رئيس التحرير
عصام كامل

ضرورة التوافق السياسى


من الواضح أن الملمح الرئيسى فى خطاب الدكتور مرسى أمام مجلس الشورى يوم السبت ٢٩ ديسمبر، كان الملمح الاقتصادى، وأتفق معه فى أن الوضع فى مصر، كما يقول بعض خبراء الاقتصاد، صعب، وصعب جدا، لكن مصر ليست مقبلة على إفلاس، وان الاقتصاد يتحرك للإمام، لكن بدرجة أقل من المطلوب..

قيل: إن الخطاب تكلم فى العموميات، وإن الرجل كان مطلوبا منه أن يتكلم بشفافية أكبر، وبخاصة فيما يتعلق بالإجراءات العملية التى سوف يتم اتخاذها فى الأيام القليلة القادمة.


دون الدخول فى تفاصيل الأرقام التى ذكرها الدكتور مرسى ومدى مطابقتها للواقع لها، يجب أن نقر ونعترف أن المسالة الاقتصادية - كما هو معلوم - مرتبطة بشكل وثيق بالوضع السياسى والأمنى، بمعنى أنه كلما كان هناك استقرار سياسى وممارسة حقيقية للديموقراطية، كلما انعكس ذلك إيجابا على الوضع الاقتصادي، والعكس صحيح.


وبقدر ما يكون الأمن متعافيا، قائما بدوره الصحيح فى تحقيق الانضباط العام وفق القانون، يقظا ومنتبها وراصدًا وملاحقا ومجهضا لأية محاولة تنال من أمن وأمان واستقرار الوطن والمواطن، سواء على المستوى الفردى أو على المستوى المجتمعى العام، أقول بقدر ما يؤدى إلى تحسن وتقدم وتطور الوضع الاقتصادى فى كل مجالاته ومناحيه.


من ناحية الاستقرار السياسى، لا أحد يستطيع أن ينكر أن مصر تعانى من أزمة، تتجلى فى هذا الانقسام الحاد فى المجتمع، العنف والاحتراب المهدد للسلم الأهلى، وفقدان الثقة بين أطراف الجماعة الوطنية، والخصومة القائمة بين الرئاسة ومؤسسات الدّولة، إلخ.

لقد دعا الرئيس مرسى المعارضة للحوار، فى خطابه أمام مجلس الشورى، لكنه لم يتكلم عن أجندة واضحة ومحددة عن هذا الحوار، وهل من الممكن التوصل من خلاله إلى قرارات أم لا.


لقد كانت هناك حوارات سابقة فى الأسابيع الماضية بين الرئيس ورموز المعارضة، وفوجئت المعارضة بقرارات ومواقف أفقدتها ثقتها فى أى حوارات..

قيل أيضا: إن الرئيس لم يفِ بوعوده.. وهذه هى المشكلة.


قبل إقرار الدستور بيوم أو يومين، اتخذ الرئيس قراره بتعيين ٩٠ عضوا فى مجلس الشورى، ومن الواضح أنه جاء طبقا للإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس العسكرى فى ٣٠ مارس ٢٠١١ من أن مجلس الشورى يتشكل على الأقل من ١٣٢ عضوا منتخبا، ويعين الرئيس ثلث أعضائه.


وطبقا للدستور الجديد يتشكل المجلس من عدد لا يقل عن ١٥٠ عضوا منتخبا، ويعين رئيس الدولة عددا لا يزيد على عشر عدد الاعضاء المنتخبين.. فإذا كان العدد الذى تشكل منه المجلس هو ٢٧٠ عضوا، فيكون عدد المعينين فى حدود ١٨ عضوا فقط، وليس ٩٠ عضوا، فلماذا لم ينتظر الرئيس يوما حتى يكون قراره متسقا مع الدستور الجديد؟


لا أحد ينكر أن هناك تحسنا فى الوضع الأمنى.. لكن الذى حدث خلال الشهر الماضى يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك فارقا كبيرا بين ما هو كائن وما يجب أن يكون.


فعلى سبيل المثال، لم تستطع أجهزة الأمن أن تقوم بدورها فى تمكين المحكمة الدستورية العليا من أداء مهامها، ولا من أن تندلع أعمال عنف ترتب عليها سقوط شهداء وإراقة دماء كما حدث أمام قصر الاتحادية يوم الأربعاء الدامى، ولم تتخذ التدابير اللازمة التى تحول دون حرق مقرات الأحزاب، أو ما وقع عند مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية..إلخ.


إن هيكلة وزارة الداخلية على أساس مفاهيم ورؤى وفلسفة جديدة، تتناسب وأهداف الثورة المصرية لم يتم فيها شيء، كما يقول الواقع المشاهد، وبالتالي، لا زال هناك الكثير مما يتعين عمله فيما يتعلق بهذين الموضوعين، أقصد بهما الاستقرار السياسى وتطوير وتحسين الوضع الأمنى، حتى نتمكن من إحداث تعافٍ حقيقى فى الوضع الاقتصادى المأزوم.

الجريدة الرسمية