في معية يوسف(٢٨)
قضية الإيمان هي القضية الكبرى التي أرسل من أجلها جميع الأنبياء والرسل الكرام عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام.. وفى كثير من الآيات الواردة في الكتاب الكريم، يلفت المولى تعالى نظر الخلق جميعا إلى كل ما يعرفهم به، ويدلهم على عظمته وجلاله وآلائه، وبما يقربهم إليه سبحانه، وأنه واهب الحياة والوجود، وخالق الأرض والسماوات، وأنه وحده الذي يحيي ويميت، وأن كل شيء بيده وهو على ما يشاء قدير.
وتتجلى هذه الحقيقة في قصة يوسف عليه السلام، وفى غيرها من قصص الأنبياء والرسل.. يقول تعالى: (إن هو إلا ذكر للعالمين) أي ما كان هذا القرآن إلا عظة وعبرة ودروسا للناس جميعا، حتى تستقيم أمورهم في الحياة الدنيا ويعيشون سعداء بعيدا عن الأحزان والآلام والأوجاع.. ولو أن هؤلاء الذين تدعونهم كانوا عقلاء لقبلوا ذلك ولم يتمردوا عليه.. ثم يقول: (وكأين من آية في السماوات والأرض) أي كم من الآيات والعلامات الدالة على وجود الله تعالى ووحدانيته وقدرته وعظمته؛ مثل تلك الآيات الكائنة في السماوات والأرض كالمجرات والنجوم والشموس والكواكب والأقمار، والقارات والجبال والبحار والمحيطات وسائر أنواع الحيوان والطير والأشجار والنباتات والثمار والفواكه..إلخ (يمرون عليها) أي يشاهدونها ليل نهار (وهم عنها معرضون) أي مع ذلك هي لا تلفت انتباههم، ولا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) أي لا يؤمن أكثر هؤلاء المكذبين من قومك يا محمد، إلا إذا أشركوا مع الله غيره، فإنهم يقرون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق ويعبدون معه الأصنام.
فقد جاء في تفسير القرطبى أن ابن عباس قال: ومن ذلك قولهم في تلبيتهم: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك" (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) أفأمن هؤلاء المكذبون عقوبة من عذاب الله تغشاهم وتشملهم؟(أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون) أي أو تأتيهم القيامة بأهوالها فجأة من حيث لا يشعرون ولا يتوقعون؟ والاستفهام هنا- كما يقول الصابونى في تفسيره- إنكارى، وفيه معنى التوبيخ (قل هذه سبيلى) أي قل يا محمد هذه طريقى ومنهاجى واضحة مستقيمة لا عوج فيها ولا شك ولا شبهة (أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى) أي أدعو إلى عبادة الله سبحانه وطاعته في أوامره ونواهيه، على بيان وحجة واضحة أنا ومن آمن بى (وسبحان الله وما أنا من المشركين) أي وأنزهه سبحانه عن الشركاء والأنداد، فأنا مؤمن موحد بالله ولست من المشركين.
(وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم) أي وما أرسلنا قبلك يا محمد إلا رجالا من البشر لا ملائكة من السماء، يقول الطبرى في تفسيره: أي رجالا لا نساء، وبشرا لا ملائكة، نوحى إليهم آياتنا ندعوهم بها إلى طاعتنا، والآية رد على من أنكر أن يكون النبى (صلى الله عليه وسلم) من البشر، أو زعم أن في النساء نبيات (من أهل القرى) أي من أهل المدن والأمصار لا من أهل البوادى، قال الحسن: لم يبعث الله نبيا من أهل البادية قط ولا من النساء ولا من الجن.. قال المفسرون: وإنما كانوا من أهل الأمصار، لأنهم أعلم وأحلم، وأهل البوادى فيهم الجهل والجفاء والقسوة..
(وللحديث بقية إن شاء الله).