"أخونة" السخرية!!
عجيب أمر جماعات الإسلام السياسى.. بالأمس كانوا معك.. يؤيدونك ويساندوك.. ويصفونك بالمناضل القوى الذى يقف فى وجه السلطة الغاشمة.. والبطل الذى يدافع عن المظلومين بقلمه وآرائه أو حتى بروحه.
عندما كنا نهاجم الرئيس "المخلوع" حسنى مبارك أو وزير داخليته المحبوس حاليا، حبيب العادلى، كان أعضاء الجماعة "المحظورة" آنذاك، يشيدون بنزاهتنا وحيدتنا ومواقفنا البطولية.. بل كانوا يطلبون منا تخفيف حدة الهجوم على النظام؛ خوفا من أن تحل علينا لعنة أمن الدولة، ونقضى بقية حياتنا خلف الأسوار.
قبل أن يصل التيار الإسلامى إلى الحكم كان أعضاؤه يتبادلون معنا النكات والقفشات والفيديوهات التى كانت تسخر من النظام السابق ورموزه.. كانوا يستخدمون سخرية إبراهيم عيسى وبلال فضل وكاريكاتير عمرو سليم من "قفا" مبارك لصالحهم.
كانت فيديوهات السخرية أو "المسخرة" وجبة حاضرة على موائد المتأسلمين الإلكترونية، يتداولونها فيما بينهم.. لزيادة تشويه مبارك وابنيه وزوجته ورجاله.
لم يخرج علينا يوما شيخ معمم أو داعية ذو لحية طويلة وجلباب قصير ليقول لنا إن السخرية من "مبارك" ونظامه حرام.. لم يقل لنا إن "قفا" مبارك مُنَزّه عن الرسم، ويجب قطع اليد التى ترسمه.. لم يطالبنا بالكف عن التريقة والنكتة.. بل كان يشجعنا عليها، ويحثنا على المزيد منها.
بوصول التيارات الإسلامية إلى الحكم، انقلب الأمر.. فهم يتداولون النكتة طالما كانت بعيدة عنهم.. يؤمنون بها طالما كانت مصوبة نحو غيرهم.. إذا كانت موجهة إلى البرادعى وحمدين وشيخ الأزهر ومفتى الجمهورية.. فهى حلال حلال.. ودعابة دمها خفيف وبنت ناس..!!
أما إذا كانت ضد سياسة "مرسى" أو آراء "بديع" أو "الشاطر" أو "العريان".. أو ضد موقف للشيخ "يعقوب" أو "حسان" أو "الحوينى" أو "صيدح".. وغيرهم.. فأنت تحارب الشريعة.. وتنهش لحوم العلماء المسمومة.. ويذكرونك بقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم".. وإن لم ترجع، فلن يتورعوا عن اتهامك بالفسوق والضلال والفجور والزندقة والخروج من الملة..!
ويبدو أن هناك اتجاها لـ"أخونة" النكتة و"أسلفة" التريقة و"أسلمة" السخرية.. فى الفترة القادمة.. فقد خرج علينا رئيس قناة "الحافظ" الإسلامية، ليقول إن لديه فتوى أزهرية تجيز تحريم مشاهدة برنامج "البرنامج" الذى يقدمه "باسم يوسف" ويسخر فيه من بعض الشيوخ الذين يتناقض كلامهم مع أفعالهم.. وهو ما كذبه الشيخ سعيد عامر، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر.
الحقيقة التى يعلمها الجميع.. القاصى والدانى، والعربى والأجنبى.. أن "المصرى" مرتبط بالنكتة منذ قديم الأزل.. نعم نحن شعب ابن نكتة.. نحب التريقة، حتى ولو على آبائنا وأبنائنا أو على أنفسنا.. وأكثر مَنْ تطولهم سهام النقد هم أصحاب السلطة والمناصب والمشاهير فى كل المجالات.. فالذى يخاف سخرية الآخرين عليه أن يبتعد عن أى منصب رسمى.. ويغلق عليه بابه.. إن كان يستطيع!!