رئيس التحرير
عصام كامل

«صفعة الغاز».. سر رفض القاهرة التعاون مع إسرائيل في «بيزنس الخطوط».. واتفاق قبرص يشعل «تل أبيب».. حكومة «إسماعيل» ترفض مبادرة وفد نتنياهو بتخفيض الغرامات مقابل

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

يسيطر على إسرائيل هاجس القلق والخوف من الاكتشافات البترولية التي تقوم بها القاهرة، لا سيما مع اقتراب دخول المرحلة الأولى لحقل ظهر بالمياه العميقة بالبحر المتوسط بمعدل مليار قدم مكعب غاز يوميا قبل نهاية العام الجاري، وسيكون ذلك بمثابة ضربة قاصمة لطموحاتها في منطقة الشرق الأوسط في أن تصبح عنصرا محوريا وإقليميا في سوق الغاز.


ومنذ أيام أعلنت الحكومة المصرية رفضها طلبات تل أبيب في استخدام خطوط الغاز البحرية لمحطات الإسالة في إدكو ودمياط، لكي تصدر الغاز إلى أوروبا وآسيا.

كما رفضت الحكومة العروض الإسرائيلية في تخفيض الغرامة المرفوعة على الدولة من ٧.١ إلى ٥٠٠ مليون دولار في سبيل إتاحة الدولة خطوط الغاز ومحطات الإسالة.

تحركات مصرية موجعة
التحركات التي اتخذتها الحكومة المصرية، والتي دفعت الجانب الإسرائيلي لوصفها بـ"الموجعة" لم تكن وليدة اللحظة، لكن تم الترتيب لها منذ أسابيع عدة، ففي الشهرين الماضيين، استقبلت الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" وفدا إسرائيليا من شركة "نوبل إنرجي" بحضور المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية، لبحث سبل التعاون خلال الفترة المقبلة والاتفاق على آليات تؤهل إسرائيل في استخدام محطات الإسالة والبنية التحتية لتصدير الغاز إلى دول أوروبا.

وبحسب مصادر خاصة داخل الوزارة، فإن الوفد الإسرائيلي كان يأمل في موافقة القاهرة على ذلك الإجراء، لكن قيادات "البترول" رفضت تسخير إمكاناتها والبنية التحتية لإسرائيل لوجود نزاع تجاري وقضايا تحكيم بين الدولة المصرية وإسرائيل.

لا نحتاج إليكم
المفاجأة في الأمر أن تل أبيب بعثت رسالة إلى مصر مع الوفد في ذلك الحين مفادها، أن القاهرة لن تستغني عن إسرائيل ولن تستغني إسرائيل أيضا عن مصر، وكان الرد عليها: "نمتلك احتياطيات كبيرة من الغاز من اكتشافات ضخمة ولدينا بنية تحتية وشبكات ومحطات لا تمتلكونها، وانتهى الأمر بفشل إقناع الوفد الإسرائيلي الجانب المصري بتوقيع تعاقد على إتاحة الفرصة لشركة "نوبل إنرجي" في استخدام محطات الإسالة وخطوط الغاز، وذلك وفقا لما أوضحته مصادر بالبترول".

مرة أخرى.. حطت طائرة الوفد الإسرائيلي على الأراضي المصرية نهاية الشهر الماضي، واجتمع مع قيادات وزارة البترول وبعض الشركات الخاصة المصرية الراغبة في استيراد الغاز من تل أبيب، وحاول الوفد إثناء مصر عن موقفها إلا أن الأمر باء بالفشل.

رد اعتبار مصر
وكشفت مصادر خاصة بالبترول، حقيقة رفض الحكومة مبادرة إسرائيل في تخفيض الغرامة المرفوعة على الدولة من ٧.١ مليارات دولار إلى ٥٠٠ مليون دولار، حيث سبق التأكيد على الوفد الإسرائيلي أثناء جلساته مع الحكومة بأن مصر مستعدة للتعاون التجاري مع تل أبيب، شرط التنازل عن الغرامة نهائيا بخطابات بنكية وليس جزئيا ورد اعتبار مصر أمام الرأي العالم جميعا بالتنازل عن قضايا التحكيم الدولي الصادرة ضد مصر عقب وقف تصدير الغاز في ثورة يناير ٢٠١١، لكن تلك الشروط تم رفضها من جانب الوفد الإسرائيلي بحجة أنها مجحفة.

وفقا لمصادر بشركة إيجاس، تحدثت إليها "فيتو"، يتضح أنه لا حل أمام إسرائيل سوى التنازل عن قضايا التحكيم الدولي المرفوعة ضد مصر، وإلغاء الغرامات بشكل كلي والتي تبلغ ٧.١ مليارات دولار، خاصة أن القاهرة أصبحت تمتلك أوراق ضغط على إسرائيل ستجبرها في يوم ما بالموافقة على شروطها.

أوراق ضغط مصرية
وعن طبيعة أوراق الضغط تلك، قالت المصادر: منها الزيارات السرية الخمس التي قام بها المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية إلى قبرص خلال الشهرين، والتي انتهت بتوقيع تعاقد يؤهل قبرص لاستخدام محطات الإسالة المصرية وخطوط الغاز والبنية التحتية لنقل الغاز إلى أوروبا مقابل دفع ٤ إلى ٥ دولارات على كل مليون وحدة حرارية للحكومة المصرية، وهو أمر وضع إسرائيل في مقتل.

والمفاجأة هنا تشكيل تحالف قوي بين مصر وقبرص سيعلن خلال أشهر قليلة مقبلة، ويتضمن توقيع عدة مشروعات ومنها إنشاء خطوط غاز جديدة مشتركة بين الدولتين، لكي تستطيع الدولة فيما بعد تصدير الغاز إلى الخارج عبر خط قبرص، وذلك بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، ويبلغ تكلفة هذا المشروع بنحو ٢ مليار دولار كحد أدنى.

يذكر أن قبرص تمتلك حقل "أفروديت" ويبلغ احتياطياته بنحو ٨ تريليونات قدم مكعب غاز، وذلك في مناطق الامتياز داخل حدودها البحرية والتي تبلغ ١٢ قطاعا.

إسرائيل تحتاج لمصر
المصادر ذاتها شدد أيضا على أن إسرائيل أصبحت في أشد الحاجة إلى الجانب المصري، فالأخير يمتلك أكبر حقل غازي في المتوسط وهو حقل "ظهر" باحتياطيات ٣٠ تريليون قدم مكعب وشبكات خطوط، وفي المقابل لا تمتلك إسرائيل بنية تحتية وشبكات خطوط غاز بحرية ومحطات إسالة رغم امتلاكها حقول غازية باحتياطيات كبيرة وهو أمر يعرضها في النهاية لخسائر فادحة تصل إلى ٣٠٠ مليار دولار في حالة عدم إيجاد بدائل لتسييل الغاز الخاص بها من حالته السائلة إلى الغازية وتصديره للخارج.

كما يشار إلى أن إسرائيل تمتلك أكبر حقلين للغاز في شرق البحر المتوسط داخل حدودها الساحلية، الأول "تمار" أكبر حقل غازى يقع في شرق البحر المتوسط باحتياطيات تفوق ٢٢ تريليون قدم مكعب، والحقل الثاني أفروديت يبعد 190 كيلومترًا عن شمال دمياط، و235 كيلومترا من حيفا وتقدر احتياطياته بنحو 18 تريليون قدم مكعبة "520 مليار متر مكعب".

وتمتلك شركة "نوبل إينرجي" المستثمر الرئيسي في إسرائيل حصة 39.66% في حقلي ليفياثان وتمار، بينما تملك شركتا "ديليك دريلينج" و"إفنر أويل إكسبلوريشين" نسبة 22.67% لكل منهما، وتمتلك شركة "راتيو أويل إكسبلوريشن" نسبة الـ15% المتبقية.

ورطة إسرائيل
وأكدت المصادر أن الغاز لا يحتمل التأخير، حيث إن تخزينه بكميات كبيرة يؤدي إلى إفساده، وبالتالي تصبح إسرائيل في ورطة لعدم امتلاكها خطوط غاز بحرية مثل مصر، مؤكدة صعوبة إنشاء تل أبيب خطوط نقل الغاز ومحطات إسالة لديها لعدة أسباب أولها تكاليفها الباهظة، حيث إن امتداد خط من موقع حقولها إلى أوروبا وشرق آسيا يحتاج لأكثر من ١٣ مليار دولار بجانب تكلفة محطات الإسالة، والتي تصل تكلفتها الإجمالية إلى أكثر من ١٠٠ مليار دولار، وبخلاف ذلك أن هذه المشروعات تستغرق فترة كبيرة للانتهاء من تنفيذها.

وأرسلت الحكومة خطابات إلى الشركات الخاصة غير المملوكة للبترول والراغبة في استيراد الغاز الإسرائيلي وضخه إلى السوق المحلية، تؤكد فيها أنه لا تعاقد مع إسرائيل في ظل وجود نزاع تجاري بينها، ووفقا لمصادر بالبترول بأن الحكومة أوقفت الطلبات المقدمة من الشركات الخاصة لاستيراد الغاز الإسرائيلي لحين موافقة إسرائيل على شروط مصر ألا وهي التنازل عن الغرامات وحل قضايا التحكيم.

ومن أسباب رغبة الشركات الخاصة في استيراد الغاز الإسرائيلي، قرب المسافات، حيث سيتم نقله عبر خطوط الغاز بسيناء ومنها إلى الشبكة القومية وهو أمر سيقلل التكاليف على أصحاب الشركات الخاصة بعكس استيراده من دول أخرى بعيدة بتكاليف أعلى. 

ووضع قانون تنظيم سوق الغاز في مصر، الذي صدق عليه الرئيس في الأسابيع الماضية، في اعتباره معاقبة كل من يخالف شروطه وبنوده فيما يتعلق بالسماح للشركات الخاصة باستيراد الغاز الإسرائيلي، حيث أكد أنه لا تعاقد إلا بتنازل إسرائيل عن قضايا التحكيم.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية