حكاية «المستريحين».. ويموت الزمار!
ظواهر كثيرة تدهشنا ونحن نقرأ عنها، وسرعان ما تبتلعها ذاكرة السمكة انتظارا لظواهر أخرى جديدة تمر أيضا مرور الكرام، وعندما تتكرر نفس الظاهرة نتعامل معها وكأنها تحدث لأول مرة.. فلا درس مستفاد ولا تجربة مريرة، ولا حتى عِبرة نعتبر بها فلا نقع في المحظور!
قرأت خبرا يقول عنوانه(5 مليارات جنيه خسرها المصريون في 6 أشهر بسبب الجري وراء "المستريح")، وفي تفاصيل الخبر عمليات النصب التي تمت باسم توظيف الأموال في النصف الأول من هذا العام 2017، ورغم أن تاريخ شركات توظيف الأموال منذ انتشرت يحمل كوارث ومآسي وعذابات للغالبية العظمي التي وقعت في هذا الفخ، ورغم أننا لم ننس أشهر أسماء هذه الشركات.. الريان، والسعد، وغيرهما الكثير حتى وصلنا إلى (المستريح) نسبة إلى أحمد المستريح نصاب محافظة قنا الذي استولي على ملايين الجنيهات من الناس إلا أن عمليات النصب لم تتوقف، وكل يوم يظهر مستريح جديد بآليات وإغراءات جديدة، ومع كل واحد منهم ضحايا جدد يدفعون الأموال وهم مسحورون بالكسب السريع والكبير إلى أن يفيقوا على كارثة ضياع أموالهم فتبقي لهم الحسرة والندامة وربما الطلاق والموت كمدا بسبب الصدمة!
ولأن العملية صارت سهلة لا تحتاج كيانا كبيرا أو شركة ذات مكاتب فسيحة وأثاث فاخر وسكرتارية تلعب بالبيضة والحجر حتى توقع الضحية في حبالها دخلت المرأة على الخط وظهرت المستريحات.. سيدات أجدن فنون اللعبة وبما يمتلكن من أساليب لا يجيدها الرجال استطعن النصب على الضحايا بملايين الجنيهات وهربن، ومن تسقط منهن لا ترد شيئا للضحايا، ودائما الفلوس خدها الغراب وطار.. ولعلنا لم ننس حكاية تصفيات شركات توظيف أموال الريان والسعد، عندما استرد الضحايا بعضا من مدخراتهم ثلاجات وغسالات وأدوات مطبخ بلاستيكية ومواد غذائية ولحوم مستوردة فاسدة!
الظاهرة لن تتوقف لأنها صارت رافدا مهما من روافد تمويل الإرهاب، بعد التضييق على تدفق الأموال للإرهابيين حسب ما جاء في تحقيقات انتحاري طنطا، الذي جمع 6 ملايين من الجنيهات بقنا ودعم بها المتطرفين!
كثير من الذين يناقشون الظاهرة أرجعوا انتشارها لارتفاع نسبة الأمية، وغياب الثقافة المصرفية، وأخيرا الطمع في الحصول على عوائد ومكاسب أكبر وأسرع بعيدا عن عيون الناس، والحقيقة أن تبرير استمرار الظاهرة بالأمية أو الجهل أو غياب الثقافة المصرفية لم يعد مقبولا، فهناك نسبة كبيرة من الضحايا من المتعلمين والمثقفين وأصحاب المهن المحترمة والوظائف المهمة.. بينهم ضباط شرطة وجيش وقضاة ومدرسون ومهنيون وصحفيون وإعلاميون لديهم القدرة على قراءة المشهد وتفاصيل الصورة جيدا، ومع ذلك يسقطون في الفخ ربما طمعا في جني المزيد، وربما اختفاءً عن الأعين خوفا من الحسد أو خوفا من المساءلة، وربما غسل أموال بعيدا عن المسارات الرسمية في تداول الأموال، وربما تجارة باعتبار المال سلعة وليس وسيلة تداول كتجارة العملة، وربما بسبب البلبلة التي حدثت –وما زالت– في فتاوى أرباح البنوك، وربما بسبب غياب قانون يعاقب الضحايا الذين يساعدون على انتشار الظاهرة والابتعاد عن الوسائل المشروعة المتوفرة أمامهم في الادخار بطرق آمنة.
الغريب أن الظاهرة قديمة ومع ذلك لم تستطع الدولة إيجاد وسيلة أو حل لوقفها بالقانون أو بغيره، كما أن جهود البنوك في جذب أموال الادخار برفع الفائدة إلى 20% لم يوقف الظاهرة التي تحتاج دراسة عميقة في أسبابها خصوصا إذا علمنا أن شماعة الأمية والجهل لم تعد مقبولة، حيث يظهر كل يوم مستريح جديد، وكل يوم ضحايا لهم ذاكرة السمكة يسعون بقوة نحو هؤلاء النصابين، وتتكرر المأساة وبنفس الطريقة فنسمع عن ضحايا لا نظن أنهم يملكون هذه الآلاف من الجنيهات، ونسمع عن ضحايا من صفوة المجتمع ومن طبقته المتعلمة الواعية..
فزورة تحتاج إلى حل لتتوقف أصابع الزمار التي تلعب بعد موته!