رئيس التحرير
عصام كامل

سلام على روح مهندس العبور.. سعد الدين الشاذلي!


"عندما أُقصى الفريق سعد الدين الشاذلي عن المجال العسكري وكتب مذكراته طلبت الرئاسة منه كتابة تقرير عن الكتاب بعد أن قيل إن الكتاب يمس القوات المسلحة، فقرأت الكتاب وكتبت رأيي فيه وقلت إن المؤلف دقيق فيما ورد في باب كذا وكذا وغير دقيق في باب كذا، والكتاب لا يمس القوات المسلحة من قريب أو من بعيد، والخلاف يقتصر على كونه خلافًا بين المؤلف ورئيس الجمهورية".


كان هذا في عام 1980 وبعدها سألني مندوب إحدى الصحف عن رأيي في الثغرة ومدى مسئولية الشاذلي عنها فقلت لهم :
"الشاذلي لم يرتكب أي خطأ عسكري".

وتصدرت هذه الجملة عنوان الجريدة.. واتصل بي الشاذلي بعدها وقال لي: "أنت الوحيد في مصر الذي أنصفني" فقلت له: "إنني لا تربطني بسيادتك سوى صلة العمل لكننى أشهد بالحق"..

السطور السابقة للواء أركان حرب صلاح فهمي نحلة رئيس فرع التخطيط بهيئة عمليات القوات المسلحة في حرب أكتوبر وصاحب قرار تحديد ساعة الصفر لبدء الحرب، وهذه الشهادة كفيلة وحدها لضرب كل الأسس التي وجهت الاتهامات بسببها إلى واحد من أهم وأعظم قيادات جيش مصر أن لم يكن أعظمهم وأهمهم على الإطلاق.. أنه القائد الفعلي للجيش المصري بعد أن تسلم مسئوليته ممن أعادوا بناءه بعد 67 وهم الفريق أول محمد فوزي والشهيد عبد المنعم رياض والفريق محمد صادق وهو صاحب المعارك الكبيرة من عملية حماية تهريب أبناء الزعيم الأريقي لومبما في الكونغو ولا أحد يعرف حتى الآن كيف قطع الشاذلي المسافة من أقصى غرب البلاد إلى أقصى الشرق في زمن قياسي لم يصدقه أحد، وكيف تعامل بشجاعة مع القوات الأخرى..

إنه البطل الذي تولي قيادة جبهة البحر الأحمر فقطع يد إسرائيل عنها تمامًا وربما معركة جزيرة شدوان الأسطورية تشهد له.. إنه صاحب خطة "المآذن العالية" للعبور والهجوم على إسرائيل عام 1971 وصاحب الجدال الشهير مع وزيرالدفاع الفريق صادق وقد تبين من خلاله مدى عبقريته العسكرية وقدراته الذهنية الفذة، وهو رجل المهام الصعبة والأكثر استهدافا من العدو الإسرائيلي ومعه البطل إبراهيم الرفاعي، وهو بلا جدال مهندس حرب أكتوبر الذي تم تشويهه إعلاميًا لأسباب سياسية، وهو الوحيد الذي لم يتم تكريمه من قيادات أكتوبر المجيد، ولم يدعي لمجلس الشعب، ولك يكرم الا بعد 2011، ثم توالى التكريم بعد تولي الرئيس السيسي المسئولية، فأطلق اسمه على إحدى المدارس وعلى محور مهم في طريق الإسماعيلية، وأعاد الجيش العظيم له وسام نجمة سيناء بعد أسبوعين من وفاته، وأطلق اسمه على إحدى دفعات الجيش، وعلي ميدان بمدينة الغردقة، عاصمة البحر الأحمر لدوره في قطع يد إسرائيل عنها تماما بعد أن فشل غيره واختاره الزعيم جمال عبد الناصر لهذه المهمة ونجح فيها.. وأعتقد أن التكريمات ستتوالى في السنوات المقبلة.

وعن قصة الثغرة قال اللواء سمير فرج ما يلي:
"اختلافات كثيرة في الرأي سادت قبيل اتخاذ أي قرار عسكري خاص بحرب أكتوبر بين الرئيس السادات وقيادات الجيش، وأن تلك الخلافات كانت تحدث داخل غرفة العمليات بين كل من السادات ووزير الدفاع المشير أحمد إسماعيل ورئيس هيئة العمليات محمد الجمسي من جهة، ورئيس الأركان سعد الشاذلي من جهة أخرى، وأؤكد أن آراء الشاذلي العسكرية كانت أصوب من قرارات السادات والجمسي وإسماعيل"..

وكثيرة هي الشهادات بحق الرجل، بعضها سيصدم الكثيرين فنؤجله اليوم رغم أنه لعسكريين كبار ومهمين شهدوا له.. لكننا سنكتفي بشهادتين، الأولى للمشير الجمسي وقال فيها:
"لقد عاصرت الفريق الشاذلي خلال الحرب، وقام بزيارة الجبهة أكثر من مرة، وكان بين القوات في سيناء في بعض هذه الزيارات، وأقرر أنه عندما عاد من الجبهة يوم 20 أكتوبر لم يكن منهارًا كما وصفه الرئيس السادات في مذكراته (البحث عن الذات صفحة 348) بعد الحرب، لا أقول ذلك دفاعًا عن الفريق الشاذلي لهدف أو مصلحة ولا مضادًا للرئيس السادات لهدف أو مصلحة، ولكنها الحقيقة أقولها للتاريخ"..

والشهادة الثانية للواء محمد أشرف راشد، قائد السجن الحربي، وفيها ينقل اعتزاز القائد العسكري الكبير بنفسه، والذي يعتبره كل العرب رمزا للعسكرية العربية فيقول حرفيا عن قصة الإفراج عنه بعد حبسه فور عودته إلى مصر:
"كان قد قضي نصف مدة العقوبة، واقتربت احتفالات أكتوبر وأعددت كشفًا بأسماء 150 ممن قضوا نصف المدة يتصدرهم اسمه بالطبع مقترحا الإفراج عنهم، ولأهمية الشاذلي اتصل بي صديق في الأمانة العامة لوزارة الدفاع يبلغني بالموافقة، وسوف يصلني قرار الإفراج صباحًا، وأسرعت بإبلاغ أسرته التي حضرت فورًا، وسألني الشاذلي بهدوء إذا كان العفو عن نصف المدة منحة من أحد أو استثناء فسوف أرفضه، قلت بل هو عفو عام روتيني فطلب نص القرار وكان قد وصل لحسن الحظ فقرأه بدقة وقرر المغادرة"!

كثيرة هي الصفحات المجهولة من تاريخنا.. وبعضها تم العبث به جملة وتفصيلا.. ولكن رحم الله رئيس أركان جيشنا في حرب أكتوبر المجيدة.. ولعن الله السياسة التي جرفت بسببها وفي طريقها.. أشياء غالية وعزيزة ومهمة!
الجريدة الرسمية