رئيس التحرير
عصام كامل

مواقع التواصل.. نقمة أم نعمة على الأدب؟

فيتو

تثير مواقع التواصل الاجتماعي جدلا ثقافيا بين المبدعين الذين يؤيد بعضهم استخدام مواقع مثل "فيس بوك" و"تويتر" و"إنستجرام" بينما يشعر البعض الآخر بالنفور حيال هذه المواقع المعروفة "بالسوشيال ميديا".


ولئن بات السؤال المطروح في الغرب والشرق معا: "هل تخدم مواقع التواصل الاجتماعي الأدب أم تضره وتعادي الإبداع الحقيقي" هاهي الأديبة البريطانية زادي سميث تقول إن استخدامها لمواقع التواصل الاجتماعي يهدد كتاباتها،وإن تفادي استخدام مواقع مثل تويتر وإنستجرام "يحمي حقها في الخطأ ويحول دون تعرضها لردود الفعل الفورية من جانب جمهور المتلقين".

وزادي سميث التي ولدت في الخامس والعشرين من أكتوبر عام 1975 هي روائية وكاتبة قصة قصيرة وتحظى أعمالها الإبداعية بثناء النقاد في بريطانيا حيث توصف بأنها من "وجه مشرق من الأوجه الجديدة للأدب البريطاني".

وصاحبة رواية "الأسنان البيضاء" ترى أن مواقع التواصل الاجتماعي بردود افعالها الفورية تهدد شعورها بالخصوصية في الكتابة حتى لو كانت مخطئة وحتى لو كان ما تكتبه دون المستوى، ومن ثم فهذه المواقع تشكل على المستوى الشعوري لها ككاتبة نوعا من مصادرة الفضاء الإبداعي.

وفي مقابلة أجرتها مؤخرا جريدة "الجارديان"، توضح زادي سميث أنها تريد ممارسة كل حقوقها ككاتبة بما في ذلك "الحق في الخطأ دون خوف من ردود الأفعال الفورية للمتلقين" لتشير بذلك إلى أن مواقع إلكترونية مثل فيس بوك وتويتر وإنستجرام "تحد شعوريا من هذه الحقوق" الضرورية لأي مبدع.

وأضافت صاحبة رواية "عن الجمال" الفائزة بجائزة "أورانج" الأدبية والمنحدرة من أب إنجليزي وأم قادمة من جامايكا أنها "لو وضعت في ذهني ردود أفعال القراء وأنا أكتب فلن أستطيع مواصلة الكتابة..ولذلك أحرص على الابتعاد عن تويتر وإنستجرام وشبكة الإنترنت ككل أثناء الكتابة".

واعتبرت سميث أن "التقلبات في اتجاهات رواد مواقع مثل تويتر والتحول في غضون ساعات قليلة من النقيض للنقيض من الأمور المزعجة للكاتب". مشددة من جديد على أهمية "التعبير الحر عن الذات ومايجول في القلب والعقل بخصوصية لا يجوز أن ينتهكها أحد".

وواقع الحال أن صاحبة "الوقت المتأرجح" ليست وحدها بين الكتاب في الغرب من يبتعد عن مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك في الثقافة الغربية من يرى أن شبكة الإنترنت ضارة بالثقافة الجادة.

ومن أبرز ممثلى هذا التيار الكاتب والروائى الأمريكى الشهير جوناثان فرانزن الذي لايكف عن شن الهجمات من حين لحين على شبكة الإنترنت ومواقعها الشهيرة للتواصل الاجتماعى مثل تويتر وفيس بوك. معتبرا أنها "مواقع لا مسئولة وعدوة للكتابة والقراءة الجادة" متشبثا بالكتاب الورقى أو ما يسميه "الكتاب الحى".

وبينما قال جوناثان فرانزن في سياق هجومه على وسيط اتصالى إلكترونى مثل تويتر: "لا يمكن ذكر الحقائق أو الدخول في حوار جاد عبر حيز لا يزيد عن 140 حرفا ولا ينبغى أن نضحك على انفسنا فأنا اشعر بالقلق على القراء والكتاب الجادين"، فإن الروائي البريطاني مارتن أميس بدوره أبدى مؤخرا شعورا واضحا بالنفور من مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال أميس وهو صاحب روايات ذاعت شهرتها في الغرب وخاصة "المال" و"حقول لندن" أن بعض مواقع التواصل الاجتماعي "تحولت إلى آبار للكراهية" ليكشف عن أنه قرر أن "ينأى بنفسه عن السوشيال ميديا".

وفي المقابل، فإن كتابا من المشاهير في الغرب لم يتخلوا عن مواقع التواصل الاجتماعي أو "السوشيال ميديا" وفي مقدمتهم جوان رولينج صاحبة "هاري بوتر" وفيليب بولمان صاحب "البوصلة الذهبية" وبريت إيستون اليس صاحب "الأخاديد".

كما أن صفحات الكثير من الكتاب سواء في الغرب أو الشرق تحولت إلى منابر للترويج لكتبهم وإصداراتهم الجديدة لتفتح فضاءات التواصل الجديدة آفاقا رحبة للمبدعين ومن بينهم من يكتبون بلغة الضاد.

ولئن أبدت الروائية البريطانية زادي سميث نفورا من ردود الأفعال الفورية حيال الكتابات الإبداعية على مواقع التواصل الاجتماعية فإن بعض المبدعين مثل الشاعر الجزائري ميلود حكيم يرحبون بالتفاعل والتعليقات على هذه المواقع.

وفي ظل أزمة النشر في بلدان عدة، فان ثمة ظاهرة فرضت نفسها على الفضاء الإلكتروني يمكن وصفها "بظاهرة كتاب فيس بوك"، حيث وجد مبدعون في هذا الموقع وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي حيزا للكتابة والتواصل مع المتلقين.

غير أن هذه الظاهرة لا تخلو من سلبيات حيث "اختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين والجيد بالرديء"، مما أثار قلق الكثير من النقاد الذين يتمسكون بالمعايير المتعارف عليها للكتابة ناهيك عن الإبداع، معتبرين أن "فيس بوك" لا يمكن أن يحل بديلا للمجلة الثقافية أو الكتاب كوسيط ثقافي.

ومن قبل تساءل الكاتب والشاعر المصري الكبير فاروق جويدة بمرارة واضحة: "لا أدري كيف نواجه لعنة فيس بوك وتويتر وكل هذه الأشباح التي تحولت إلى عمليات ابتزاز ونصب للباحثين عن الشهرة وكيف تحولت هذه المواقع إلى حياة الناس وكانت سببا في خراب البيوت وتشويه صورة المجتمعات"؟.

وأضاف: "نعم البعض منا حول مواقع التواصل الاجتماعي "من فيس بوك وتوابعه" إلى مستنقع رهيب ومقزز من الشتائم والبذاءات والأكاذيب واقتحام الخصوصية الإنسانية وكشف الأسرار الخاصة للبشر.

ورأى جويدة أنه من المؤسف أن تنزلق بعض الصحف ووسائل الإعلام الجماهيري لهذا المستنقع وتنشر الغسيل القذر في مستنقع فيس بوك وتويتر "رغم أن هذا النشر يتعارض مع كل أخلاقيات العمل الصحفي والإعلامي لنصبح أمام إشكالية أخلاقية "أفسدت حتى لغة الشارع بكل ما حملته من مظاهر الانحطاط والبذاءات وساعدت على نشر الفضائح حتى أصبحت شيئا عاديا في حياة الناس!

ووسط هذا الجدل المحتدم سواء في الغرب أو الشرق يبدو أن الأمريكي مارك زوكر بيرج لم يخطر بباله عندما جسد حلمه بتأسيس موقع التواصل الاجتماعي الأشهر على شبكة الإنترنت "فيس بوك" من غرفة سكن بمدينة جامعية للطلاب في هارفارد عام 2004 أن ابتكاره سيثير العديد من التحديات والجدل حتى على مستوى الكتاب والمبدعين.

ولا ريب أن القضية تتسع باتساع الفضاء الافتراضي ومستحدثات ثورة الاتصالات التي طالت عالمنا العربي كما يقول مثقف كويتي بارز هو الدكتور عادل سالم العبد الجادر رئيس تحرير مجلة العربي ويتابع: "إن الشاب الآن يصحو من نومه معانقا هاتفه الجوال ليقرأ ويتكلم بقلبه حتى كاد يفقد نطقه".

وإذ يطرح عادل العبد الجادر السؤال: "أفي ذلك خير أم فيه شر"، وهل بأيدينا اختراق أسوار العزلة التي شيدها أبناؤنا حولهم باسم الحرية والاستقلالية الذاتية؟! ففي كل ذلك ستجد "فيس بوك" وهي أكبر شبكة اجتماعية في العالم ويتجاوز عدد مستخدميها المليار شخص فيما تفيد أرقام معلنة أن عدد مستخدمي هذا الموقع الشهير للتواصل الاجتماعي في العالم العربي يتجاوز الـ 50 مليون مستخدم كما ستجد "تويتر" و"إنستجرام".

ويتساءل الدكتور عادل سالم العبد الجادر في معرض طرح عنوانه: "ماذا تغير في سلوكيات الأجيال العربية؟" عما حل بجيل الشباب الذي كل خيال في دنياه عرض محقق وإن احتاج الشاب إلى معرفة شيء ما فإن حاسوبه غني بالمعلومات "فهو في نظر نفسه غني عن العالمين والمعلمين والموجهين وربما الوالدين أيضًا مادام بقدرته معرفة أي شيء متى ما يشاء".

بل إن هذا الجيل -كما يذهب رئيس تحرير مجلة العربي- لم يعد يلعب "فلماذا يلعب وبين يديه الأدوات والألعاب الحاسوبية التي لا يبذل معها مجهودا حقيقيا سوى التركيز في الوهم"؟! فيما يتطرق لقضية مهمة حقا في ثقافتنا العربية وهي تأثير الإنترنت على اللغة وما يسميه "شطط الكتابة الجديدة".

ويرى الدكتور عادل سالم العبد الجادر أن الانتقاد الأكبر يقع هنا على عاتق المثقفين والمتخصصين في اللغة والتربية، لافتا لأهمية دورهم في جذب الشباب للغتهم الغنية بالمفردات دون تشدق أو تعقيد أو "ألم لفظي".

وفيس بوك" اقترن بجوجل الذي خرج ككيان معلوماتى لحيز الوجود في "ماونتين فيو" بكاليفورنيا منذ نحو 16 عامًا عنوانا للعصر وليس بمقدور أحد أن يتجاهل أي شاب وهو يؤكد صدقية معلوماته بالقول إنه عثر عليها في جوجل وكأن هذه الكلمة باتت علامة الثقة التي لا يجوز مراجعتها أو التشكيك في مضمونها.

وباتت التجليات العربية للثورة الثقافية الإلكترونية ظاهرة تثير الاهتمام بقدر ما تطرح المزيد من التساؤلات وتثير التحديات حول قضايا متعددة وفى مواجهة تيار مضاد حتى في الثقافة الغربية يرى أن شبكة الإنترنت ضارة بالثقافة الجادة.

ووسط هذا الجدل تؤكد تقارير وإحصاءات معلنة أن عدد المعجبين بالشاعر السورى الراحل نزار قبانى على صفحته بموقع "فيس بوك" تجاوز المليون شخص فيما بات نجوم الأدب العربى القدماء والمحدثون هم النجوم الجدد على صفحات في موقع فيس بوك الشهير للتواصل الاجتماعي.

فعلى صفحات فيس بوك يمكن للمتصفح أن يلتقى بالمتنبى والجاحظ وجبران خليل جبران ونجيب محفوظ وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم وادونيس ومحمد الماغوط ومحمود درويش ناهيك عن نزار قبانى "بشعبيته الإلكترونية الطاغية" سواء على صفحات خاصة بهذه الأسماء أو صفحات مخصصة لقضايا الأدب والثقافة.

ونظرة على شبكة الإنترنت ستكشف عن أن هذه المواقع المعنية بنجوم وروائع الآدب العربى وقضايا الثقافة العربية باتت بالعشرات بل إن هناك مجلات ثقافية عربية لاتصدر الآن إلا بالصيغة الرقمية.

غير أن هناك صفحات ومواقع إلكترونية تبدو مجهولة الهوية إلى حد كبير، حيث لا تعلن عن أسماء مؤسسيها أو القائمين على تحريرها دون أن ينفى ذلك الحقيقة المتمثلة في ارتياد عشرات الآلاف بل أحيانا مئات الآلاف من القراء الإلكترونيين لهذه الصفحات والمواقع.

ولعل مبتكر "فيس بوك" مارك زوكر بيرج الذي اعتبر يومًا ما أن الهدف من موقعه أن يكون صورة موازية لعلاقات البشر الواقعية في الفضاء الإلكترونى يشعر بالسعادة وهو يرى هذه التجليات العربية للثورة الثقافية الإلكترونية.

ومع ذلك فمن السابق لأوانه تحديد الآثار البعيدة المدى لهذه الثورة الثقافية الإلكترونية وإن كان من الملاحظ أن المنخرطين في هذه الأنشطة ذات الصبغة الثقافية العربية على شبكة الإنترنت يسعون للاستفادة من الحرية التي تتيحها الشبكة وتجاوز أي نوع من الرقابة.

بل إن أحدا لايعرف على وجه اليقين هذه الآثار البعيدة المدى للثورة الثقافية الإلكترونية في مجالات مثل التعليم وهو ما يتجلى في تساؤلات تطرحها الصحافة الغربية دون أن تجد إجابات نهائية.

وها هي صحيفة الأوبزرفر البريطانية تتساءل في تحقيق عميق ومستفيض بقلم كارولى كادوالدر عما إذا كان الإنترنت بصدد كتابة كلمة "النهاية" للجامعات بصورتها المتعارف عليها في الأذهان، موضحة أن "هناك جامعات أمريكية إلكترونية كاملة الآن على الشبكة العنكبوتية".

ولا جدال أن هذا التطور يأتى في سياق "الثورة الثقافية الإلكترونية" التي طالت صناعة النشر وعالم الكتاب والصحافة والموسيقى والسينما ليأتى الدور الآن على التعليم فيما يقول المدافعون عن الجامعات بصورتها التقليدية أن هذه الجامعات أكبر من التعليم وحتى البحث منوهين إلى أنها تقدم حياة اجتماعية للطلاب لن يجدوا لها البديل على شبكة الإنترنت أو الجامعات الإلكترونية".

وفى الوقت ذاته -تفرض تحديات العصر الرقمى نفسها العالم وسط تصاعد القلق حيال اقتحام الخصوصية الإنسانية وكشف الأسرار الخاصة للبشر بالفضاء الالكترونى في العصر الرقمى، فيما يرى الباحث الأمريكى جيمس جليك أن هؤلاء الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعى مثل "فيس بوك" عليهم أن يعلموا أنهم وافقوا ضمنا بموجب هذا الاستخدام على كشف جوانب وأبعاد تدخل في نطاق حياتهم الخاصة ونشرها على الملأ الإلكترونى وهى حقيقة تنطبق أيضا على مستخدمى "التويتر" و"إنستجرام".

وثمة أسئلة ثقافية كبرى يطرحها مفكرون ومثقفون كبار هنا وهناك من بينها: "هل أصبح وجودنا الإنساني مجرد وجود رقمي خادع على شبكة عنكبوتية تعلي الجدة على حساب الأصالة" ؟! وما حقيقة مصطلحات نرددها أحيانا دون وعي كاف مثل مقولة "القرية الكوكبية بينما قد لا يكون كل سكان هذه القرية على قدم المساواة"؟!

وإذا كان محرك البحث الإلكترونى الشهير جوجل بات مقصدا لأغلب مستخدمى الإنترنت للحصول على معلومات أو إجابات حول مسألة أو قضية ما فان معنى ما يحدث في أحد أبعاده أن جوجل أصبح يلعب دورا خطيرا في تشكيل عقل العالم حتى أن بعض المفكرين في الغرب لم يخفوا شعورهم بالقلق حيال التعاظم الهائل في قوة جوجل.

ألم يعد جوجل دليل الباحثين عن إجابات لأى سؤال ويغنى في نظر الكثيرين عن مشقة البحث في الكتب وتجشم عناء القراءة؟! والسؤال الأهم هنا ماذا عن النوايا ومآرب هؤلاء الذين يمسكون بزمام هذا الكيان المعلوماتى الجبار؟!

وفى هذا السياق، تتوالى إشارات قلقة حول الكم الهائل من المعلومات المختزنة لدى جوجل حول سلوكيات واهتمامات وميول أعداد هائلة من البشر في كل أنحاء العالم يتوجهون لمحركات البحث الإلكترونى للبحث عما يعنيهم، وفى خضم هذه العملية يمكن الحصول على كثير من المعلومات حول اتجاهات شخص ما وميوله واهتماماته وطبيعة شخصيته.

وقد يتعين الالتفات لما يقوله الكاتب وأستاذ الأدب الإنجليزي والمقارن في جامعة كولومبيا ادوارد مندلسون من أن بعض جوانب ثورة الاتصالات والمعلومات الحالية تحمل مهددات بتحويل الذاكرة والمعرفة من الذات الداخلية أو الجوانية لمجرد معالم خارجية أو "ملامح برانية".

وبين سياقات ثقافية غربية وعربية ينبغي بحث الإشكاليات الإنسانية في العصر الرقمي، وان تعددت الرؤى واختلفت زاوية التناول ومنظور الرؤية باختلاف سياقات الواقع.. ولكن كما يقول إدوارد مندلسون فإنها مهما توالت التحولات التكنولوجية والثورات التقنية تبقى الإلهامات التي نتلقاها رهنا بما نختاره من كلمات لنقرأها والطرق التي نختارها للقراءة وطرائق استخلاص المعاني.. فمرحبا بكل المعاني السامية والإبداعات الحقيقية سواء جاءت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو الوسائط التقليدية!
الجريدة الرسمية