الزبال العظيم!!
الدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة البيئة السابقة، وأيضًا أول وآخر وزيرة للعشوائيات والتطوير الحضاري، بعد أن تحللت من منصبهم الوزاري عادت إلى العمل الذي تحبه وتعشقه، وهو خدمة الفقراء ومساعدتهم وخاصة أهالينا جامعي القمامة، وبالأخص السيدات اللائي يعملن في هذه المهنة (الساقطة من حسابات الحكومة)، والتي ينظر إليها البعض بأنها أقل المهن..
ليلى إسكندر قبل توليها الوزارة لم تكن معروفة في عالم المال والأعمال والإعلام والسياسية مثلما كانت معروفة بين سكان أحد أفقر الأحياء المصرية، وهو حي (الزبالين) بالمقطم، الذي أمضت فيه 15 عامًا تطبق خبرتها ودراستها الأمريكية في تعليم أبناء الزبالين..
ليلي إسكندر عادت مرة أخرى تساعد الزبالين وتأهلهم للعمل في المصانع والشركات، وأنا شخصيًا رأيت بعض هؤلاء السيدات الفضليات يعملن في منتهى الانضباط والجدية والاحترام في مصانع صديقنا الدكتور هاني قسيس، كيف تحولت هذه السيدة الفاضلة من جمع القمامة إلى تشغيل ماكينات الإنتاج؟ هذا يؤكد ما نؤمن به دائمًا أن المواطن المصري ليس فوضويًا بل هو أفضل عامل في العالم إذا وضع في منظومة منضبطة والمشكلة ليست فيه بل في سوء إدارته وتوظيفه..
حكاية الدكتورة ليلى إسكندر تذكرني برئيس كوريا الجنوبية السابق 2013 - 2008 (لى ميونج باك) وهو نموذج يحتذى به، حيث نشأ طفلا فقيرًا جدًا وكان يعمل حتى عمر 18 عامًا في جمع القمامة يدويًا لينفق على تعليمه.. تخرج والتحق بشركة "هيونداى"؛ بعد خمس سنوات أصبح مديرًا للشركة العملاقة بعد أن ضاعف رأس مالها في خمسة أعوام؛ ثم رئيسًا لهيونداي؛ ثم رئيسًا لكوريا الجنوبية كأصغر رئيس دولة في العالم.. "لي ميونج باك" ألقى محاضرة بكى لها الشجر والحجر في جامعة السلطان قابوس، كضيف رئيسي في المنتدى الاقتصادي الآسيوي.
قال: لم تمح الرئاسة آثار ورائحة القمامة من يدي وهذا أكثر ما أفخر به الآن.
قال: إن كوريا كانت خامس أفقر دولة في العالم منذ 50 عامًا.. اليوم هي أكبر خامس اقتصاد في العالم بسبب الاهتمام والتركيز على التعليم، فنحن لا نملك أي موارد في كوريا غير البشر.
خمس سنوات جعل من "هيونداى" إمبراطورية صناعية عملاقة.
خمس سنوات جعل من "كوريا الجنوبية" خامس اقتصاد في العالم ولها قوة سياسية واقتصادية عملاقة بلا أي موارد طبيعية تذكر.. ترك الرئاسة ويعمل الآن موظفًا في هيئة علوم البيئة براتب 2200 دولار شهريًا خاضعة للضرائب.. لكنه يحصل على 30000 دولار في محاضرة لساعة واحدة.. جامع القمامة الشريف صنع لنفسه وعائلته وبلده شرفا وكرامة، يفتخر بها أبناؤه وأحفاده وشعبه إلى يوم القيامة.
في الدول المتقدمة المحترمة تعتبر جامع القمامة (الزبال) من أهم الوظائف ويتقاضى أعلى الرواتب بل بعض الدول مثل الدنمارك تمنع الأجانب من تولي هذه الوظيفة، حيث تعتبر نظافة البلد أمن قومي والعاملين فيها أهم من رجال الأمن.. في الدول المحترمة المتقدمة الزبال يقيم في نفس العقار الذي يقيم فيه الوزير أو الرئيس، ويرتدي أفضل الملابس ويمتلك أفخم السيارات والمنازل ويعيش حياة كريمة، وابن الزبال من حقه تولي أهم الوظائف وباجتهاده يترقى في أعلى المناصب وبتفوقه يعين سفيرًا أو ضابطًا أو مستشارًا أو حتى رئيس جمهورية مثل "لي ميونج باك"، أما في الدول التي سوف تظل متخلفة فإن جامعي القمامة لا تراهم حكوماتهم..
فالتحية والتقدير للدكتورة ليلى إسكندر، التي تركت ما لا تحب حتى تعمل ما تحب وتهب حياتها لخدمة الفقراء.
egypt1967@yahoo.com