المواجهة والممانعة في حرب ارتفاع الأسعار !
زمان كان عدم الإعلان عن سعر سلعة معروضة للبيع يشكل قضية أمن دولة تنظرها المحكمة سريعا ويعاقب صاحبها بالحبس أو الغرامة حتى وإن كانت غير مسعرة تسعيرا جبريا، وكان المشتري يستطيع مقارنة سعر السلعة بين بائع وآخر ويأخذ قرار الشراء، وكان هذا الوضع يقلل من جشع التجار لأنهم يعلمون أن هناك رقابة وحملات تموينية في أي وقت يمكنها حسابهم بالقانون، وكان تحريك الأسعار في أضيق الحدود !
الآن وبعد الدخول في اقتصاد السوق بلا ضوابط تراعي البعد الاجتماعي.. فعلا لا قولا أصبح كل تاجر أو بائع يفعل ما يحلو له ليزيد أرباحه قدر المستطاع وسقط المستهلك تحت سنابك خيل الجشع والابتزاز وضعف الرقابة أو غيابها فكسرت عظامه وأفقدته القدرة على الفعل فصار بين (نارين) نار الحاجة ونار قلة الدخل والحيلة !
الحرب ضد جشع التجار ومواجهة ارتفاع الأسعار شرسة وتحتاج تكاتف من الجميع.. وزارة ورقابة ومستهلك، وربما تكون الخطوة الأخيرة التي قررتها وزارة التموين جاءت متأخرة.. لكن أن تأتي متأخرة خير من ألا تأتي نهائيا حيث ألزمت وزارة التموين جميع الجهات والشركات المنتجة والمستوردة لمنتجات يجري تعبئتها محليا بوضع سعر البيع للمستهلك على كل عبوة باللغة العربية.. كما يشمل القرار أيضا الشركات المصنعة والمعبئة والموردة للسلع الغذائية.. وبخط واضح غير قابل للمحو اعتبارا من أول يناير القادم، ومنحت المنتجين والمستوردين مهلة تنتهي آخر ديسمبر القادم للتنفيذ مع الإعلان للمستهلك عن الأسعار على واجهة المحال ومكان العرض حتى انتهاء المهلة وضبط الكميات المخالفة ومصادرتها طبقا للقانون.
القرار أحدث ردود فعل واسعة بين أصحاب المصالح من التجار الكبار والمستوردين الذين يتحكمون في السوق ويمسكون بدفة تحديد الأسعار وارتفاعها بلا مبرر منطقي أو ضوابط، وحسب مصادر باتحاد الغرف (اتحاد المصالح الخاصة) أن القرار خلق جبهة ممانعة قوية لتنفيذ القرار بدعوي أنه سيحمل المنتج والمستورد تكاليف زائدة للبضاعة في ضوء تفاوت تكلفة النقل من منطقة إلى أخرى وصعوبة تحديد سعر موحد للسلعة.
جبهة الممانعة ستجد ألف طريقة للالتفاف حول القرار وتحديد أسعار غير حقيقية لتتجنب أي نقص في الأرباح خصوصا وأنها تعتمد على تصريحات وزير التموين ورئيس جهاز حماية المستهلك ورئيس اتحاد الغرف التجارية الذين أكدوا على حق المنتجين والتجار والمستوردين في تحديد الأسعار وفقا لآليات السوق والعرض والطلب، وأن حماية المستهلك لا تنفصل عن حمايتهم..
خطوة إعلان الأسعار على السلع تبدو جيدة لو تبعتها خطوات أخرى خاصة بالرقابة والمحاسبة، وخاصة بتحديد هامش للربح لا يتجاوز قدرة المستهلك الشرائية، ونسبة التضخم !
هل ينجح وزير التموين في علاج التشوهات التي تتسع مساحتها كل يوم في الأسعار؟ وهل يستطيع كسر حلقات التداول العشوائية والصورية التي ترفع أسعار السلع بشكل مبالغ فيه وغير حقيقي؟ وهل في ظل قانون السوق الذي لا يراعي البعد الاجتماعي تستطيع الوزارة التأكد أو مراجعة سعر أي سلعة محلية أو مستوردة قبل كتابة السعر عليها؟
أسئلة كثيرة تحتاج إجابات واضحة ومحددة في ظل سوق عشوائي تحكمه قوانين غير مكتوبة وضعها أصحاب السوق على هواهم، وفي ظل ضعف قدرة الدولة على المواجهة أو التدخل في معادلة الأسعار التي تسحق المواطن بلا رحمة وبلا سابق إنذار، وفي ظل حكومة أدمنت الجباية والموافقة على ما يقرره كبار التجار !
تري هل تنتصر وزارة التموين في معركتها مع جبهة الممانعة والمصالح، ولا يتحول القرار إلى مجرد شكليات ومنصة لإطلاق التصريحات وتكتفي الوزارة بأنها عملت ما عليها؟ دعونا ننتظر ونري ونحكم !