مشروع المليون ونصف المليون فدان.. وحلم الشباب
خروج مصر من أزمتها الاقتصادية الراهنة يحتاج بالفعل إلى مشروعات كبيرة تشارك فيها الدولة والقطاع الخاص، يكون من أهم أهدافها تعزيز المنتج المحلي في كل المجلات، خاصة في مجال السلع الغذائية التي نستهلكها نستورد منها 60% تقريبًا.
وجاءت فكرة مشروع استصلاح وزراعة المليون ونصف المليون فدان كأحد أهم المشروعات التي تهدف إلى سد الفجوة الغذائية التي تعاني منها مصر بشكل غير مسبوق.
والفكرة من حيث المبدأ جيدة للغاية لأنها وفق المخطط لها ستخلق مجتمعات عمرانية جديدة بعيدا عن الوادي والدلتا، وبالتالي خلق فرص عمل جديدة أيضا، وإضافة رقعة أرض زراعية تسمح تضخ منتجات وسلع غذائية تسهم في تلبية احتياجات المصريين الذين قاربوا من الـ 100 مليون نسمة.
واهتم الرئيس شخصيا بالمشروع، وتم إنشاء شركة منذ ما يقرب من عامين لإدارة وتنفيذ المشروع على أرض الواقع باسم شركة تنمية الريف المصري الجديد، وكما يبدو من الاسم أن هدفها خلق ريف مصري جديد، وبالفعل بدأت الشركة في طرح كراسات لمن يرغب في الاشتراك بالمشروع من الشباب وصغار المزارعين منذ أكثر من عام، وتضمنت الكراسة مجموعة من الشروط والضوابط منها تكوين مجموعات لا تقل عن 10 أفراد ولا تزيد على 23، وأن إجمالي المساحة التي سيحصلون عليها ستكون في حدود 238 فدانا، وعليهم تكوين شركة في حال تم تخصيص الأرض لهم عن طريق القرعة.
وتضمنت كراسة الشروط أيضا في البند السابع منها أن من لم يحالفه الحظ في القرعة الأولى سيحصل على أرض بدون الدخول في قرعة في الطرح الثاني والثالث باعتبار أن كل طرح يمثل 500 ألف فدان.
وهنا الأمر واضح تمامًا أن من ستنطبق عليه الشروط سيأخذ أرض خلال الثلاث مراحل، وترتب على ذلك قيام غالبية المشتركين بتدبير المبالغ المالية المطلوبة، ومنهم من باع منزله وآخر باع أرض له، وكثيرون باعوا سياراتهم أملا في تملك الأرض الجديدة، وثقة في حديث الحكومة الوارد بكراسة الشروط.
وجاءت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد وهي عدم التزام الشركة بكراسة الشروط بحجة أن الإقبال كان فوق المتوقع، وأنه لا يوجد أرض تكفي لعدد المتقدمين.
الغريب أيضًا أن الشركة أعلنت عن قرب طرح أرض جديدة بمنطقة غرب المنيا بشروط جديدة غير متضمنة أحقية من لم يصبهم الدور بالقرعة السابقة في الحصول على أرض بدون قرعة، بالمخالفة لكراسة الشروط، أو على أقل تقدير عدم قبول متقدمين جدد إلا بعد الانتهاء من تسليم من تنطبق عليهم الشروط في المرحلة الأولى.
ليس هذا وحسب، بل كشفت الشركة عن توقيع عقود بيع أرض للمستثمرين الكبار بلغت في منطقة الفرافرة وحدها 100 ألف فدان لشركة واحدة، بجانب بيع آلاف الأفدنة لشركات أخرى بمناطق المشروع المختلفة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وجدنا الشركة تعلن مؤخرًا عن وجود تفاوض مع شركة صينية لشراء 100 ألف فدان أخرى، مما يعني أن الأرض موجودة ومتوفرة، ولا توجد ندرة بالأراضي كما تدعي الشركة.
الأهم أن منطق وحديث الشركة يتناقض أيضًا مع السياسة المعلنة للدولة التي تستهدف استصلاح وزراعة 4 ملايين فدان، بجانب أن هذا الوضع الغريب وغير المفهوم يتناقض أيضًا مع ما أعلنه رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة حول الهدف من المشروع، وتبنيه بشكل واضح دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
ويبقى تأكيد أهمية وجود مستثمرين كبار للاقتصاد القومي بشكل عام، لكن الأهم هو التزام الحكومة بتعهداتها الواردة بكراسة شروط المشروع، ومنح الفرصة للشباب وصغار المزارعين.