رئيس التحرير
عصام كامل

محمد حسنين هيكل يكتب: هكذا كانت البداية

فيتو

في كتابه (بين الصحافة والسياسة) يحكي الراحل محمد حسنين هيكل (ولد في مثل هذا اليوم عام 1923) قصة مشواره مع الصحافة فيقول:

في وسط المناخ العالمي الذي كان سائدا منذ الاحتلال البريطاني ومعاهدة 1936 لم أكن بالطبع بعيدا عن المجموع، وفي هذا المناخ العالمي والوطني والإنساني دخلت أخبار اليوم لأول مرة عام 1946، فلم أكن موجودًا حين أنشأها الأستاذان مصطفى وعلي أمين، ولم أكن منتميًّا إلى المدرسة الصحفية التي ظهرت مع إنشائها.


كنت قادما إليها من خلفية مغايرة وتجربة مختلفة، وتمثلت هذه الخلفية عام 1943 ـــ 1944 في جريدة الإجيبشيان جازيت أكبر الصحف الأجنبية وقد أتاحت لي فرصة التدريب بعد محاضرة عن عناصر الخبر استمعت فيها إلى خبرة محررها سكوت واطسون الذي انبهرت به، دعانا بعد المحاضرة إلى زيارته في مكتبه بالإجيبشيان جازيت وذهبنا إليه نحن الأربعة الذين استمعنا إلى محاضرته.

وهكذا وجدت نفسي لأول مرة في جو الصحافة العملية بين رجلين كانا لهما تأثير على نشأتي الصحفية الأولى هما سكوت واطسون وكان صحفيا كلاسيكيا وكان مثقفا يساريا، والثاني هارولد ايرل رئيس تحرير الجازيت.

بدأ مساعد مخبر صحفي في قسم الحوادث لمدة عام، وبمحض الصدفة دخلت مكتب هارولد رئيس التحرير لشأن من شئون عملي، وكان عنده زائر قدمه لي "محمد التابعي رئيس تحرير مجلة آخر ساعة".

بدا لي أن التابعي قد تابع بعض نشاطي وأن هارولد حدثه عني، وكان التابعي رقيقا معي ومجاملا لدرجة أنه اتصل بي في اليوم التالي يدعوني إلى لقاء معه.

ذهبت اليه وسألني كيف أرى مستقبلي؟ وكان السؤال مفاجأة، وكان من رأيه أنه مهما طال الوقت في المستقبل في الجازيت محصور وضيق وأنها ستنتهي بعد انتهاء الحرب وأن الصحفي المصري مجاله الصحافة الناطقة بالعربية.

وهكذا انتقلت من الجازيت إلى آخر ساعة ولم يكن الانتقال سهلا فقد رأى هارولد أن الجريمة أن الجريمة والحرب هما مكان التكوين الأصلح للصحفي أما التابعي فكان يرى أن المسرح والبرلمان هما المجال الأنسب والأوفق.

ولبضعة أسابيع وجدت نفسي بين كواليس مسارح القاهرة ثم في شرفة مجلس النواب وقد أتاح لي مقعد آخر ساعة في شرفة المجلس أن اقترب من أجواء السياسة المصرية. 

كانت تجربة العمل مع التابعي ممتعة، تعلمت منه الكثير، وبحكم طبيعة المصادر وجدت نفسي أقرب إلى الوفد الذي خرج من الحكم في أكتوبر 1944.

وصدرت أخبار اليوم بعد إقالة النحاس بسلسلة مقالات كتبها مصطفى أمين تحت عنوان (لماذا ساءت العلاقات بين القصر والوفد) ومزيد من الأسرار والحكايات التي جذبت القارئ إليها كل يوم سبت.

وفشلت تجربة التابعي لتطوير آخر ساعة فقرر في نوبة ملل إلى بيع المجلة إلى أخبار اليوم وقال لي إنهم يريدون أن أعمل معهم وأكتب مقالا أسبوعيا في أخبار اليوم وأنهم يطلبوني أيضا لأعمل معهم ومعي صاروخان.

وقابلني علي أمين فاتحا ذراعيه قائلا: مكانك الحقيقي في أخبار اليوم.
الجريدة الرسمية