رئيس التحرير
عصام كامل

بعض الناس يضحكون في مصر


ذهبت إلى مسرح البالون، الأسبوع الماضي، لكي أجرب إعادة استخدام خاصية الابتسام، على الأقل، والتي أظنها تعطلت في وجوه معظم المصريين؛ بسبب جريمة تخريب الوطن في الخامس والعشرين من يناير قبل ست سنوات سواد! المفاجأة أن الخاصية دارت، واشتغلت عضلة الابتسام، وسخنت، وانطلقت، فاستغربت مع الآخرين بقاعة العرض، صوت قهقهتي الذي عدمته منذ سنين.


لقد شاهدت العرض المسرحي الاستعراضي الغنائي "تلاميذ فيس بوك" من تأليف عبدالمنعم محمد ومن إخراجه أيضًا.. والحق أن عبدالمنعم محمد عرفته مساعدًا موهوبًا مبادرًا للمخرج الكبير الراحل شيخ مخرجي المسرح المصري حسن عبدالسلام وقت الإعداد لمسرحيتي "نساء السعادة"، فقد كان منعم هو بالضبط الآلة الذكية التي تترجم كل أفكار الأستاذ إلى لحم ودم وحركة ومزيكا.. وهكذا نجحت مسرحيتي "نساء السعادة" على مسرح السلام، واستمر عرضها ستة أشهر، بطولة وفاء عامر، وأحمد وفيق، وعزة جمال وفلك نور، وكان منعم والأستاذ أعظم الناس فرحا بالنجاح الفني والجماهيري.

وتلاقينا مرارا واتفقنا على عرض جديد، بعنوان "ليلة سودة"، كتبته قبيل أحداث المؤامرة على مصر بأقل من شهر، عن الفساد والجشع والتفسخ، والحريق القادم، ولقد أثار النص إعجاب الأستاذ الراحل حسن عبدالسلام، لكن لم يمهله القدر أن يرى النور على يديه ويدي تلميذه البارع عبد المنعم محمد.

عرفت منعم إذن مساعدًا للمخرج، ثم تابعت إخراجه عددًا من مسرحيات الصيف، لاقت نجاحًا لم يفاجئني؛ لأن الذي فاجأني بحق أنه مؤلف العرض المسرحي الاستعراضي الغنائي الممتع على مسرح البالون.

تلاميذ فيس بوك بطولة النجمة شيرين، ونجم الغناء الغائب محمد الحلو، ومعهما أحمد الحلواني ورضا حامد" اللي ما بيجمعش كالعادة، ويترك لك مهمة فهم بقية الجملة التي تحولت على لسانه إلى أ أ أ أ."!

أحداث المسرحية تدور ما بين قفص الاتهام في المحكمة، حيث يمثل ستة شبان صبيان وبنات، ألقي القبض عليهم بتهمة تدخين الحشيش بل لفه في البرديات في قاعة المتحف، وإهانة تماثيل الأجداد وما بين قصر رجل الأعمال اللاهي عن ابنته وقصر أختها الغائبة عنها، والمدرسة.

هم شباب فيس بوك بحق، واختيار العنوان موفق؛ لأن مجموعة الشبان وعلى رأسهم أحمد بسيم، نشروا روحا ساخنة في أرجاء المسرح انتقلت عدواها إلى الجمهور الذي كان لا يكف عن التصفيق لهم وتشجيعهم.

مع أحمد بسيم، مدرب رقصة الصالصا اللاتينية، برع محمد جاد ودعاء رمضان وهبة محمد ودعاء محمد ونور الشرقاوي.. برز بينهم أحمد بسيم الذي حظي بتصفيق وإعجاب الجمهور، لحضوره وخفة ظله، وحركة بدنه الذكية دون أفراط فج وأتوقع له مستقبلا مرموقا في عالم الكوميديا.

بالطبع ظهرت النجمة شيرين متألقة لامعة الأداء والهيئة، واثقة، مستمتعة بالدور وبأداء نجوم المستقبل، فهي الأخت الكبرى لاحدي الفتيات المقبوض عليهن، وأظهرت حكمة وشموخًا في مواقف درامية، قابلها النيرف الخاص بها في مشاهد اقتضت زجرة وصرخة شيرين، وفي الحالين كان الناس سعداء، وتابعوا بإعجاب مجموعة الأزياء المبهرة، وبساطتها على قد شيرين الرشيق.

أما الفنان محمد الحلو فقد أمتعنا بصوته الرخيم العميق، وبحركته السريعة، وبأبوة جميلة عكسها أداؤه، وهو يشعر أنه يجسد ضمير الوطن في نص يحض على إعادة تأهيل هذا الجيل الذي يربيه الإنترنت وفيس بوك وتويتر بأكثر مما تفعل البيوت المصرية والمؤسسات التعليمية والدينية والثقافية والعودة إلى مادة التربية الوطنية.. خفة ظل حلوة للحلو أيضًا أضحكت الناس ببساطتها وعفويتها، تماما كما تأثروا مشجونين بأداء أحمد الحلواني، الذي تآمر على المدرس طيب القلب، محمد الحلو.

المسرحية ليست استنساخا لمدرسة المشاغبين؛ لأن قلة الادب وانتهاك الحرمات الاجتماعية، لم تكن داخل الفصل الدراسي، بل جرت، في قاعة محكمة، وأمام قاض! مؤشر على مدى الاستهتار والخطر المحدق وأظن أن هذا المشهد جرس إنذار ينبه قبل فوات الأوان، كما أن مشهد عودة الضمير والإقرار بالخطأ، وانتصار صبر المدرس الذي تعامل بحب ووطنية، دليل على أن إعادة الانتماء عملية تتم بالعقل وبالحكمة كما تتم بالحب والفهم.

أجاد منعم في تحريك المجموعات، وتوزيعها، وفي تقديم الاستعراضات الدرامية، لا لمجرد الحشو وإشاعة جو غنائي، وتمكن من تفجير طاقات الشباب، وحثهم على الإبداع، وهو ما انعكس حتى في إفيهات لطيفة وحركات محببة.

أمتع ما في العرض حقيقة هو احتضان جيل النجوم للشبان الصاعدين، فكانوا معًا وهج وعطاء أسرة واحدة، تمردت على جزيرة "فيس بوك" المعزولة عن المجتمع.

لا تزال خشبات المسرح المصري مضيئة، في السلام والبالون، وعلى خشبة القومي يستعد المخرج الكبير عصام السيد لتقديم نص جديد، رغم الظروف؛ لأن المسرح سلاح مباشر قادر على مواجهة الإرهاب والتخلف وغياب الانتماء الوطني.

تحية لنجوم العرض، وانتظرهم في عمل جديد يمتع العقل والقلب.
الجريدة الرسمية