رئيس التحرير
عصام كامل

المثقفون والنخبة!


قرأت حوارًا صحفيًا مطولا للدكتور جابر عصفور، المثقف والمفكر المعروف ووزير الثقافة الأسبق، أدلى به لموقع جريدة التحرير الإلكتروني.. الجانب الأكبر من حوار الدكتور عصفور كان على الأزهر الشريف وعلى الخطايا التي ارتكبها ويرتكبها الأزهر في حق المجتمع المصري والبشرية جمعاء! حمل الدكتور عصفور الأزهر الشريف كامل المسئولية عن تفشي ظاهرة العنف والإرهاب، وبلغت حدة الهجوم على الأزهر حين قال الدكتور عصفور إن جماعة الإخوان تسيطر على الأزهر الشريف، وبالطبع طال هجوم الدكتور عصفور شخص الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، الذي وصفه بأنه يميل إلى التوازنات وليست لديه الجدية المطلوبة الكاملة لتجديد الخطاب الديني.


وعدد الدكتور عصفور المظاهر التي يراها مؤيدة لوجهة نظره في اتهام الأزهر بالجمود والتشدد، ومن هذه المظاهر فتوى جواز نكاح الزوج لزوجته المتوفية وعدم قبول الأزهر بالطلاق الشفوي، ورفض الأزهر قرار الرئيس التونسي بالسماح للمسلمة الزواج من غير المسلم!

الحقيقة إنني صدمت من تلك المحددات التي ينطلق منها الدكتور عصفور في توصيف الحالة التي يعيشها المجتمع المصري في هذه المرحلة، أسباب صدمتي راجعة في الأساس إلى أن مفكرا ومثقفا بحجم الدكتور عصفور، كما يوصف ويعرف، ضمن مجتمع النخبة لا يرى إلا شيئا واحدا هو سبب كل ما نعانيه من مشكلات وفي مقدمتها شيوع فكر التطرف والإرهاب، وهو الأزهر الشريف!

ورغم أن الكثير من الآراء والأوصاف التي قال بها الدكتور عصفور في حق الأزهر الشريف وشيخه يرد عليها بالكثير من التصحيحات والتصويبات، فإنني لا أهدف مطلقًا إلى الدفاع عن الأزهر الشريف وسوق الحجج التي ترد على الدكتور عصفور، وأشير إلى أن الدفاع عن الأزهر رغم أنه أمر مطلوب ومهم، فإنني أتجاوز عن ذلك لأسجل وبكل ارتياح أن الدكتور عصفور وغالبية من يحسبون أنفسهم، أو يحسب الآخرون، على النخبة المثقفة، هم سبب البلاء والركود والجمود والتخلف الفكري الذي يعانيه مجتمعنا، وأدى بنا إلى انتشار فكر التطرف والإرهاب!

أظن أيضًا أن أولئك المثقفين، ومنهم الدكتور عصفور، اكتفوا بالجلوس أمام وسائل الإعلام المختلفة، مستمسكين بتنظيرات لا يتقبلها سواهم فقط، وأتحدى أن أيًا من أولئك أن يواجه أي جمع من الناس في أي ميدان من ميادين مصر في الريف أو الحضر، بالأفكار والتنظيرات التي يقولون بها وعلى رأسها، الدولة المدنية!

أن أولئك المثقفين المعدودين ضمن النخبة، فقدوا البوصلة التي تمكنهم من محاكاة الرأي العام، الذي يعاني أغلبيته من أمية ثقافية ودينية، ولا يدركون أن غالبية الناس في بلدنا، ونتيجة أسباب كثيرة يربطون أو يفهمون لفظ الدولة الدينية أو العلمانية، على أنها كافرة خارجة على الإيمان بالله -هذا ما يدركه غالبية الناس- وربما كانت الجماعات الدينية المتشددة فكرًا وسلوكًا هي من رسخت في فكر الناس البسطاء هذه التعريفات، وأظن أن هذه الجماعات استغلت ميل الناس إلى الدين وسوقت أفكارها غير السوية، ونجحت إلى حد كبير في تحجيم وحصر النخبة المثقفة التي تقول بأهمية أن تكون الدولة مدنية أو علمانية.. أقول نجحت هذه الجماعات في الوصول إلى اجتذاب الكثير من الناس، بينما النخبة المثقفة متقوقعة منغلقة على أفكارها المعلبة، التي لا تراعي مدارك الرأي العام والسبل الأوفق لاجتذاب الناس لمساندة أفكارهم وآرائهم!

وبالمناسبة.. لم يتعرض الدكتور عصفور في حواره المطول إلى النخبة وما يمكن أن يوجه إليها من نقد أو تقصير في عدم وجود ظهير واسع من الناس يساند أفكارها أو يتقبل ما تطرحه من آراء، لم يكن الدكتور عصفور مستعدًا خلال الحوار الصحفي لكي يقدم انتقادًا للذات باعتباره أحد رموز النخبة المثقفة، أو يبدي استعدادًا باسم هذه النخبة لأن يقدم مراجعة للنفس وللأخطاء وربما التقصير الذي ارتكبته وترتكبه هذه النخبة في حق الرأي العام، الذي أظن أن له الحق في أن تكون لديه نخبة مثقفة تقوده لاعتناق الفكر القويم السليم من أجل غد أفضل، تتصاعد خلاله الفعاليات المجتمعية للتخلص من التخلف والرجعية التي تكبل مسيرة التطور والتقدم.

لم يعترف الدكتور عصفور بأنه وكأحد رموز النخبة المثقفة، أسهم في التجريف الفكري الذي أصاب مجتمعنا وكان من أسباب التخلف الذي أصبحنا وفيه، فقد كان الدكتور عصفور ولمدة عقد كامل أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة في عهد مبارك، منفذًا لسياسات التدجين والاحتواء التي قررها ذلك النظام بفكر وتوجيه وزير الثقافة الذي استمر لمدة ربع قرن في مقعده الوزاري، ولم يكن يشغله إلا تحديد ثمن لكل فرد من أفراد النخبة، وكانت الأثمان تعطي في صورة جوائز مشمولة بمقابل مادي أو بالانتداب في وظائف وزارة الثقافة أو بالاستضافة في رحلات ترفيهية على نفقة وزارة الثقافة أو الهيئات التابعة لها..

كل هذا التجريف كان يتم والدكتور عصفور يشغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وكان هذا المجلس وأمينه العام إحدى أهم أدوات شراء وتأميم الفكر والوجدان، ما تسبب في الحالة التي نحن عليها الآن.. وعندما نتأمل ما حدث من تجريف في المجال الفكري والثقافي خلال عهد مبارك، نجد أن ذات الحالة تعرضت لها كل قطاعات المجتمع ما أنتج مجتمعًا فاقدًا الفاعلية في كل المجالات كما نرى من حولنا!
الجريدة الرسمية