محمد غنيم يكتب: المثلية الجنسية بميزان الإنسانية
بالأمس رأيت علم الرينبو الخاص بالمثليين يتم رفعه بحفلة للمطرب حامد سنو المعروف بميوله الشاذة والتي أقيمت على أرض مصر، وشعرت كغيري بأن هناك انطلاقة جديدة وصرخة يطلقها العابرون جنسيا ليقولوا للمجتمع نحن هنا، وبعيدا عن توجيه التساؤلات حول كيف قام هذا الحفل داخل بلد إسلامي بالدستور وعربي بالجغرافيا ومتدين بطبعه تاريخيا، ومن سمح بهذا، إلا أنني لم أعد أندهش من رؤية تلك الأشياء ولكني أردت أن أتوجه بكلماتي لهؤلاء الشباب والأطفال، ولمن شاهدوا هذا المشهد واشمأزت منه أبدانهم.
بدايةً، ليس لنا من حياتنا التي وهبها الله لنا إلا ما أراد الله وفق قدرته أو وفق ما أعطانا من قدرة مرهونة بمشيئته، فالقدرة على الفعل هي منحة من الخالق للبشر محكومة بعلم الله السابق في تصرف الإنسان بتلك القدرة ومسئوليته التي ستستوجب الجزاء.
عندما يتحدث البعض عن المثلية الجنسية تتبادر إلى أذهانهم قصة قوم لوط وإتيان الرجال شهوة من دون النساء، ذلك أن قوم لوط كان أول من سبق إلى هذا الفعل من العالمين، ولكن لا يلتفت سوادهم إلى أن هؤلاء القوم كانوا مشركين بالله ويقطعون الطريق ويأتون الفواحش ويفعلون المنكرات، فلما أتاهم العذاب كان عقابا لجملة هذه الجرائم والتي من ضمنها إتيان الرجال شهوة، لذلك فلا يجب النظر إلى المثلية الجنسية على أنها كفر بالله أو جريمة تستوجب العقاب والردع المباشر، وإنما يفترض النظرة إلى الأمر بإنسانية ورأفة ببعض البشر.
كما لا أريد الخوض في هذا السياق باعتبار أني أكتب عن فئة مريضة مختلة نفسيا، وإنما أصحاب العقول ممن يدافعون عن حقهم في الميل لمثيلهم مدعين بأن هذا الفعل غريزة وحرية، محاولا التفكير بما يفكرون به واقتحام غمار نفوسهم ومشاعرهم.
هل المثلية الجنسية هي حق لمن يريدها يجب على المجتمع إقراره عليها، والاحتفاء بشاب يحب شابا وفتاة تحب مثيلتها حبا يتجاوز حدود العلاقات القوية الطيبة إلى علاقات معقدة تقوم على المعاشرة الجنسية وتبادل العاطفة الشعورية كما في علاقات الحب بين الرجل والمرأة؟، هل تلك المشاعر هي حق طبيعي يترك لها الإنسان عنانه، أم يجب على المجتمع نبذ هذا السلوك، ويجب على الإنسان أن يتلقى علاجا نفسيا وعضويا إن استلزم الأمر للعودة إلى فطرته السليمة؟!
هل يستطيع عقلك استيعاب فكرة أن أخيك قد تزوج من أمك لتكون أخا وعمًّا لنفس الشخص، أو أن أبيك يعاشر أختك جنسيا، هل ستوافق على أنهم يفعلون ذلك لتبادلهم مشاعر الحب والعاطفة والاحتياج؟، كذلك فلا تعاتب من لا يستوعب فكرة قبولك وتواجدك بمجتمعه، ولا تتهمني بممارسة التفلسف تجاهك فإني أستخدم الحرية التي تنادي بها دوما لممارسة ما تميل إليه.
انتشرت بين الشباب والبنات مؤخرا وبشكل ملحوظ على وسائل التواصل، أفكار تهدم بنيان الإنسان السوي ومعتقدات أصحاب الدين، وتأخذ إلى بحور شك لا قرار لها ولا شطآن؛ لتترك صاحبها غريقا في قاع الرغبات ووحل الشهوات وزيغ الشبهات الهدامة.
رأيت شبابا وبنات يتجاهرون بمثليتهم الجنسية، ويتفقون في طرق التعبير عنها بأساليب العدائية للمجتمع المريض المتحجر المتخلف الرجعي الشهواني المتحرش بالمرأة، ويتعاملون مع أصحاب الدين بمنطق أخرجوا آل لوط من قريتكم، ويتهمون كل من حاول الرد عليهم وإقناعهم بإنسانيتهم السوية بأنه غير سوي جنسيا أو الشهوانية في نظرته للمرأة، فيلجأون إلى تلك الحيلة الدفاعية المتعارف عليها في علم النفس بمصطلح "الإسقاط" ليصبح المجتمع هو المريض الحقيقي بنظرهم.
بتلك النظرة التي يمارسونها ضد من يخالفونهم، ينزعون فكرة الحرية التي ينتهجونها في التبرير لفعلتهم، فأي كلام عن حرية يشمئزون منها إذا مورست ضدهم، فالحرية لا تتجزأ ولا تنفصل عن فكرة المسئولية التي تجعل من الإنسان العاقل متحكما في رغباته وتصرفاته وشطحات أفكاره ومخيلاته، وإلا فما قيمة الجنة والنار والحساب بالآخرة، وهل وُضع الجزاء إلا عندما اتصلت أفعال الإنسان بالمسئولية ؟!
في مستنقع البشر يقبع الآلاف بل الملايين، ينزعون عنهم لباس العقل والاعتقاد، تراهم بشواطئ العراة ويمتهنون الإباحية وممارسة السادية والشذوذ والانحراف عن الأصل والفطرة التي خلق الله الناس عليها.
وبالنهاية فإن المثلية التي أصِبتَ بها لأي سبب كان سواء نفسيا أو عضويا، وما اعتنقتَه من أفكار وقناعات هي ليست مقياسا لغيرك، فأنت مقياس نفسك فقط، فلا تحكم بمقياس نفسك - التي قد تكون مريضة - على الإنسانية من حولك، فهذا ليس المسار الصحيح لأفكارك، وإنما مسارك الصحيح مكانه الطب العضوي أو النفسي والمراجعة الدينية والأخلاقية للتخلص من جلد الذات والنظرة العدائية للمجتمع، ولتصبح إنسانا يوزن بميزان الإنسانية كما تطلب من الناس أن يعاملوك كإنسان لك الحق في فعل ما تريد.