بالفيديو.. «حراجي القط» يروي رحلة بناء السد العالي
"انتوا عايزين تعرفوا حراجى القط فين".. جملة لاحقتنا بها فتاة صغيرة، في رحلة بحثنا عن "بناة السد"، قالت: "أنا اسمى مريم.. وحراجى ده جدى ثابت مبارك"، لحظات قليلة زال بعدها تأثير المفاجأة، لتكمل "مريم" موجهة حديثها إلينا:"استنوا حروح أجيبه من المسجد عشان راح يصلي".
دقائق قليلة مرت.. ظهرت بعدها الصغيرة مريم وبجوارها رجل عجوز، هيئته تكشف سنه، غير أن نظرة واحدة إلى وجهه تؤكد أنه رجل لا يعرف الهزيمة، فرغم عذابات "الفشل الكلوى" الذي يعانى منه إلا أنه لا يزال يواظب على عيش حياته كما يريد، وليس كما تريد، وفور مشاهدته لنا رحب بنا وأدخلنا إلى غرفة في منزله، وظل ينادي على أبنائه وأحفاده كي يشاركوه فرحة أن هناك أحدا تذكره بعد رحيل أيام السد العالي، طالبا منهم إحضار شهادة تقدير وتكريم الرئيس جمال عبدالناصر، والفرحة عندما شاهد توقيعه عليها، وهو يقول: "اتصور مع أجمل تكريم في حياتي.. وبعدها يابنتي هحكى كل حاجة".
دبلوم السد العالي
بعد التقاط عدة صور لـ"الحاج ثابت" مع شهادة التكريم، أمسك بيديه طرف خيط الحديث، وقال: عرفت بمشروع بناء السد العالي من خلال أبناء عمومتي، ومنذ اللحظة الأولى في مكتب التجنيد عقب تسليم أوراقي خرجت إلى أسوان مباشرة، وكنت وقتها وما زلت حتى الآن أعمل بالزراعة، والتحقت بالدفعة الثانية بمدرسة السد العالي، وحصلت على دبلوم وقتها كان يسمي دبلوم السد العالي، وانتابتني فرحة عارمة بعد حصولي على الشهادة التي ستلحقني بالعمل في السد، وفي البداية عملت "عتال" وفي عام 1964 عملت مساعد وناش، وجاء عام 1964 لأعمل "وناش"، وامتدت سنوات عملى هناك إلى 8 سنوات، أتذكر، بل أحفظ، تفاصيل أيامها كلها.
وتابع: عقب انتهاء مدتي بالسد، سلمت إلى الوحدة العسكرية في عام 1969، وأتممت في الخدمة نحو 6 سنوات ونصف السنة، ووقتها خضت مع الجيش المصري حروبه، وكل ما مررت به لم يجعلني أتراجع يومًا عن خدمة وطني.
وفي عام 1965، قرر "ثابت" الزواج، وعن الأيام تلك قال: رغم الزواج إلا إنني كنت اعمل كأي عامل في المشروع، خاصة أن العمل كان هناك حربيا، وحتى المستشفيات عسكرية كانت في هذا الوقت ولا مجال للكسل أو التراخي نهائيًا، وكنت أحصل على إجازة كل شهرين أسبوع أو 5 أيام فقط لرؤية أسرتى.
لقاء مع الرئيس
وعن اللقاءات التي جمعته والرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قال: في المرة الأولى وقفت أنظر إليه وأصفق مثلي كبقية العمال، وكنا ننظر إليه محلقين في الفضاء والعيون السوداء تحدق بهذا الرجل المضئ حتى إن بعضنا لم يكن يقوى على النظر إليه.
ضحكة صافية، قطعت خيط الذكريات، خرجت من "الحاج ثابت"، أكمل بعدها: "وجدت الرئيس عبدالناصر وهو يرتدي الحذاء الكبير وينزل إلى الأنفاق ونشاهده كما نشاهد أنفسنا ويسلم علينا بيده، ويطبب علينا وهو يقول "شدوا حيلكم يا رجالة "، وشاهدته 6 مرات خلال سنوات عملى في السد العالى.
وقال: كنت احصل على 9 جنيهات في الشهر، ووقتها كيلو اللحمة كان بـ35 قرشا، وكنت اشتري بالجنيه لحمة وخضار وفاكهة وكل شيء.
الموت.. كان حاضرًا في الحديث مع "الحاج ثابت"، وقال: كانت هناك ألغام لا تنفجر، والعمال كانوا يظنون أنها لن تنفجر، وللأسف عندما كان العمال يذهبون إلى وردياتهم كانت الألغام تنفجر، وهوما خلف العديد من الضحايا ما بين جرحي وقتلي، ورغم مشاهداتنا لعشرات الجثث والضحايا، لم نهب الموت مطلقًا، فنحن في النهاية سنموت مهما اختلفت طريقة الموت.
اللحظة الأخيرة.. هي الأخرى كانت حاضرة، لحظة خروج المياه، شق الجبل، لحظة انتهاء مشروع السد العالى، تلك اللحظة قال عنها: "العمال اللى اشتغلوا في السد نسيوا المعاناة والمشاهد المؤلمة أول ما المية ظهرت من بطن الجبل، وعندما أطلق الرئيس جمال عبدالناصر إشارة البدء لهذا الميلاد الجديد، انطلقت الزغاريد من كل ناحية وصوب، وهلل الجميع تصفيقًا وبدأنا نعود إلى ثكناتنا من جديد ننتظر حلما آخر.
وأكمل: الرئيس عبدالفتاح السيسي أضاء قلوبنا من جديد، عندما بدأ الإعلان عن مشروع قناة السويس الجديد، وما فعله في 3 سنوات لم يتم فعله في 30 سنة، ومشروع القناة أنجزه في عام وفي الماضي كان يتم تنفيذه في سنوات، وهذا بفضل المعدات والآلات الحديثة التي تم استخدامها.
لحظة التكريم
"الحاج ثابت" اختتم حديثه، باللحظة الأهم في حياته، لحظة التكريم، التي قال عنها: أتذكر هذا الأمر جيدًا عندما حصلنا على التكريم وشهادة التقدير وميدالية نحاسية واخري فضية وخطاب يطالبني باختيار مكان عملي الجديد بعد إنهاء سنوات العمل بالسد وإنهاء حروب الجيش المصري في عام 1973.