رئيس التحرير
عصام كامل

العميد صابر العشيبي عن نصر أكتوبر: لقبوني بـ«قائد رحلات الموت» بعد الحرب لهذا السبب

فيتو

  • أدخلت المؤن لقواتنا المحاصرة تحت نيران العدو في "كبريت" عن طريق القناة 
  • التحقت بالكلية الحربية لأخذ ثأر ابن عمتي وزملائه شهداء حرب الاستنزاف
  • الفريق الشاذلي كان يؤكد لنا أن "مشاة الأسطول" سلاح المهام الخطيرة فقط
  • لا يعرف غلاوة مصر إلا من حارب وتذوق مرارة احتلال سيناء من العدو الصهيوني
بطلنا، الذي نستعرض قصته في هذه السطور، من مرسى مطروح، بلغه نبأ استشهاد ابن عمته في حرب الاستنزاف، وكان الفتى صابر كاسح العشيبي في الإعدادية، فعقد العزم من فوره على الثأر للشهيد.. فالتحق بالكلية الحربية، وأدى أعظم الأدوار في حرب النصر، وسطر أروع البطولات.. وفي حواره لـ"فيتو" يروي العديد من ذكريات حرب أكتوبر، وأسرار ما فعله أثناء الثغرة، لتوصيل المؤن والغذاء لزملائه المحاصرين.. بطولات تقترب من المعجزات.. ولا يفعلها سوى المصريين.. وإلى نص الحوار:


• كيف التحقت بالكلية الحربية؟
- ترسخت الرغبة في نفسي للالتحاق بالكلية الحربية والانخراط في صفوف الجيش المصري، وأنا طالب بالصف الثالث الإعدادي، عندما بلغ أسرتي نبأ استشهاد ابن عمتي العريف مفتاح أبو زيد عبد الرواف، في معركة رأس العش الشهيرة، وعلمنا وقتها أنه كان مقبلا غير مدبر في القتال، وقد أبلى في هذه المعركة بلاء حسنا.. وقد تم منحه نوط الجمهورية العسكري من الطبقة الأولى من الرئيس عبد الناصر، تقديرا لما أظهره البطل من شجاعة وبسالة في هذه المعركة.. وفي مدرسة مطروح الثانوية العسكرية تأثرت كثيرا بحصص التربية العسكرية، وبالبطولات التي كنت أسمعها عن أبطال الصاعقة في عمق إسرائيل، مثل معركة رأس العش وشدوان والمدمرة "إيلات"، وامتلأت نفسي بحب العسكرية والرغبة في الانخراط في الجيش، وبمجرد حصولي على الشهادة الثانوية عام 1969 توجهت بأوراقي إلى القاهرة للتقديم في الكلية الحربية.. وكانت الدراسة مضغوطة لعامين دراسيين فقط، كل عام مكون من "ترمين"، وذلك لتعويض احتياجات الجيش من الكوادر العسكرية. ولم تكن إجازة الخميس والجمعة من كل أسبوع تكفي لأعود لمطروح فكنت أقضيها مع زميلي بالكلية الحربية إبراهيم مجدي أحمد عبد الحفيظ من منطقة الحنفي بالسيدة زينب بين أهله وجيرانه حتى أصبحت بمثابة فرد من أفراد هذه الأسرة، وصار أغلب أهالي منطقة "الحنفي" يعرفونني، وما زالت الصداقة تربط بيني وبين أخي العميد إبراهيم مجدي حتى اليوم.

* كيف التحقت بسلاح المشاة؟
- تفوقي الرياضي بالكلية الحربية أهلني لأكون ضمن أول دفعة بسلاح مشاة الأسطول؛ فقد كنت أسرع طالب في رياضة الجري بالذات.. وبعد تخرجي في الكلية الحربية أهلني هذا التفوق لأن يتم اختياري للالتحاق بأحد لواءات مشاة الأسطول، وهو أول لواء يتم تشكيله بهذا السلاح الجديد على الجيش المصري وجيوش الشرق الأوسط كلها.. وقد أسس هذا السلاح الفريق سعد الدين الشاذلي، وكان أفراده من رجال سلاح المظلات، وتسليحه تسليح مشاة، ويتم حمله وتحريكه بحرا.

* ما أهم الأهداف التي كلف أسطول المشاة بتحقيقها في الحرب؟
- أهمية هذا الأسطول الجديد جعلت الفريق سعد الدين الشاذلي دائما يقول لنا: إن هذا اللواء لا يتحرك إلا لتنفيذ عمليات حربية خطيرة فقط.. لذلك كان هذا اللواء في طليعة الجيش الثالث في عبوره لقناة السويس، ودخول سيناء يوم 6 أكتوبر73، وقد وصلت بكتيبتي إلى عمق 18 كم شرق القناة داخل سيناء في الساعات الأولى للحرب.. وقمت أنا وزملائي من أبطال مصر بصد تحركات احتياطيات العدو الإسرائيلي التي تحركت لمهاجمة الجيش الثالث.. لذلك فقد تعرضت كتائب هذا اللواء لهجوم عنيف من القوات الإسرائيلية، وتم تدمير كتيبتين بالكامل منهما كتيبتي، وتمكنت رغم ذلك بالخروج بجميع أفراد السرية التي كنت قائدها سالمين لنستكمل عملياتنا العسكرية مع قوات الجيش الثالث الذي تم حصاره غرب قناة السويس عقب وقوع ثغرة الدفرسوار.. وقد قمت بقيادة "رحلات الموت" تحت نيران العدو لتدعيم القوات المحاصرة في "كبريت"، ورغم الحصار المحكم الواقع على الجيش الثالث فقد كلفني المشير أحمد بدوي، رحمه الله، بكسر هذا الحصار، لتوصيل الدعم اليومي للقوات المصرية التي كانت محاصرة بمنطقة كبريت، بإمدادات الأكل والأدوية والسلاح، فكنت أقوم باستخدام 10 قوارب خشبية صغيرة مربوطة ببعضها، تحمل تموينا وعتادا، وأتحرك بها في قناة السويس لمسافة 3كم، للوصول إلى شاطئ كبريت على البحيرات المرة، ثم أعود في نفس خط السير بعد تفريغ حمولة القوارب العشرة للقوات المحاصرة، وكان شاطئ القناة من الضفتين في هذه المسافة التي أقطعها محاصرا من الجهتين بالقوات الإسرائيلية، وكنت في مرمى نيرانهم ذهابا وإيابا، ورغم ذلك فقد كتب الله لي ولجنودي السلامة والتوفيق، مما ساعد على صمود القوات المصرية المحاصرة في كبريت، أمام العدو الإسرائيلي حتى تم إيقاف إطلاق النار.

* ما أهم المواقف التي التي لا تنساها؟
- من المواقف التي لا أنساها في حياتي عندما عدت من الحرب، وأقام أهالي "السيدة زينب" زفة شعبية لي، فعقب رفع الحصار، وفي أول إجازة توجهت أولا للقاهرة، لكي أعد نفسي للعودة إلى مرسي مطروح، فتوجهت إلى أسرة صديقي إبراهيم مجدي بالسيدة زينب بمنطقة الحنفي، ولأن آثار العسكرية والتضحية كانت تظهر على وجهي وملابسي.. كان الكل يستقبلني استقبال الأبطال، حتى سائق التاكسي الذي قمت باستقلاله من محطة مصر، رفض أن يأخذ مني أي أجرة، وأحلى من ذلك أهالي منطقة الحنفي الذين بمجرد رؤيتي تجمعوا حولي، وحملوني على الأعناق، وأقاموا لي زفة شعبية كبيرة، وضجت شرفات البيوت بزغاريد النساء فرحا بعودتي، وكأنني البطل المنتصر الذي رفع رأس مصر عالية.. ولم يكن صديقي ورفيق السلاح إبراهيم مجدي قد عاد بعد من الجبهة، وقد اعتبر والداه أن فرحتهم بعودتي سالما منتصرا مثل عودة ابنهم الذي كان لا يزال على الجبهة.

• بعد حرب أكتوبر، أين ذهب لواء مشاة الأسطول؟
- بعد عام من حرب أكتوبر المجيدة، وبعد تحقيق النصر على جبهة القتال، انتقل اللواء "130 مشاة أسطول" من الإسكندرية إلى السلوم في محافظتي مرسي مطروح، وبقيت فيه حتى أنهيت خدمتي العسكرية، وأُحلتُ للتقاعد عام 1998.

* ما أهم الدروس التي تعلمتها من حرب أكتوبر وتريد توصيلها للأجيال الحالية؟
- أؤكد للكل من خلال رحلتي العسكرية وخدمتي، وحرب أكتوبر المجيدة أن مصر محفوظة من الله، وأن سر قوتها التي تخرجها من أي أزمة تمر علينا عبر آلاف السنين يكمن في إيمان شعبها بالله، وعمق الولاء للوطن والانتماء لدى الكل، مهما كانت طوائفهم أو توجهاتهم، وعندما يتعلق الأمر بالأرض، تجدهم متكاتفين على قلب رجل واحد يفتدونها بالأرواح والأنفس.. فمصر غالية جدا ولا يعرف معنى هذا الكلام إلا من حارب وتذوق مرارة احتلال سيناء من العدو الصهيوني، وكان أمامنا طريق واحد النصر أو الشهادة، وحققنا ما كنا ننشده، وحررنا الأرض كاملة للأجيال القادمة، وكل ما أرجوه ويرجوه كل من حارب في 73 هو أن تحافظوا على وحدة مصر، لأن سيناء ارتوت بدماء خيرة شباب مصر على مر العصور، ونحن على استعداد الآن أن نضحي بأرواحنا فداءً لها، ولكنه دور الشباب الذي لابد أن يعي التحديات والخطر الذي يحيط بنا من كل جهة، ويقاومه ويحاربه للحفاظ على وحدة وسلامة أرض مصر الطاهرة المقدسة.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو".
الجريدة الرسمية