز 5 آلاف جنيه يوميا، والخدمات فيها سيئة وبالتالي انعدمت فائدتها الاقتصادية والاجتماعية وأيضا الترفيهية.

هذه الحدائق تحتاج إلى إدارة جيدة بفكر استثماري يحسن استغلالها ويطور خدماتها ويفضل إسنادها إلى شركات متخصصة، ولنا في حديقة الأزهر المثل والقدوة رغم أنها ملك الدولة ولكن إدارتها بفكر القطاع الخاص حافظ على جمالها ورونقها مع تطوير خدماتها وحسن استغلالها، فأصبحت متنفسا حقيقيا لملايين المواطنين من كل المحافظات وعلى خريطة رحلات السياحة الأجنبية وهناك تفكير في إنشاء فندق بداخلها.

حدائق الحيوان والأورمان والأسماك تغلق أبوابها الخامسة مساء وخدماتها سيئة وقيمتها السوقية كبيرة جدا، في حين أن حديقة الأزهر خدماتها أفضل وأبوابها مفتوحة حتى منتصف الليل وعدد زوارها وعائدها أضعاف الحدائق الثلاث، وهذا هو الفارق بين إدارة الموظفين وإدارة المبدعين.
egypt1967@yahoo.com
الجريدة الرسمية