« حكومة الخديو إسماعيل».. «خناقة» بين الوزراء على «بيع سندات جديدة».. وتحذيرات من وصول الدين الخارجي لـ100 مليار دولار.. «المالية» تجمع 800 مليار جنيه الضرائب..
«تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى».. تعبير قرآنى يلخص ما يجرى في كواليس حكومة المهندس شريف إسماعيل، تلك الحكومة التي لا تعرف طريقا لحل أزماتها، وتعويض عجز موازنتها سوى الاستدانة من الخارج، وتحميل الأجيال الجديدة مزيدا من الأعباء وسط توقعات بقفزات تاريخية في حجم الدين الخارجى ووصوله إلى 100 مليار دولار.
الأسبوع الماضى شهد اجتماع مجلس الوزراء خلافا كبيرا كان بطله وزير المالية الدكتور عمرو الجارحي، الذي أعلن عن خطة للتوسع في جمع السندات بالعملة الأوروبية بقيمة 1.5 مليار يورو قبل نهاية نوفمبر المقبل، ومع ارتفاع تكاليف الاقتراض المحلى بأكثر من 15%، فإن مصر تنظر بشكل متزايد إلى أسواق الدين الأجنبى، للاستفادة من ثقة المستثمرين المتزايدة، بعدما قامت بتعويم الجنيه وخفض دعم الطاقة بشكل كبير، وساعدت هذه الخطوات في الحصول على قرض صندوق النقد الدولى بقيمة 12 مليار دولار في نوفمبر الماضى.
رغبة وزير المالية في التوسع في إصدار هذه السندات اصطدمت بتخوفات كبيرة لدى بعض وزراء المجموعة الاقتصادية، ومن بينهم الدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى التي أعلنت خلال الاجتماع الحكومى الذي أبدى فيه وزير المالية رغبته في إصدار هذه السندات، أن ذلك يمثل خطرا على سوق الاستثمار، وأنه على الرغم من الوضع الاقتصادى الصعب لم تجلب السندات سوى 7% فقط من جملة القروض التي حصلت عليها مصر.
كما اعترض أحد الوزراء في الاجتماع على التوسع في طرح السندات قائلا: «الكلام ده يرجعنا عصر الخديو إسماعيل»، وهو ما دفع رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل للتهدئة بين الوزراء، مؤكدا لهم أن كل شيء محل دراسة، وأن الحكومة ستتخذ دائما القرار الأصلح طبقا للوضع الاقتصادى الراهن.
وكانت مصر جمعت 7 مليارات دولار من بيع سندات اليورو في العام المالى الماضى، منها 4 مليارات دولار في يناير تتألف من سندات خمس سنوات وعشر سنوات و40 سنة بلغت عائداتها 6.125%، و7.5% و8.5% على التوالى، في الوقت الذي تقدر فيه الحكومة حجم الفجوة التمويلية في السنة المالية الجارية، والعامين المقبلين بما يتراوح بين 30 إلى 34 مليار دولار.
وقالت مصادر حكومية إن عمرو الجارحى وزير المالية يحاول احتواء غضب الوزراء الرافضين لفكرة جمع 1.5 مليار يورو من صفقة مبيعات سندات مقيمة باليورو تطرحها الدولة، قبل نهاية نوفمبر المقبل، بالإعلان في وسائل الإعلام أنه لا يوجد خلافات بين أعضاء الحكومة، وأن الوزراء يعملون بروح الفريق الواحد، وأن القرارات الاقتصادية تؤخذ بالتشاور.
مصادر كشفت لـ”فيتو” أن تخوف وزراء المجموعة الاقتصادية من خطة وزارة المالية، للتوسع في طرح السندات ترجع إلى التخوف مما يعرف باسم «إدمان الاستدانة» من الداخل والخارج، لتعود مصر لزمن الوالى سعيد والخديو إسماعيل.
وقالت المصادر: إن الوزراء ردوا على وزير المالية خلال الاجتماع، بأن مصر تدفع يوميا أكثر من مليار جنيه فوائد لديونها، فضلا عن الأقساط، بما يعنى أن الفوائد والأقساط معا باتا يمثلان 16% من الناتج.
واعترض الوزراء في الاجتماع الحكومى موجهين حديثهم لوزير المالية قائلين إن نسبة القروض والفوائد أصبحت أعلى أكثر من مرة ونصف المرة، مما يجب تخصيصه بحسب الدستور للتعليم والبحث العلمى والصحة، كما أن أكثر المشروعات التي تمولها القروض لا يتوقع منها عائد سريع أو ليس لها مردود اقتصادي.
وأبدى عدد من الوزراء مخاوفهم من التقلبات في الأسواق النقدية والمالية الدولية، لا سيما وأن سوق السندات الدولية مرتبط ارتباطا وثيقا بأسواق العملات، وما يسودها من اضطرابات وتقلبات مستمرة، تؤدى في النهاية إلى التأثير على قرارات المستثمرين من جهة، وإلى زيادة القيود التي تلجأ إليها السلطات النقدية المحلية من جهة ثانية، بهدف حماية الاقتصاد الوطنى من النتائج السلبية التي تصاحب تلك التقلبات مما يضطرها إلى إعادة تقييم العملة.
خلافات اللجنة الوزارية الاقتصادية بشأن السندات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فسبق أن حدثت خلافات تطورت إلى حد وصلت فيه الأمور إلى وضع صعب، إبان وضع اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الجديد، وأعنفها تحديد الوزارة المسئولة عن وضع اللائحة إلى أن تم التوصل إلى حلول أرضت جميع الأطراف وانتهت الأزمة إلى أن ظهرت أزمة السندات الدولية على الساحة.
كما شهدت اجتماعات اللجنة الوزارية الاقتصادية أيضا خلافا بين وزير المالية الحالى عمرو الجارحى وداليا خورشيد وزيرة الاستثمار السابقة، بسبب اعتراض المالية على الإعفاءات الضريبية التي تضمنها قانون الاستثمار الجديد للمستثمرين، وهو ما تسبب في غضب الوزير عمرو الجارحى قائلا للوزيرة السابقة داليا خورشيد: «الكلام ده مش ممكن يتنفذ.. كده العجز في الموازنة العامة هيزيد».
كما اختلف وزراء المجموعة الاقتصادية أيضا فيما بينهم حول اشتراطات صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، بسبب اعتراض البعض على اتخاذ قرارات مؤلمة متتالية تؤثر على مستقبل الحكومة، وتؤدى إلى حدوث اختلالات بالشارع تؤثر على دفع الضرائب والجمارك بما يؤثر سلبا على الموازنة العامة، بالإضافة إلى خلاف آخر حدث خلاف داخل اللجنة الوزارية الاقتصادية، يتمثل أيضا في المناقشات المستمرة حول تخفيض الإنفاق الحكومى في ظل طلب بعض الوزارات زيادة مخصصاتها المالية للتوسع في المشروعات، وهو ما يحدث نوعا من التنافس بين الوزراء بالمجموعة مع وزير المالية للحفاظ على مخصصاتهم المالية بدلا من الانتقاص منها.
ولجأت الحكومة في الفترة الأخيرة إلى طرح سندات دولارية في الأسواق الدولية، وذلك في ضوء احتياجاتها للعملة الصعبة، وسداد النفقات والمستحقات الخارجية، فمع أن هذا الإصدار مصدر أساسى للتمويل الأجنبي، إلا أنه يمثل مخاطر متعاظمة فيما يخص زيادة حجم الديون الخارجية على مصر.
وتعرف السندات بأنها أداة دين تلجأ إليها الحكومات والشركات لتمويل مشاريعها، حيث إنها توفر عائدا جيدا للمستثمرين مقابل مخاطرة مقبولة. ويختلف معدل العائد المعطى من شركة مصدرة إلى أخرى، وذلك حسب الشركة وتاريخها وملاءتها المالية، حيث إن العائد المطلوب من المستثمر لشركة كبيرة سيكون أقل من شركة صغيرة، وذلك أن المخاطرة في الشركات الكبيرة أقل.
وتتميز السندات بأنها قابلة للتداول في الأسواق، وذلك في حالة احتياج مالكها إلى السيولة النقدية، فالمالك يستطيع بيع ما لديه من سندات بسعر يتناسب مع المدة الباقية من عمر السند، ومع سعر الفائدة المتفق عليها عند البيع.
الأرقام تشير إلى أن إجمالى الدين الخارجى ارتفع بكافة آجاله بنحو 18.1 مليار دولار بمعدل 32.5% خلال الفترة من يوليو/مارس من السنة المالية 2016/ 2017 ليصل إلى نحو 73.9 مليار دولار بنهاية شهر مارس الماضى، وجاء ذلك الارتفاع نتيجة لعدة عوامل منها ارتفاع القروض والتسهيلات بنحو 19.1 مليار دولار، بالإضافة إلى انخفاض أسعار صرف بعض العملات المقترض بها أمام الدولار الأمريكى بنحو 1 مليار دولار.
وبلغ حجم الدين الخارجى “متوسط وطويل الأجل” نحو 4.8 مليارات دولار أمريكى خلال الفترة من يوليو /مارس 2017، والأقساط المسددة نحو 4 مليارات دولار أمريكى، والفوائد المدفوعة بنحو 0.8 مليار دولار، أما الدين العام فقد ارتفع إلى مستويات قياسية مسجلا نحو 3 تريليونات و73 مليار جنيه نهاية مارس الماضى.
وظهرت تلك الأرقام عقب اعتماد الحكومة في الفترة الأخيرة على طرح سندات دولارية بالخارج، بالإضافة إلى طرح سندات وأذون خزانة بالداخل، مما صعد بمؤشرات الدين العام على المستوى الداخلى والخارجى.
والغريب أن الحكومة ما زالت مستمرة في مسلسل الاستدانة من الداخل والخارج، لتمويل عجز الموازنة، وسداد النفقات المستحقة عليها فمؤخرا قال وزير المالية عمرو الجارحى في تصريحات صحفية: إن وزارته تدرس طرح سندات دولية بقيمة تبلغ 1.5 مليار يورو، بالإضافة إلى طرح سندات دولارية بقيمة 4 مليارات دولار قبل موسم الإجازات الشتوية، والمقرر بدايتها في نوفمبر المقبل، وعلى نفس السياق تقوم الحكومة بطرح سندات وأذون خزانة بشكل دوري، حيث بلغ قيمة استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية بما يقدر بنحو 96 مليار جنيه، منذ قرار تحرير سعر الصرف في الثالث من شهر نوفمبر الماضى.
وفى السياق نفسه يرى محللون ماليون وخبراء اقتصاد أن توسع الحكومة في طرح سندات دولية بالأسواق العالمية يزيد الضغوط على الديون الخارجية على مصر، مما يشكل أعباء على الأجيال القادمة، ويزيد الضغوط على الاحتياطي النقدى الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى، ويذهب فريق آخر إلى أن الحكومة في الوقت الراهن ليس أمامها إلا مصدرا وحيدا للتمويل الخارجى، وهو طرح سندات دولية بالأسواق العالمية، وذلك لسداد الاستحقاقات في موعدها، وقد عزز قرار تحرير سعر الصرف من فرص طرح السندات.
من جانبه قال وائل النحاس المحلل المالى: إن الحكومة لا تفكر نهائيا خارج الصندوق، ودائما تلجأ إلى الطريق السهل والتفكير القصير من خلال الاستدانة من الخارج، سواء عن طريق طرح سندات دولارية بالأسواق العالمية، أو الاقتراض من الخارج سواء من دول أو مؤسسات مالية عالمية، مشيرا إلى أن تلك الطرق تخلق مشكلات كبيرة للغاية، وتزيد من الضغوط على الديون الخارجية، فلأول مرة يرتفع الدين الخارجى إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة لتصل إلى 74 مليار دولار أمريكى.
وأضاف النحاس أنه بدلا من تنشيط موارد النقد الأجنبي، خاصة السياحة والصادرات تقوم الحكومة بسلك الطريق السهل، وتذهب إلى ما يزيد من أوجاع المصريين، فتلك الفواتير يتحملها فقط المواطن البسيط، نتيجة اعتماد المسئولين على الاستدانة من الخارج، لافتا إلى أنه يجب أن تقوم الحكومة باختيار بدائل جديدة للتمويلات وعدم الاستدانة مرة أخرى فلو استمرت على نفس النهج، فالشهور المقبلة ستشهد قفزة تاريخية أخرى للدين الخارجى، فقد يصل إلى 100 مليار دولار أمريكى.
من جانبه قال هانى عادل الخبير الاقتصادى: إن اعتماد الحكومات على أدوات الدين الخارجية “سندات دولارية” تطرح بالأسواق العالمية أحد الحلول لتمويل العجز الحاصل، مشيرا إلى أن هناك مؤسسات كبيرة طلبت شراء سندات من مصر، وذلك دليل على أن الاقتصاد المصرى في الطريق الصحيح، والإصلاحات التي قامت بها الحكومة أتت ثمارها، لافتا إلى أن السندات الدولية هي أداة تمويلية لسد العجز وتعتمد عليها الحكومة في أوقات الأزمات.
وأضاف أن هناك إقبالا كبيرا على السندات المصرية، نتيجة التحسن الواضح في أداء الاقتصاد، خاصة عقب قرارات الإصلاح الاقتصادي، وتوقيع الحكومة اتفاقية مع صندوق النقد الدولى بإقراض مصر نحو 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات، تم استلام 4 مليارات دولار على شريحتين.
وأوضح أن استمرار طرح سندات دولية أخرى في الفترة المقبلة، يعد أمرا جيدا نظرا للظروف الاقتصادية الحالية التي تعيشها البلاد، وتنوع مصادر التمويل أمر جيد خاصة في ظل ظروف عجز الموازنة العامة للدولة.