رئيس التحرير
عصام كامل

كعكة الاستثمار العراقية تسيل لعاب الشركات الألمانية

فيتو

تنمو التجارة العراقية الألمانية في وقت يستعد فيه العراق لتفعيل ورشة الإعمار بتكلفة تصل إلى 100 مليار دولار. هل ينجح العراق في ورشته هذه بمساعدة الشركات الألمانية التي يسيل لعابها لتنفيذ مشاريع عملاقة هناك؟

يبدو العراق اليوم على عتبة تحولات اقتصادية عميقة بعد النصر العسكري على تنظيم "داعش" الإرهابي في الموصل وأغلب المناطق التي دخلها التنظيم قبل بضع سنوات.

سامي الأعرجي رئيس الهيئة الوطنية العراقية للاستثمار حدد أمام الملتقى الاقتصادي العراقي الألماني الرابع في برلين 2017 الخطوط الرئيسية لهذه التحولات بعدة نقاط ابرزها اعتماد خطط خمسية / خماسية اعتبارا من عام 2018. ومن أهداف هذه الخطط تحديث البنية التحتية من طرق ومطارات ومصافي نفط ومحطات كهرباء ومشاريع عملاقة أخرى في السكن والصحة والتعليم والصرف الصحي. النقطة الثانية

وتشمل تعزيز خطة الإصلاح الاقتصادي العميقة التي تشمل تحسين أداء الإدارات الحكومية ومكافحة الفساد المستشري فيها وتأهيل الشباب للعمل في مشاريع خاصة بدلا من الاعتماد على الوظائف الحكومية. أما النقطة الثالثة والأكثر اهتماما للمستثمرين فتتضمن إعادة النظر بقوانين وأنظمة الاستثمار التي يشوبها عدم الوضوح والتناقض والتباينات في تفسير مضامينها.

هل تنفذ الخطط الطموحة؟

وضعت الحكومات المركزية والسلطات المحلية العراقية خلال السنوات العشر الماضية برامج عديدة لإعادة إعمار البنى التحتية التي دمرتها الحروب والإهمال.

وتشارك نحو 70 شركة ألمانية مثل شركة سيمنس في أعمال البناء والتجهيز لمشاريع مختلفة أبرزها في مجال الطاقة. ورغم تنفيذ الكثير من المشاريع الحيوية فإن الخلافات السياسية واستشراء الفساد ما تزال تؤخر أو تؤجل أو تعطل تنفيذ معظم البرامج بشكل كلي أو جزئي في العديد من المناطق.

وفي هذا السياق يرى خبير اقتصادي عراقي، رفض الكشف عن هويته، في تصريح خص بها "DW عربية" أن تنفيذ الخطط الجديدة في الإصلاح والإعمار لن يسير بالشكل الذي يتم الترويج له حاليا من قبل الجهات الحكومية بسبب المحسوبيات والرشوة وضياع المسؤوليات بين المؤسسات المركزية الفدرالية والمحلية لضعف التنسيق بينها وغياب منظومة واضحة لتوزيع الصلاحيات.

يضاف إلى ذلك أن موارد الدولة تراجعت بعد الانهيار الكبير في أسعار النفط الذي يشكل أكثر من 95 بالمائة من هذه الموارد.

غير أن خبراء كالأعرجي مثلًا، يرون بأن الضرورات الكثيرة وفي مقدمتها الضرورات الإنسانية ستفرض نفسها هذه المرة على عملية إصلاح البنية التحتية وإعادة الإعمار بسبب ملايين اللاجئين الذين يجب أن يعودوا إلى منازلهم وأعمالهم بالسرعة القصوى بعد تحرير مناطقهم من الإرهاب.

كما أن تراجع عائدات الدولة يجبرها على الإسراع في عملية الإصلاح بهدف تنويع مصادر الدخل من خلال محاربة الفساد وتعزيز دور القطاع الخاص بشكل مستقل أو عن طريق الشراكات بين القطاعين العام والشركات الأهلية حسب الأعرجي.

إشارات إيجابية
رغم تراجع أسعار النفط تبدو إمكانات الدولة العراقية جيدة لدفع عملية إعادة الإعمار إلى الأمام بفضل زيادة إنتاجها النفطي وتمتعها بالمصداقية في سوق الاقتراض الدولية. كما أن عدة دول كألمانيا وفرنسا مستعدة لتقديم مساعدات وقروض من أجل ذلك.

في هذا الإطار أعلنت الحكومة الألمانية على لسان بريغيته تسيبريس، وزيرة الاقتصاد والطاقة الألمانية عن تقديم دعم للعراق بقيمة 250 مليون يورو وضمانات لقروض بقيمة 500 مليون يورو من أجل إعادة الإعمار وعودة اللاجئين إلى مناطقهم.

وقالت تسيبريس في كلمتها أمام الملتقى الذي نظمته غرفة التجارة العربية الألمانية واتحاد الغرف التجارية العراقية بمشاركة جهات أخرى في 14 سبتمبر الجاري 2017 أن "ألمانيا تريد وضع خبراتها لإعادة الأعمار، لاسيما في مجالات الطاقة والبيئة والتعليم المهني التي تمتلك فيها خبرات واسعة وعالمية". وإذا كانت حاجات العراق الحالية كبيرة إزاء التسهيلات الألمانية والأجنبية الأخرى، فإن هذه التسهيلات تشكل خطوة هامة وتعطي إشارة إيجابية لتعزيز الثقة لدى مصادر التمويل الأخرى. وتقدر وزارة التخطيط العراقية حاجة العراق إلى 100 مليار دولار لإعادة إعمار المناطق المحررة من "داعش".

تحسن في العلاقات مع ألمانيا

ومن الإشارات الإيجابية أيضا في العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا والعراق عودة الشركات الكبرى مثل سيمنس للعمل في السوق العراقية والنمو الملحوظ للتجارة بين البلدين منذ عام 2008. رئيس اتحاد الغرف التجارية العراقية جعفر الحمداني ذكر في كلمته أمام الملتقى الاقتصادي العراقي الألماني الرابع الذي انعقد في برلين من 13 إلى 14 سبتمبر 2017 بأن حجم التبادل التجاري بين الطرفين ارتفع من 400 مليون يورو في عام 2008 إلى أكثر من 1300 مليون يورو خلال العام الفائت مع أن أكثر من ستين بالمائة منها صادرات ألمانية متنوعة.

ويلاحظ المراقب هنا أن بنية هذه الصادرات تتغير بشكل متزايد لصالح الاستثمار في مشاريع إنتاجية وخدمية بدلا من الاستهلاكية. ويدل على ذلك وصول حصة الآلات والأجهزة المختلفة فيها إلى نحو 50 بالمائة. أما الصادرات العراقية إلى ألمانيا فهي صادرات نفطية بشكل شبه حصري.

إشارات إيجابية ولكن..

الإشارات الإيجابية والمشاريع الكثيرة المطروحة تثير بالطبع شهية الشركات الألمانية التي حضر ممثلوها بكثافة فعاليات الملتقى العراقي الألماني الرابع.

وعبر بعض هؤلاء عن أنهم يقفون على أهبة الاستعداد للمشاركة في كسب المشاريع العملاقة المطروحة وتنفيذها في مجال الطاقة والبتروكيماويات والصحة والتدريب المهني. وتبدو فرصها في ذلك جيدة لأسباب عدة من أهمها تمتع هذه الشركات بخبرات عالمية رائدة في بناء وتحديث البنية التحتية.

ويحظى اهتمام الشركات الألمانية بالسوق العراقية بتأييد واسع في دوائر صنع القرار السياسي والاقتصادي الألمانية والعراقية. كما أن العراقيين ما يزالون يفضلون ماركة صنع في ألمانيا على غيرها من ماركات عالمية كثيرة.

غير أن إحدى المشكلات التي تعيق استغلال الفرص تكمن في نظرة هذه الشركات إلى السوق العراقية كسوق لتصدير السلع الاستهلاكية والتجهيزات أكثر منها كسوق للاستثمار المباشر والدخول في شراكات. أحد رجال الأعمال العراقيين أشار في ملتقى برلين إلى ذلك متسائلا عن سبل تغيير هذه النظرة. النقاش الذي جرى بهذا الخصوص تطرق لأسباب كثيرة ليست مرتبطة فقط بضعف مستوى الصناعة وقلة الخبرات المحلية بل أيضا بالبيروقراطية والفساد والخلافات السياسية والخروقات الأمنية التي تشهدها مدن ومناطق عراقية بشكل متكرر.

يضاف إلى ذلك المخاوف من عدم وضوح السيناريوهات القادمة على ضوء استفتاء إقليم كردستان على الاستقلال في شهر سبتمبرالجاري 2017. ومن بين هذه السيناريوهات تقسيم العراق وتجزئة السوق العراقية التي يبلغ قوامها نحو 38 مليون مستهلك في الوقت الحاضر.

ماذا لو انفصل إقليم كردستان؟

مثل هذا السيناريو، الذي لا تؤيده ألمانيا كما جاء في كلمة تسيبريس أمام الملتقى، يخيف رجال الأعمال ويسمم مناخ الاستثمار، لاسيما وأن هناك مخاطر نشوء نزاعات مسلحة وحروب أهلية طويلة الأجل.

ومن شأن هذه النزاعات تعطيل إعادة الإعمار واستغلال فرص الاستثمار في مناطق واسعة من العراق بما في ذلك إقليم كردستان الذي يتمتع فعليا بأكثر من حكم ذاتي في الوقت الحاضر.

الجدير ذكره أن هذا الإقليم يحتاج لتأهيل بنيته التحتية وإقامة صناعات متوسطة وصغيرة محلية وتعزيز دور السياحة. ويساعده على ذلك حسب خليل غازي بيسفكى، الاستشاري في المجلس الاقتصادي للإقليم وأستاذ الاقتصاد والإدارة بجامعة دهوك القوة الشرائية العالية والاستقرار الأمني الذي ينعم به. وعلى عكس التيار السائد في أوساط المستثمرين يرى بيفكسي في حديث خص به "DW عربية" أن تبعات الانفصال على الاقتصاد ستكون إيجابية في حال قيام علاقات حسن جوار مع العراق والدول الأخرى المجاورة.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية