رئيس التحرير
عصام كامل

استراتيجية صناعة الكوارث نحو خلق فرصة بديلة


في كتابها عقيدة الصدمة ألقت الصحفية الكندية «نعومي كلاين» الضوء على كيفية صناعة الأزمات وتحويلها إلى فرص استثمارية تحقق فرصة استثمارية لاقتصاديات الدول الكبرى وشركائها الشركات متعددة الجنسيات.


إن رأسمالية الكوارث التي ترى الكاتبة الكندية أنها منهج للولايات المتحدة من خلال فرض اقتصاديات السوق الحرة على دول العالم أجمع ولم يتحقق الفرض إلا بالعنف والإرهاب أحيانًا.

إن سياسات النيوليبرال التي أضحت تحكم العالم والتي صاغتها مدرسة شيكاغو -ميلتون فريدمان- وضعت ملامحها منذ ٥٠ عاما وانتشر خبراؤها في دول العالم تحت مسمى الخبراء والاستشاريين وتتلخص أساليبها في الخصخصة وانفتاح السوق الحرة وخفض برامج التكافل الاجتماعي، وهي سياسات لها آثار عنيفة على اقتصاديات الدول النامية وتعتمد على تمرير هذه القوانين في ظل الاضطرابات السياسية والكوارث لاستغلال أصول هذه الدول ومواردها بأقل سعر وهناك أمثلة مثل انقلاب بيونشيه في تشيلي 1973، حرب فوكلاند 1982، مذبحة ميدان السلام السماوي 1989، انهيار الاتحاد السوفيتي 1991، الأزمة الآسيوية 1997، إعصار ميتش 1998، حرب العراق 2003، تسونامي 2004، إعصار كاترينا 2005، وبالطبع فبعد صدور الكتاب هناك الربيع العربي بكل أزماته.

إن هدف مبدأ الصدمة هو سيطرة سياسات النيوليبرال على اقتصاديات العالم وقد ربطت الكاتبة بطريقة مفزعة اُسلوب الصدمة النفسية علميًا على الفرد بالصدمة السياسية والاقتصادية على المجتمع بأسره وقد ربطت ببرامج تجارب سرية مولتها المخابرات الأمريكية في الخمسينات للصدمة الكهربائية والحرمان الحسي وأثرها وطبقت في التعذيب والاستجوابات لكسر الإرادة النفسية حتى أن العلاج النفسي بالصدمات الكهربائية يهدف لكسر إرادة المريض لإعادة برمجته، وهو ما ترى الكاتبة أنه جرى استخدامه بصورة أوسع ضد الشعوب وقد أجرت حوارًا مع بعض الضحايا الذين خضعوا لبرنامج المخابرات الأمريكية على يد العالم أيوين كاميرون وقد طرحت تعبير الاقتصادي أورلاندو لتيليه عن الانسجام الداخلي بين الإرهاب السياسي لبيونشيه وسيطرة فلسفة النيو ليبرال واعتبر ميلتون فريدمان مسئول عما تم في تشيلي وقد قامت مخابرات بيونشيه باغتيال لتييليه ١٩٧٦.

في واحدة من أهم مقالاته عبر فريدمان عن فلسفة الصدمة عندما كتب ( الأزمات فقط حقيقية أو متصورة تنتج تغييرا حقيقيا)، لذا ينصح بالتحرك سريعا بآليات السوق الحرة فور وقوع الكارثة لتحقيق الأهداف ويتضح من النصائح التي وجهها لبيونشيه عقب الانقلاب في تشيلي الذي كان بمثابة صدمة وكانت السياسات الاقتصادية هي خفض الضرائب وتحرير الأسواق والخصخصة وسُميت محليًا بالعلاج بالصدمة.

عندما ضرب إعصار كاترينا ولاية لويزيانا 2005 صرح عضو الكونجرس الجمهوري ريتشارد بيكو أخيرا تخلصنا من مساكن نيو أوليانز الشعبية في حديثه مع جماعات الضغط ثم عبر أحد المستثمرين العقاريين بتعبير أن المنطقة أصبحت صفحة بيضاء للاستثمار بضرائب أقل وعمالة أرخص وأراضي بلا عقبات لتصنع فرصًا استثمارية هائلة ورغم أن فريدمان كان وقتها قد تخطى التسعين ولكنه كتب في افتتاحية وول ستريت بعد انهيار السدود عن الفرصة الاستثمارية بدلا من الحديث عن مسئولية الحكومة عن الفقراء المشردين، كما أن الحرب ضد الإرهاب بما تمثله من اقتصاديات ضخمة هي جزء من رأسمالية الكوارث.. عمومًا فإن فكرة رأسمالية الكوارث دفعت الكثيرين للشك في أسباب الكوارث الطبيعية التي يمر بها العالم.

إن تجربة جنوب أفريقيا بعد استلام حزب المؤتمر الوطني الأفريقي للسلطة الذي ركز أولا عن الخروج من سيناريو الحرب الأهلية ولكنه أخفق بتطبيق ذات السياسات المتطرفة ولم يدرك الحرب الاقتصادية ومواجهة رأسمالية الكوارث بما جعل معدل النمو لا يزيد على ٥٪‏ الذي جعله مخيبا لآمال الشعب وكان معدل البطالة بين السود يصل إلى ٤٨٪‏.

إن رأسمالية الكوارث هي خلق فرصة قَد يستثمرها أغنياء الحروب لخلق حالة من التوتر المجتمعي لفترة من الزمن لتسبب أمراض المجتمع المزمنة.

أخيرًا طرحت الكاتبة رؤيتها نحو الأمل في ارتداد عقيدة الصدمة بصحوة الشعوب منذ وفاة فريدمان ٢٠٠٦ وخسر تلاميذه الانتخابات النصفية في الكونجرس بسبب فشل مشروع غزو العراق ثم فاز إيفونوراليس في انتخابات الرئاسة في بوليفيا وليصبح ثاني رئيس في أمريكا اللاتينية يحمل برنامجا اجتماعيا بعد تشافيز في فنزويلا وامتدت الثورة الفريدمانية لتنهض شعوب البرازيل والأرجنتين وتشيلي نحو الإنتاج وتشغيل المصانع المفلسة وتوظيف وتأهيل العمالة وصياغة تعليم متطور.. وامتدت الثورة نحو روسيا وبولندا لإعادة بناء الشعوب المقهورة وفي نهاية المقال فرغم قوة المنطق ومنهجية الكتاب ولكن فكر الكاتبة اليساري أثر في صياغة فكرها عن النيو ليبرال.. عموما فإن الاعتدال في تطبيق التوجهات الاقتصادية يكون اقل ضررا بطبقات المجتمع.

نتفق أو نختلف مع كتاب عقيدة الصدمة ولكن ما لا نختلف فيه أن بناء الشعوب وعي وثقافة وعلم وعلاجها نفسيًا من أثر الصدمات وتوجيهها نحو العمل والعلم نحو صناعة الأمل يخلق طاقة وطنية إيجابية يؤهلها لمواجهة منهجية صناعة الكوارث وهزيمة اليأس ومشاعر الهزيمة.
الجريدة الرسمية