عندما يزهق «حراس القانون».. «روح القانون»
استيقظ أهالي المنطقة المحيطة بمحطة "سعد زغلول"، بحي "السيدة زينب" بالقاهرة، يوم أمس الخميس، على أصوات استغاثة، وصراخ مكتوم، في الشوارع، وجري وهرولة، وشد وجذب، وصيحات.. وتوقفت حركة المرور من سيارات ومشاة.. وطلع السكان من النوافذ.. الكل يرقب ما يحدث.
ضابط برتبة "مقدم" يقود مجموعة من الجنود، وأمناء الشرطة و"المخبرين"، ذوي اللباس المدني، لا تنقصهم إلا الهراوات و"الشوم" لاستكمال الهيئة، والمظهر القاسي.
شاع الهرج والمرج فجأة في المكان بأكمله، وسارع الفتية والصبية، والنساء ذوات الأردية والجلابيب السمراء، بحمل ما كانوا يفترشونه في الشوارع من خضراوات وفاكهة، وملابس، وأدوات منزلية بسيطة، معظمها بلاستيكية، واردة من الصين.. يقبل عليها متوسطو الحال، الذين انحدروا إلى مصاف الفقراء، ويبتعد عنها الفقراء بعد أن غادروا خط الفقر إلى ما دونه حيث القاع؛ فلم يعودوا يملكون ما يطمحون به إلى شراء الضروريات.
شرطة المرافق تمثل لهؤلاء "عفريتًا"، أو "غولًا" يخشون حضوره؛ لأن الجنود والمخبرين يهاجمون الباعة الذين لا مستقر لهم، ولا مكان لممارسة نشاطهم سوى الشوارع والحارات، ويستولون على رءوس أموالهم من أوعية و"مشنات" و"مقاطف" وما إليها، بمحتوياتها، وينقلونها بعربات "نصف نقل" إلى مقارهم، حيث يسعى أصحابها بعد ذلك إلى استرداد ما يتبقى منها بعد فقد أو تلف جزء كبير من البضاعة.
هل هذا هو الهدف وبيت القصيد؟! تعذيب البائعين "الغلابة" القادمين من الأرياف، والمحافظات المجاورة للعاصمة؛ أملا في رزق يسير ولقمة حلال؟! هل القصد هو طردهم وإعطاؤهم درسًا لا ينسوه حتى لا يقتربوا من الحدود ثانية؟!
هل تلك هي مهمة قطاع "شرطة المرافق"؟! وهل تلك هي الطريقة المثلى لأداء المهام المنوطة بها؟!
على ما أعتقد أن اسم "شرطة المرافق" يعني حراسة مرافق الدولة من المساس بها، ومعاقبة من تسول له نفسه ذلك.. وتطبيق القانون على المتعدين، دون استثناء.. والمرافق هي الكهرباء، والماء، والصرف الصحي، وما إلى ذلك.. لكن ما يحدث من هجمات، بأساليب همجية وعشوائية، فلا علاقة له بالقانون، ولا يليق بسدنة القانون وحراس العدالة.
ما حز في نفسي، واقشعر له جسمي، وكل من رآه.. هو مشهد شاب معاق، يبدو أنه كان يعرض شيئا ما للبيع في الشارع، وبالطبع لم يتمكن من الهرب من قبضة "المخبرين"، فكان أول من امتدت إليه أيديهم بالبطش، واستولوا على ما بحوزته، وتبعثرت نقوده، وأوراقه الثبوتية، وطارت البطاقة.. فانكفأ على الأرض يبحث عن متعلقاته الشخصية، والنقود، وقد تهدلت ملابسه، وتعفر وجهه، وبالكاد جاهد ليحبس دموعه.. مشهد مهيب.. لا يجدر بوزارة أنشأت قطاعًا لحقوق الإنسان، وآخر للتواصل المجتمعي أن يتورط أفراد ينتمون إليها في مثله.
أقترح على مسئولي القطاعين "حقوق الإنسان"، و"التواصل المجتمعي"، أن يفرضوا على كل من ينتمي إلى إدارة "شرطة المرافق" أن ينالوا دورات تدريبية تحت أيديهم؛ حتى يتوقفوا عن إزهاق روح القانون، وقتل الإنسانية، أثناء مطاردتهم الباعة الجائلين في شوارع العاصمة.