مبادرة التسوية.. طوق نجاة لـ«شعب إسرائيل».. ينتظرون إقرارها للهروب من ضربات «المقاومة».. المعارضة الإسرائيلية أبدت ترحيبا بدعوة السيسي للسلام.. وليفني تحذر نتنياهو من إحراج العرب
أدركت إسرائيل منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، أنها أمام زعيم له طابع خاص، يمكنه تغيير شكل المنطقة عبر الطرق الدبلوماسية السلمية، وهى على يقين أن التغيير يبدأ بحل القضية الفلسطينية التي كثيرا ما تغنى بحلها زعماء عرب لكنهم لم يفعلوا شيئًا من أجلها، وفي ظل الأزمة التي تعانى منها إسرائيل وعدم قدرتها على كبح زمام الفلسطينيين، بعد أن فشل العنف الصهيوني خلال عقود من إيجاد حل.. وجدت في نهاية المطاف أن النتائج المرجوة تكمن في اللاعنف، الذي بدوره يقود إلى السلام الحقيقي، ورأت أنه لا يوجد قائد عربي قوي يمكنه تحقيق ذلك سوى السيسي.
يلهث الإسرائيليون حاليًا وراء حلم السلام، لأنه بمثابة طوق النجاة لحل مشكلات الاحتلال مع الفلسطينيين، الذين تعتبرهم بمثابة قنبلة موقوتة تهدد وجودها رغم ما تمتلكه من أسلحة فتاكة لا يخشاها أطفال الحجارة، علاوة على فشل الجانب الأمريكي في التوصل لحلول، كونه وسيطا غير نزيه، وترى إسرائيل أن هناك ضرورة ملحة لوجود وسيط عربي يقود هذه الخطوة لعقد اتفاقية سلام أو معاهدة تنهى عقود الدم مع الفلسطينيين، وكانت دعوة السيسي من فوق منبر الأمم المتحدة التي التقطها الإسرائيليون بسرعة هي فرصة سانحة لتحقيق الحلم.
ترحيب شعبى
الإعلام الإسرائيلي كشف مدى ترحيب المواطنين الإسرائيليين بدعوة الرئيس المصري وأظهر مدى تعطشهم للسلام، والحديث هنا ليس عن الحكومة الإسرائيلية بل عن المواطن نفسه الذي سئم نتائج الحروب المسلحة مع الفلسطينيين التي لم تجد نفعًا، ولم تزحزح شعبا احتلت أراضيه عن موقفه، وتمسكهم بأرضهم وتحقيق حلم إقامة دولته، ولكن السؤال الملح هنا هو هل الحكومة اليمينة المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو ستعمل على تحقيق السلام أم أنها تراوغ كعادتها؟
تمهيد الخطوة
المحللون الإسرائيليون أكدوا أن اللقاء الذي جمع بين السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هو بمثابة تمهيد لخطة حل القضية الفلسطينية، ويقول المحلل الإسرائيلي، إيدو زالكوفيتش: إن اللقاء رسم صورة جيدة للجانب الإسرائيلي عن مصر وعن مدى رغبتها في دفع السلام الإسرائيلي- الفلسطيني قدمًا، خاصة أن اللقاء جاء بعد انشغال السيسي حتى النخاع في عملية المصالحة بين فتح وحماس، التي تعد نواة ترتكز عليها محادثات السلام الفلسطينية- الإسرائيلية، معتبرًا أن الإعلان عن اللقاء غير مؤثر على شعبية السيسي، لأنه رئيس قوي داخليًا، بل يزيد من شعبيته ويبرز دوره المؤثر في المنطقة.
زالكوفيتش أضاف: إن لقاءات كهذه تعزز قضايا الأمن القومي المصري. وفيما يتعلق بالمفاوضات بين فتح وحماس تحت مظلة جهود القاهرة، يقول زالكوفيتش: إن لقاءات فتح وحماس في السنوات الأخيرة، نجحت في التمهيد لخطة تسوية بين الطرفين، لكنها لم تنفذ أبدا، أما خلال الأشهر الأخيرة فأدركت الحركة بعد سلسلة من العقوبات الاقتصادية من جانب الرئيس الفلسطيني، عباس أبو مازن، أنها لن تستطيع الاستمرار في السيطرة على قطاع غزة بمفردها، موضحًا أنه إذا تمت المصالحة الحقيقية بين الجانبين فإن إسرائيل يتعين عليها اتباع سلوك مختلف مع حماس التي تعتبرها تنظيمًا إرهابيًا.
التحليلات لم تقف عند هذا الحد، بل أكدت أن التوصل لاتفاق مصالحة بين حماس وفتح بوساطة مصرية، يقوي موقف مصر الإقليمي والدولي، ويزيد من الاستقرار في المنطقة، خاصة إذا نجحت المصالحة في دفع اتفاقية السلام مع إسرائيل.
إسرائيل تظهر للعالم أنها باتت في حاجة إلى مثل هذه الاتفاقية أقرب من أي وقت مضى، ويبرز الإسرائيليون أن لديهم قبولا لاحتواء الشعب الفلسطيني، ويدلل على ذلك التصريحات الأخيرة لـوزيرة العدل الإسرائيلية، إيليت شاكيد، التي طالبت فيها أصحاب المتاجر والمطاعم في إسرائيل بتشغيل العمال الفلسطينيين بدلًا من المتسللين من أفريقيا، واشترطت في دعوتها أن يكون العمال الفلسطينيون من الحاصلين على تصاريح عمل، ودخلوا بشكل قانوني إلى إسرائيل.
مشروع التسوية
كما كشف تقرير إسرائيلي تفاصيل ما اسمته الجهد الجديد الذي يقوده الرئيس السيسي، لإحياء مشروع التسوية في منطقة الشرق الأوسط، بمساعدة بعض رؤساء الدول العربية.
وأكد التقرير الذي نشر، في موقع قناة "i24 نيوز" الإسرائيلي، أن هناك خطة متفق عليها مصريًا وإسرائيليًا وأمريكيًا خلال لقاءات سابقة.
وتتمثل الخطة، في تحقيق مصالحة فلسطينية داخلية، ورفع المعاناة عن قطاع غزة، ومن ثم البحث عن سبل لإحياء مشروع التسوية الكاملة في المنطقة، قبل الانتقال للمرحلة الثالثة، والأخيرة لتفعيل التطبيع العربي مع إسرائيل، من خلال تفعيل المبادرة العربية للسلام.
مؤتمر ديسمبر
وأضافت أن الكثير من الدول العربية تطمح لأن تصل إلى البند الأخير من الخطة مباشرة بتطبيع سياسي واقتصادي كامل مع الاحتلال الإسرائيلي، لكن تقف القضية الفلسطينية عقبة في وجوههم، مضيفا: "لذلك بدأ هذا الجهد بدعم عربي كبير لإنجاح جهود مصر في المصالحة والتسوية".
ونقلت عن مسئول أن الاتصالات تجرى على قدم وساق حول القمة المقبلة، وسيتم عقدها- بحسب المعلومات الأولية- في منتصف شهر ديسمبر المقبل، في مدينة شرم الشيخ وبحضور وفود عربية ودولية كبيرة.
البعض يرى أن الإسرائيليين لديهم شوق لتكرار تجربة "كامب ديفيد" مع الفلسطينيين، حتى المعارضة الإسرائيلية أبدت ارتياحًا لدعوة السيسي، وأعربت عن خشيتها من أن يحرج نتنياهو العرب، إذ قالت وزيرة الخارجية السابقة والمعارضة، تسيبي ليفني: إنه على الرغم من أن خطاب رئيس وزراء الإسرائيلي، كان ناجحًا في الأمم المتحدة إلا أنه منعزل عن الواقع، وينبغي عليه أن يعتمد على الأفعال لا الأقوال حتى لا يحرج الحكام العرب. وأشارت إلى أن تعاون العالم العربي مع إسرائيل في كل ما يتعلق بمستقبل الأوضاع في سوريا أصبح ضروريًا، والمخاطر المحدقة بنا أصبحت ظاهرة للعيان.
ولفتت إلى أنه ينبغي على إسرائيل أن توفر بيئة تسمح بإغراء الزعماء العرب بالتعاون مع إسرائيل، مؤكدة أن ذلك لن يحدث إلا بدفع المفاوضات مع الفلسطينيين.
فرصة سلام
وردًا على ذلك أكد المحلل السياسي بهاء جلهوم، أن المؤشرات تؤكد أنه الممكن أن يحدث شيء إيجابي في ظل دعوة السيسي، وكذلك بالنسبة لإدارة ترامب التي تريد أن تحرز تقدمًا على الساحة الدولية، وتوقع أن تسير الأطراف في هذا المسار نحو اتفاقية سلام، أو إطار للسلام يجمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
وأضاف أن مصر لا يعنيها سوى عودة الحقوق الفلسطينية، وتبذل أكبر جهد لتحقيق ذلك، وموقفها واحد عبر كل العصور، وهو تحقيق السلام، وقيام دولة فلسطينية وإعلان القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، ولكن هل الظروف في المنطقة تدعم وجهة النظر المصرية؟، لا أظن لأن المنطقة متوترة للغاية.
أوسلو وكامب ديفيد
وتابع: إنه من الممكن أن تسير إسرائيل في مسار مشابه لأوسلو، لكن ليس مثل كامب ديفيد، لأن هناك فرقا شاسعا بين ظروف الوضع الراهن والظروف التي عقدت فيها اتفاقية كامب ديفيد، وهذا لن يحدث لسبب بسيط، وهو أن اتفاق كامب ديفيد الأول كان أساسه حرب كبرى قادت إلى سلام، وتغير موازين القوى في الشرق الأوسط، أما حاليًا فنتحدث عن طرف ضعيف جدا، وهو الشعب الفلسطيني الذي لا يملك من الأرض حاليًا سوى 20% فقط، وطرف قوى جدا وهو إسرائيل التي تملك بيدها كل قواعد اللعبة، فكيف سيحصل الضعيف على كامل حقوقه وعلى أي أساس؟. لذا فإن دخول إسرائيل في اتفاقية سلام ترضى الطرف الفلسطيني، يعني أنها تخطط للحصول على مكاسب كبيرة، الهدف الإسرائيلي هو الحصول على أكبر قدر ممكن من أموال العرب وانفتاح أكبر في العلاقات الدبلوماسية.
وشدد على أن الطرف الإسرائيلي له رؤيته الخاصة، ولا أظن أنه سيدخل في سلام حقيقي، لكن من الممكن أن يدخل إلى حد كبير في مسار مثل أوسلو عام 1993م، الذي لم ينتج شيئًا في نهاية المطاف، إذ إنهم عقدوا سلامًا مع الراحل ياسر عرفات، وفي النهاية تراجعوا وأعادوا احتلال الأرض.
مماطلة إسرائيلية
أحمد حماد رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية السابق بمركز الأهرام أكد أنه خلافًا للفرحة الإسرائيلية العارمة بدعوة السيسي، فإن إسرائيل ستتبع نهج المرات السابقة، والذي يعتمد على المماطلة، أما إبداء رغبتها بالسلام فهي جزء من محاولتها تحسين وجهها القبيح أمام المجتمع الدولي وهى فرحة مفتعلة.
حماد أضاف في تصريحات لـ"فيتو" أنه من الممكن أن يجرى اتفاق مماثل لـ"أوسلو" لكنه سيكون أيضًا كلاما على الورق، أما على أرض الواقع فلن يحدث شيء، لأن الفلسطينيين يطالبون بتأسيس دولة فلسطينية التي هي الحل الوحيد لإنهاء الأزمة في المستقبل، وإسرائيل لن تقبل بقيامها، وبالتالي الحديث عن الاتفاق مراوغة إسرائيلية.