رئيس التحرير
عصام كامل

مدير مؤسسة شركاء من أجل الشفافية: البرلمان لم يناقش قانونا واحدا متعلقا بمكافحة الفساد

فيتو

  • مجلس النواب لم يحقق ثلث ما كنا نأمله وأقر تشريعات متناقضة مع الدستور
  • نطالب بتشريع قانوني حماية المبلغين والشهود وتنظيم تداول المعلومات
  • التقرير السنوي لقومي حقوق الإنسان أقل من أسقف الطموحات
  • «قصقصة أجنحة قطر» سر نجاح مصر في المصالحة الفلسطينية
  • مصر أغلقت الحديقة الخلفية للديناصروات بالمصالحة الفلسطينية.. وسيناء قريبا خالية من الإرهاب
  • السيسي في معظم خطاباته يتحدث بشكل إيجابي عن حقوق الإنسان والفساد.. والبرلمان والحكومة لا ينفذون ما يقوله
  • الانتخابات الرئاسية المقبلة لن تشهد أي عمليات تزوير حتى لو أرادت السلطة ذلك
  • ليس لدي تخوف من قانون الطوارئ بل أخشى العبث في الإجراءات الجنائية
  • مع تعديل قانون الجمعيات الأهلية وضد إسقاطه


حاورته: منى عبيد - محمود محمدي
عدسة: ريمون وجيه

انطلقت فعاليات الدورة ٣٦ لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة لرؤساء العالم بنيويورك، ومحليًا صدر التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان في مصر، وبدأ دور الانعقاد الثالث لمجلس النواب، حراكا دوليا ومحليا ربما يتبلور ويحدد طبيعة الإجراءات والقرارات مستقبلا.

وبهذه المناسبة حاورت "فيتو" الدكتور ولاء جاد الكريم، مدير مؤسسة شركاء من أجل الشفافية، وأحد المعنيين بالملف الحقوقي في مصر، حيث كشف تطورات المشهد الحقوقي وتبعاته على السياسة المصرية، ومدى استعداد الحكومة لتنفيذ خطة التنمية وإجراءاتها نحو تحسين صورة حقوق الإنسان في مصر، وإلى التفاصيل:


- ما تقييمك للتقرير السنوي للمجلس القومي لحقوق الإنسان ؟
ما نشر عن تقرير المجلس القومي يقول إن التقرير ضعيف جدًا، والملخص التنفيذي الذي تم إصداره مؤخرًا يقول إن التقرير دون المستوى المأمول وأقل من سقف طموحات الكثيرين، ولكنه تضمن بعض القضايا والإشكاليات المهمة التي كان هناك تخوف من عدم تناولها، وأهمها المتعلق بمسار بعض المحاكمات، وتعديلات بعض القوانين مثل قانون الإجراءات الجنائية، إلا أنه لم يتطرق إلى حالات كثيرة متضررة يمكن اعتبارها نموذجا تعبر عن حالة حقوق الإنسان في مصر، فهو لم يتطرق إلى قضيتي التوسع في الحبس الاحتياطي، والاختفاء القسري، بالرغم من أن المجلس جاء له العديد من الشكاوى ووزارة الداخلية ردت على بعضها، لكن كان مهمًا أن يعلن المجلس عن عدد الشكاوى التي وردته والتي تم الرد عليها، ولم يتحدث تقرير المجلس عن نتائج زياراته للسجون، بل لم يرصد حالات التعذيب التي تقدم بها شكاوى للعديد من الجهات بما فيها المجلس، فبوجه عام يمكن القول إن التقرير دون المستوى المطلوب.

- هل عدم تناول تقرير المجلس لتلك القضايا يزيد من الانتقادات الخارجية للملف الحقوقي؟
بالطبع يعطيهم الفرصة، ولكن علينا أن ندرك أن حقوق الإنسان قضية عالمية وليست محلية، وبالتالي تقييم مسألة حقوق الإنسان في أي بلد هو عمل طبيعي لأي منظمة، وفي نفس الوقت يجب الإشارة إلى أننا ضد تسييس حقوق الإنسان واستخدام ملف حقوق الإنسان كورقة ضغط، وهناك آليات وطنية لحقوق الإنسان متمثلة في المجلس القومي، والنيابة العامة، ومنظمات المجتمع المدني، وفي حالة عدم حديث كل تلك الآليات ودورها في مصر بشكل واضح، وعن المسارات القضائية المرتبطة بها، يعطي فرصة للتشكيك في الآليات الوطنية لحقوق الإنسان، والتقارير الصادرة عن القومي لحقوق الإنسان والمنظمات المصرية كلما أمعنت في ذكر السلبيات وما تم بشأنها كلما أعطت للدولة قوة أمام محاولات الاختراق الخارجي من ملف حقوق الإنسان.

-هل تقرير مجلس حقوق الإنسان والقانون المنظم له يمكن أن يؤثر فى تصنيف المجلس نفسه؟
ما يؤثر فى التصنيف بشكل أساسي هو الإطار القانوني الحاكم للمجلس وليس التقارير التي تصدر عنه، والقانون لن يؤثر لأن من يتخذ القرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والدبلوماسية المصرية تربطها علاقات جيدة بصناع القرار داخل المجلس، ومصر نجحت في تمرير أكثر من قرار بقوة علاقاتها.

المجلس القومي لحقوق الإنسان حسب القانون يتم تشكيله من خلال البرلمان، والبرلمان بالطبع جهة منتخبة، والدستور بشكل واضح ينص على استقلالية المجلس، أما الأمر الذي يضعف من المجلس في التصنيف هو الاستقلالية المالية لأنه الآن تابع للجهاز المركزي للمحاسبات، ولأنه محظور عليه الحصول على منح إلا بموافقة ثلثي البرلمان.

- ما تقييمك لتصريحات الرئيس السيسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان؟
الرئيس عبد الفتاح السيسي في معظم خطاباته يتحدث بشكل إيجابي عن حقوق الإنسان والفساد والإصلاح في مصر، تصريحاته الجيدة المتفائلة مع الأسف لا تترجم إلى قوانين وإجراءات على أرض الواقع، وفي الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس عن حقوق الإنسان مع منظمات المجتمع المدني، كان يصدر أسوأ قانون عرفه المجتمع المدني في مصر، وفي نفس الوقت صدرت تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية وإغلاق وحجب عدد من الصحف، من بينها صحف حاصلة على تراخيص من المجلس الأعلى للصحافة سابقًا، فالمشكلة ليست في خطابات الرئيس لأنها جيدة جدًا ومنفتحة على قضايا حقوق الإنسان، ولكن الحكومة والبرلمان لا ينفذوا ويترجموا خطابات الرئيس.

- وما تقييمك لدور مصر في المصالحة الفلسطينية خاصة أن مصر أصبحت حجر الزاوية للفلسطينيين؟
لا شك أن مصر بها مؤسسات عابرة للأنظمة، وهذا الأمر مطمئن ومريح ولكن ليس في كل الملفات مع الأسف، وملفات الأمن القومي الأساسية في مصر وهي "فلسطين وليبيا والسودان"، موضوعة جميعًا في يد أمينة تعمل بكل اجتهاد وبشكل مؤسسي متراكم، وهذا التراكم مكن مصر من لعب دور فاصل في القضية الفلسطينية، وبالطبع هناك عامل مهم آخر وهو "قصقصة أجنحة قطر" التي كانت تدعم الانفصال في فلسطين، وأصبحت الدوحة منشغلة في مشاكلها الداخلية، ومصر لعبت دورًا كبيرًا في المصالحة الفلسطينية، ويحسب لأجهزة المعلومات المصرية هذا الدور العظيم، وتلك المصالحة أول خطوة في إعلان سيناء قريبًا خالية من الإرهاب، لأن المصالحة تغلق الحديقة الخلفية للديناصورات، والمصالحة الفلسطينية ليست تعاملا سياسيا مع ما يحدث في سيناء، ولكنها إغلاق لحديقة الديناصورات التي تأوي الإرهابيين في سيناء، لأن التكفيريين كانوا يحصلون على مساعدات من غزة من بعض العناصر هناك.

- في ظل التضييق على التمويل.. كيف تستمر المنظمات العاملة في مكافحة الفساد؟
مسألة مكافحة الفساد تتطلب القيام بأنشطة كثيرة جدًا لتعزيز الوعي والتدريب والتأهيل على المداخل المختلفة للفساد، ومساعدة السلطة والهيئات المختلفة على مكافحة الفساد يحتاج إلى مصروفات كبيرة جدًا، ونعتمد على وجود متطوعين، ودورية التقرير الصادر عنه، مصادر التمويل الأجنبية هي مصادر التمويل الأساسية للمجال الحقوقي والكفاحي في مصر، المحلية منها تميل إلى ضخ الأموال في الأعمال الخيرية والإحسانية، وفي ظل قانون الجمعيات الأهلية سنجد العديد من المنظمات تعلن عن توقف نشاطها في المرحلة القادمة.

- هل ترى الدولة المصرية جادة في مكافحة الفساد باعتبار أن المكافحة بداية التنمية المستدامة؟
لاء، في ديسمبر من عام 2014 تبنت الدولة المصرية إستراتيجية لمكافحة الفساد اسمها "الاستراتيجية المصرية لمكافحة الفساد"، ومن المفروض أن يتم تنفيذها على مدى 4 سنوات، ومع الأسف الشديد 90% من ما تم إعلانه في الاستراتيجية على لسان رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب وقتها، لم يتم تنفيذه، كما أن الحكومة لم تعقد لقاءً واحدًا مع القائمين على تنفيذ الاستراتيجية من المجتمع المدني.

-ماذا تريدون من البرلمان في إطار مكافحة الفساد؟
البرلمان لم يناقش قانون واحد متعلق بمكافحة الفساد، ومطالبنا للبرلمان واضحة وهي 3 مطالب فقط، الأول تشريع قانونيين غير موجودين في البنية التشريعية وهما قانون حماية المبلغين والشهود وقانون تنظيم تداول المعلومات.

والمطلب الثاني هو الإصلاح المؤسسي، حيث إن هناك عددا كبيرا من الأجهزة الرقابية مثل الجهاز المركزي للمحاسبات، والكسب غير المشروع وغيرهم، والدستور يلزم بضرورة استقلال تلك الأجهزة، وعلى البرلمان أن يعيد النظر في التشريعات المنظمة لعمل الأجهزة الرقابية، أما الأمر الثالث هو سد الثغرات الموجودة في بعض القوانين مثل قانون العقوبات والكسب غير المشروع.

-ما هو عدد المنظمات المعنية بمكافحة الفساد في مصر؟
هناك منظمات معنية بمكافحة الفساد من منطق حقوقي وعددها 7 منظمات، وهناك قرابة الـ 40 منظمة معنية بمكافحة الفساد من منظور المساءلة الاجتماعية.

-مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.. هل المجتمع المدني قادر على تهيئة البيئة الاجتماعية والسياسية للشارع المصري؟
أي انتخابات قادمة في مصر لن تشهد أي من مظاهر التزوير التقليدية، فتلك المظاهر اختفت حتى لو السلطة أرادت ذلك، لكن التخوف في الانتخابات القادمة من معدلات المشاركة فقد تكون قليلة بسبب الضغوط الاقتصادية ولأن اختيارات الناس في المرات الماضية لم تأت بالنتائج المرجوة منها والطبقات الفقيرة ستكون الأكثر عزوفًا عن الانتخابات، والغالبية العظمى من المصريين التي استفادت من الإجراءات الاقتصادية البسيطة لم تتحسن حالتهم المعيشية وبالتالي فهي غير راضية عن أداء السلطة بغض النظر عن حبهم للرئيس السيسي، والأسباب التي قد تدفعهم للمشاركة هي وجود منافسين للرئيس، أو وجود مشروع سياسي يدافعون من أجله، وهذان الأمران غير موجودين.

- بتقديرك ما نسبة مشاركة المجتمع المدني المحلي والدولي في متابعة الانتخابات الرئاسية؟
عدد كبير من المنظمات استطاع متابعة الانتخابات في ظل وجود أزمات مادية، ولكن العائق يكون في الإجراءات التي تضعها الهيئة العليا للانتخابات، ويجب أن يسمح بالمتابعة الدولية للانتخابات ودعوة المنظمات الدولية لمتابعة الانتخابات الرئاسية في ٢٠١٨.

- ما سر الاحتفاظ بقانون الطوارئ؟
ليس لدى أي تخوف من قانون الطوارئ، ولكن لدى تخوف من تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، لأن قانون الطوارئ وفرض حالة الطوارئ مهما طال سيظل أمر مؤقت، إنما قانون الإجراءات الجنائية في مصر، هو القانون الذي يضمن المحاكمة العادلة، وبالتالي العبث فيه قد يؤدي إلى انتقاص ضمانات تحقيق العدالة الناجزة.

- هل يمكن استغلال الملف الحقوقي في إجبار قطر لدفع تعويضات عما خلفه الإرهاب في مصر؟
نعم، هناك مسار لتفعيل ذلك، ولكن هذا الأمر من الصعب تنفيذه في إطار حقوقي لأن الآليات الحقوقية ليس بها نظام المحكمة، فلذلك ليس لدينا القدرة على اتخاذ حكم محكمة على قطر يلزمها بدفع تعويضات لمصر.

ولكن بالطبع قطر هي أهم داعم للإرهاب والمسئولة عن تقزيم نتائج الربيع العربي، والمنظومة الأممية تقول إنه من خلال الآليات الحقوقية يمكن تقديم تقارير نتهم فيها قطر بدعم الإرهاب داخل الأروقة الأممية، مثلما فعلت منظمة الكرامة القطرية وأشارت إلى وجود حالات تعذيب في مصر، وقطر ستخضع لآلية "UBR" في عام 2019، ويمكن أن نقدم تقريرا وقتها يتهم قطر بدعم الإرهاب، مما يضع قطر في إطار حقوقي دولي ويضعها دائمًا تحت المجهر، وبتكرار هذه التقارير سيحدث نوع من التعادل للقوى التي تكتسبها قطر من إنفاقها الكبير على وسائل الإعلام.

- ما تقييمك لأداء البرلمان في دوري الانعقاد الأول والثاني؟
أداء البرلمان لا يتناسب مع المطلوب من أول برلمان بعد دستور 2014، لأن الدستور وضع سقفا عاليا جدا من الحقوق والحريات العامة، وكان يجب على البرلمان أن يضع لنفسه خريطة تشريعية ليكون خلال الدورات الخمسة نفذ كل التشريعات التي تضمن الحريات، وإذا كان التقييم من صفر لعشر درجات، فالبرلمان لا يستحق أكثر من 2/ 10.

والبرلمان من الناحية التشريعية لم يحقق ثلث ما كنا نأمله، فضلًا على وجود تشريعات متناقضة مع نصوص الدستور، وبالنسبة للدور الرقابي فهو لم يقم به إلا مرة واحدة، والبرلمان أقر موازنتين وبهما شبهات بعدم الدستورية ويحيطهم العديد من المشكلات.

- ما تقييمك لأداء اللجان النوعية داخل البرلمان.. وخاصة لجنة حقوق الإنسان؟
اللجان بشكل عام دورها أن تحضر مشروعات القوانين في المجال المتخصصة فيه، واللجنة الوحيدة التي كانت تعمل بجد هي اللجنة الاقتصادية حيث كانت تضم عقول اقتصادية جيدة للغاية، ولكن معظم اللجان كانت منشغلة بأمور هامشية وتقود حروب غيرها، أما عن لجنة حقوق الإنسان، فيجب تقييمها من 3 مناظير، أولها أنها اتبعت نهج معقول في عقد لقاءات مع منظمات المجتمع المدني، ولكن التحفظ على المدى القصير لانفتاح هذه اللقاءات على أطياف المجتمع المصري، ثانيًا أن هناك معيارًا لتصنيف المنظمات فهناك منظمات لديها الصفة الاستشارية، مما يجعلها ممثلا دوليا ولم يتم توجيه لأي من تلك المنظمات إلى واحدة فقط، فضلًا على أن تصريحات بعض أعضاء اللجنة تتناقض مع معايير حقوق الإنسان الواردة في اتفاقيات صدقت عليها مصر.

وكان من المنتظر من تلك اللجنة أن تتحرك في القضايا الحقوقية المثارة مثل الحبس الاحتياطي والتعذيب في السجون، لكن مع الأسف اللجنة تحركت لزيارة دور الأيتام فقط، واللجنة لم تنتج حتى الآن مقترح قانون واحدا جاهزا للنقاش في الجلسات العامة.

- مع إسقاط قانون الجمعيات الأهلية هل كان يحتاج تعديله؟
أرفض فكرة إسقاط القانون، ولكن يجب تعديله، فالقانون جيد في بعض النقاط وسيئ في نقاط أخرى، وفكرة وجود جهاز ينظم مسألة التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية في مصر جيدة، ولكن يجب أن يكون مستقلًا عن وزارة التضامن، فممارسات الوزارة أساءت للدولة كثيرًا مؤخرًا بسبب تعطيل عدد من المشروعات المهمة.
الجريدة الرسمية