أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا!
هذه هي رسالتي المباشرة للسيد يحيي راشد وزير السياحة، الذي تحرك هذا الأسبوع فقط، وقام بزيارة الفاتيكان للقاء قداسة البابا فرانسيس، لاعتماد طريق العائلة المقدسة، كأحد برامج الحج المسيحي.
تحرك وزير السياحة متأخرا عدة أشهر منذ أن جاء بابا الفاتيكان في زيارته التاريخية لمصر، أوائل هذا العام!
كان من المفترض أن يدرك السيد الوزير ومعاونوه أن زيارة قداسة البابا فرنسيس لمصر كانت بمثابة حدث جلل وعامل محفز للمليارات، وليس الملايين، من سياح العالم لزيارة تلك البقعة من الأرض، التي زارها الرجل الذي تتعلق به أفئدة مليارات من الناس في شتى بقاع الأرض، كرمز ديني له مكانة كبيرة لديهم، خاصة وأن مصر تضم، فيما تضم من كنوز أثرية ضخمة، طريق العائلة المقدسة، أحد أهم المزارات الدينية الذي تشكل زيارته هدفا رئيسا لدى العالم المسيحي بكل طوائفه.
إضافة إلى أن قداسة البابا، بزيارته تلك لمصر، قدم شهادة موثقة مؤكدة لحالة الأمن والاستقرار في مصر، عندما أصر على أن يتمم الزيارة، التي كانت معدة سلفا، بعدما قام اثنان من الإرهابيين المجرمين بتفجير نفسيهما داخل كنيستين بطنطا والإسكندرية، وأزهقا أرواح وأصابا المئات من المصريين الأبرياء، خالف قداسة البابا آراء كثير من محبيه ومعاونيه الذين كانوا مدفوعين بالخوف على حياة البابا وقرر المجيء إلى مصر، رغم التحذيرات.
على ما يبدو أن التأخر سمة مميزة للسيد وزير السياحة، الذي لم يبذل أية جهود ملموسة لإنعاش الحركة السياحية المتدهورة، منذ أن تولى حقيبة الوزارة قبل عام ونصف العام.
على أي حال.. أما وأن السيد وزير السياحة قد تحرك فلا بأس، ولكني أتمني على السيد وزير السياحة ألا يكون طرح طريق العائلة المقدسة كمزار لتحقيق الجذب السياحي طرحا تقليديا عتيقا، أتمني أن يكون السيد الوزير والسادة صناع السياحة في مصر على بينة من أن الوضع الحالي يحتاج إلى ابتكار حلول غير تقليدية للعديد من المشكلات الخانقة التي نعانيها، وخاصة المعضلة الاقتصادية المتعددة الأوجه.
أظن أن وضع مسار أو طريق العائلة المقدسة ضمن خطة تسويق الآثار المصرية، لاستهداف المزيد من السياح الأجانب، لا ينبغي أن يكون إدراج وسلام.
على صناع السياحة إدراك أهمية أن دورهم لا يجب أن يتوقف على إعداد البرامج السياحية، وأماكن الإقامة وطرق السير ومدد الإقامة فحسب، رغم أهمية كل هذه العوامل إلا أنني أري أن هناك أمرا لا يقل أهمية، ولا أبالغ إذا قلت إن هذا الأمر وهو تحقيق الأمن الكامل وبكل ما تحمله الكلمة من معان هو العامل الأهم الذي يضمن نجاح استغلال وترويج مسار العائلة المقدسة كأحد أهم المزارات السياحية في العالم.
على صناع السياحة إدراك أن وزارة الداخلية بمختلف أجهزتها تتكبد أعباء جسام للقيام بمهامها في تحقيق الأمن والاستقرار في كافة ربوع مصر، وحققت معدلات لافتة في تحقيق مهمتها، وخاصة بعد سنوات الفوضى التي أعقبت أحداث يناير ٢٠١١ وما بعدها، ولكني أحذر من تحميل وزارة الداخلية بمفردها أعباء إضافية لتأمين مسار سياحي وما يرتبط به من مزارات في أكثر من ٢٥ قرية ومدينة في محافظات عديدة، من أقصى الشمال الشرقي إلى أقصى الجنوب، مرت بها العائلة المقدسة خلال رحلتها في مصر.
وأظن أنه يتعين على صناع السياحة البحث عن صيغة غير تقليدية لضمان تحقق الأمن الكامل في هذا المسار مشاركة مع وزارة الداخلية الجهة المعنية بالأساس بتحقيق الأمن، وهناك تجارب مماثلة ناجحة في الداخل والخارج، يمكن دراستها والنظر في مدى إمكانية تكرارها، فما المانع أن تؤسس شركة أمن خاصة تعنى بمهام تأمين المواقع السياحية التي ستؤسس، أو من المفترض أن تؤسس، في كافة المناطق التي يضمها طريق العائلة المقدسة.. نحن نمر بظروف استثنائية تحتاج إلى حلول استثنائية.