رئيس التحرير
عصام كامل

العقيد رجائي توفيق عن نصر أكتوبر: حائط الصواريخ مفاجأة شلت يد إسرائيل الطولى

فيتو

* تعرضت للأسر في 67 وشاهدت مذابح الإسرائيليين لجنودنا الأسرى وهم يرددون "خلي عبد الناصر ينقذكم من الموت"
*الهزيمة الحقيقية لإسرائيل كانت أمام "حائط الصواريخ "يوم 30 يونيو 70

*نجل الفريق فهمي كان تلميذي في كليه الدفاع الجوي وأشهد له بالتفوق
* قرار الانسحاب من سيناء بعد 24 ساعة مذبحة بكل المقاييس


ما زالت بطولات أكتوبر لم تنته فهناك المئات من البطولات المجهولة لم يسبق للإعلام إلقاء الضوء عليها.. نحاول كل عام فتح صندوق الذكريات لأبطال فوق العادة، صنعوا طريق النصر، وما زلنا ننعم بنتائج ما حققوه من انتصارات وتحرير التراب الوطني.

من هؤلاء الأبطال العقيد رجائي رشاد توفيق، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، وحرب الاستنزاف، الذي يروي لنا جانبا من بطولاته، قائلا: كنت في خط المواجهة الأولى مع إسرائيل داخل سيناء، ووقعت أسيرا يوم 9 يونيو لمدة 8 شهور، رأيت خلالها الصلف الصهيوني في معاملة الأسرى المصريين.
وأضاف رجائي: عندما عدت من الأسر لم يكن أمامي سوى محو عار الهزيمة والثأر لكل مصري استشهد أو أصيب على أيدي الإسرائيليين.. وإلى نص الحوار:

• هل لك أن تروي لنا تفاصيل أكثر عن نكسة 67، وأنت شاهد عيان عليها في سيناء؟
تخرجت في الكلية الحربية عام 1966 الدفعة 49 حربية، وانضممت للتشكيلات البرية (دفاع جوي) في سيناء بمنطقة أبو عجيلة، وكانت مهمة التشكيل تأمين القوات بسيناء، وبعد اقتحام إسرائيل برا وجوا وبحرا سيناء يوم 5 يونيو لم تتح الفرصة لنا للقتال، وجاء الأمر بالانسحاب للقوات بالكامل بعد 24 ساعة فقط من الحرب، وهذه كانت الكارثة، وتم انسحاب للقوات إلى الضفة الغربية للقناة، وكنت في الصفوف الأولى منذ سبتمبر 1966 على أرض سيناء في خط المواجهة حتى حرب يونيو 1967 "ملازم دفاع جوي"، ثم وقعت في الأسر يوم 9 يونيو، في حرب لم يشترك فيها الجيش المصري، وشاهدت ما كان يفعله الجيش الإسرائيلي في الأسرى المصريين من مذابح، فبعد وقوعي في الأسر مع مجموعة من الجنود، حاول الإسرائيليون استجوابنا، لكني لم أتكلم أو أتفوه بكلمة واحدة، لكن بعض الجنود من شدة التعذيب اعترفوا عليَّ أنا وضابط آخر، فقام الإسرائيليون بكل وحشية بجمع عدد من الجنود وأوقفوهم أمام حائط، وفتحوا عليهم النيران من رشاشاتهم، وهم يرددون "خلي عبد الناصر يرجع لكم الحياة وييجي ينقذكم"، وبعد 5 شهور من الأسر عَلِمَ الصليب الأحمر بوجودنا فتم عمل صفقة لتبادل الأسرى، وكنت واحدا من الذين عادوا من الأسر
وآخر أيامنا في الأسر قام الإسرائيليون بعمل رحلة ترفيهية لنا في إحدى "الكيبوتس" أو المعسكرات الإسرائيلية وأظهروا لنا كيف يأخذون الأطفال من أسرهم وهم أطفال وإعطائهم لأم بديلة لتنمي لديهم روح الانتماء والبقاء لدولة إسرائيل ويختارون من خلالها المتفوقين لإلحاقهم بمدارس تنمي تفوقهم حتى يصبحوا قادة كما رأينا كيف يعلمون الأطفال أن أهم شيء أمن إسرائيل التي تحيطها دول تريد الانتقام منها لأنها الأحسن والأقوى في المنطقة.

• ماذا كان شعورك بعد عودتك من الأسر، واستئناف حياتك العسكرية مرة أخرى؟
-لم ولن أستطيع شرح شعوري عندما وطأت قدماي أرض مصر حيا بعد شهور مرت عليَّ كأنها دهر، في أيدي ناس ليس عندها دين أو أخلاق، ولا يعرفون معنى معاملة الأسير أو الجريح، يتلذذون بالموت.. وعند عودتي كان هناك هدف أمامي وحيد، وهو الاستعداد لحرب شاملة مع هؤلاء الفجرة "الإسرائيليين"، والانتقام والثأر لأرضنا التي احتلوها وعرضنا الذي دنسوه بقتلهم الأسرى من الجنود أحياء، بعدها بدأت المشاركة في استقبال أول دفعة جنود "مؤهلات عليا" للالتحاق بالقوات المسلحة، وتدريبهم على أسلحة الدفاع الجوي، وكانت نقلة نوعية تفوق أي سلاح للاستعداد لاسترداد أرض سيناء المحتلة، ولأنني كنت في خط المواجهة على القناة في حرب الاستنزاف أهم يوم مر على كان يوم 30 يونيو 70 عندما فاجأنا العدو الإسرائيلي بحائط الصواريخ ولن أنساه أبدا كان ثاني يوم عيد الأضحى كنا تعودنا من إسرائيل أنها تقوم بعمل عدائي في جميع مناسباتنا سواء القومية أو الدينية وكنا في حالة تأهب ومر يوم العيد ولم يكن هناك شيء وتاني يوم العيد فوجئنا بسيل من طائرات العدو تقوم بقصفنا كنا في منطقة القنطرة شرق وأمطرناهم بالصواريخ وأسقطنا طائرتين فانتوم وحصلنا بسببها على مكافأة من القيادة العليا، وشاركت ضمن وحدات تشكيلات الدفاع الجوي التي أسقطت طائرات "الفانتوم" في أسبوع تساقط الطائرات الشبح الأمريكية التي زودت بها القوات الجوية الإسرائيلية لتتفوق على مصر بسلاح الجو، وظلت سنوات تستبيح المجال الجوي المصري حتى إقامة حائط الصواريخ الذي حطم فرحتهم وأيديهم الطولى، كما كان يدعون ويتشدقون في وسائل العلام العالمية بتفوقهم الجوي الذي سقط أمام حائط صواريخ ومدفعية قوات الدفاع الجوي المصري.

• كيف تم إنشاء المعجزة المصرية "حائط الصواريخ"؟
- كنتُ ضمن الوحدات التي تسلمت قواعد الصواريخ الروسية، عندما تم استبعاد الخبراء والتشكيلات الروسية، بعد أن قرر الرئيس القائد أنور السادات أنه لن تُحرر أرض سيناء إلا بدماء المصريين وحدهم.. حرب الاستنزاف فتحت باب النصر، وجعلت الجبهة بالنسبة لنا كتابا مفتوحا.. التدريبات كانت شبيهة باقتحام الساتر الترابي، وكل تحصينات العدو، وكل فرد يعرف واجباته عند صدور التعليمات.. حائط الصواريخ الجوي بدأ في نهاية 69 لصد الهجمات المعادية من العدو، وحماية العمق المصري، وبدأ تفعيله في الأول من يناير 1970 تحت عمليات القصف الجوي ليلا ونهارا، ونفذته 21 شركة منها المقاولون العرب بـ795 مليون متر مربع من الأعمال الترابية واستغرق إنشاؤه 40 يوما.. وكان مثل شباك الصياد التي تتساقط فيها الأسماك؛ فقبل حرب أكتوبر منع الطيران الإسرائيلي من الاقتراب من الضفة الغربية، أو الدخول إلى المجال الجوي المصري، كما كان يحدث عندما قصفوا مصانع "أبو زعبل" ومدرسة "بحر البقر"، ولا أنكر أبدا مجهود المدنيين الذين استشهدوا بالغارات الإسرائيلية أثناء بناء حائط الصواريخ، ورغم ذلك كانوا يعملون ليل نهار، دون كلل أو ملل أو خوف.

* ما دور حائط الصواريخ في حرب أكتوبر؟
- هذا الحائط كان المفتاح وراء عدم تفوق القوات الجوية الإسرائيلية أثناء حرب أكتوبر، وساعد في عملية العبور واجتياز الساتر الترابي لخط بارليف، وإقامة رءوس الكباري من الضفة الشرقية للقناة، كنا نضرب الطائرات الإسرائيلية ونسقطها فجأة من خلال المواقع الحصينة، ثم ننسحب إلى موقع تبادلي آخر، وعندما كانت تأتي الطائرات الإسرائيلية الأخرى لقصف موقعنا لا تجد شيئا فنستهدفها بنفس الكتيبة من مكان آخر، وبسرعة نخلي الموقع لمكان ثالث وتتكرر العملية، وكانت الطائرات تسقط في خليج السويس بكثرة، ولا أنكر أن الكارثة للعدو كانت في 30 يونيو 1970، وليست في حرب أكتوبر؛ حيث اصطدم بوجود هذه الصواريخ عندما حاول الهجوم بسرب من طائرات "سكاي هوك" والفانتوم، وخسر وقتها 11 طائرة منها 5 غرب القناة، وتم أسر 5 طيارين منهم قائد السرب، وسمي ذلك وقتها بأسبوع تساقط الفانتوم، وعاود العدو هجومه في 3 يوليو، لكنه فشل، وتم إسقاط طائرتين غرب القناة، وأسرنا طيارين، وكرر محاولاته حتى خسر 12 طائرة و7 طيارين، فضلا عن إسقاط طائرة استطلاع إلكترونية في 17 سبتمبر، وخسر العدو 12 خبيرا إلكترونيا إسرائيليا وأمريكيا، وقال إن خطة الخداع الإستراتيجي التي وضعها الرئيس السادات لعبت دورا في تحقيق النصر؛ حيث أمر بسفر بعض رجال الدفاع الجوي إلى ليبيا، لتشكيل الدفاع الجوي هناك، وتم نشر الخبر بوكالات الأنباء بأن الجيش المصري لا يفكر في الحرب.

وعقب حرب أكتوبر حصلت على ميدالية النصر لحرب 6 أكتوبر 1973، وانتقلت للعمل بأسيوط ثم عينت مدرسا بكلية الدفاع الجوي عام 81 وكان ضمن الطلبة الذين شرفت بالتدريس لهم الفريق محمد محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي الحالي وابن الراحل الفريق محمد علي فهمي مؤسس حائط الصواريخ وانظمة الدفاع الجوي الذي قام بخلق شيء من الصفر ليصبح حائط صد تتساقط أمامه طائرات العدو المتفوقة تكنولوجيا ويكون الأجنحة التي تحمي القوات المسلحة أثناء عبور قناة السويس وباقي أيام الحرب.

والفريق فهمي الحالي كان من الطلبة المتفوقين على دفعاته وهو ما أهله لتولي هذا المنصب الصعب بعد أن تولاه والده منذ 42 عاما وهو فعلا إضافة كبيرة لمصر كأحد أبنائها النابغين كما قمت بالاشتراك في بروتوكول يحصل طلبة كلية الدفاع الجوي بموجبه على بكالوريوس الهندسة "شعبة الاتصالات" مع كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية.. وقد شرفت بالتدريس بكلية الدفاع الجوي في الإسكندرية حتى عام 1984، ثم خرجت بعدها للمعاش.
الجريدة الرسمية