رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.. «فيتو» في منزل عالم أزهري أنقذه «فيس بوك» من التسول

فيتو



"انقذوا كرامة عالم جليل".. كلمات تحمل في طياتها الألم والحزن والأسى، على كم الإهمال والفساد الذي وصلنا له تجاه علمائنا، وبعد أن اهتز موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لقصته التي انتشرت كالنار في الهشيم، ورؤية كم ما يعانيه من متاعب بسبب تقدمه في السن، وحالته التي كادت تثبت أن من في الصور "متسولًا" وليس عالمًا كرس حياته لخدمة الأزهر وأبنائه ونفع الأمة بعلمه.



لا يمكن أن تتخيل أن من في الصور، نُشر له العديد من الأبحاث ورسائل الماجستير وجلس مع كبار العلماء بالأزهر الشريف، درس الفقه والشريعة، وقضى عمره في محراب العلم بالأزهر ووهب حياته لتفسير كتاب الله، وعلم طلابه الود والرحمة واحترام الكبير وتقدير العلماء، ولكن يحرم منها هو في النهاية.



هو الدكتور عبد الحميد محمود متولي خشبة، أستاذ التفسير وعلومه بكلية الدراسات الإسلامية، ذو الـ٧٠ عامًا، فكل ما يريده الآن هو أن يحيا حياة كريمة كما يحيا "الأسطورة" و"رفاعي الدسوقي" و"حبيشة"، ولكن كيف وهو من قرر أن يُعلم وينشر العلم والفقه.



بدأت قصته من "بوست" لأحد تلاميذه على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لتكون بداية الشرارة لإنقاذه، وقال: "الراجل ده مش متسول، ولا جاهل، ده الدكتور عبد الحميد محمود متولي، دكتوراه في التفسير وأخرى في الفقه، أنا قابلته بالقدر في مسجد بسيط، وشبهت عليه لأنه كان بيقدم حديث الروح مع جيل الدكتور عبد الله شحاتة والإمام الشعراوي، والإمام جاد الحق رحمة الله عليهم".



وتابع قائلًا: "الراجل بياخد معاش بسيط وحالته المادية شبه منعدمة، خلاصة الحكاية أن هذا عالم تتجاهله الدولة في حين يتم تكريم إبراهيم الأبيض وعبده موتة، والأسطورة، والراقصات، وبنسأل الغلاء وضيق المعيشة ده منين".



وبعد انتشار تلك التدوينة على فيس بوك لتصل إلى مشيخة الأزهر، لتجد استجابة سريعة من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الذي قرر التكفل بعلاجه.



"فيتو" تجولت في منزله لتتحدث معه، في حي المقاولون العرب، بمنطقة مساكن المهندسين، عمارة رقم 13 بالدور الـ4، توجد شقة بسيطة على الرغم من وجودها بحي راقٍ، إلا أنها تكاد تكون أسوأ بكثير من المتواجدة بالمناطق العشوائية، ونجد الدكتور عبد الحميد محمود متولي لاحول له ولا قوة، وسط غرفة مبعثرة الأشياء يسكنها الإهمال وضيق الحال، تجده يجلس منتظرًا من يحنو عليه ويساعده على مواجهة المرض الذي ينهش في جسده.



أكثر من 10 سنوات والحال تسوء يوما بعد يوم، ولا يوجد من يرحم شيخا كبيرا قضى حياته في خدمة الأزهر ونشر العلم، لا أهل ولا أصدقاء، ولا رفيق للدرب عند انحناء الظهر وشيب الشعر، فالجميع كأنه لا يرى، لا يسمع، لا يتكلم.



كُتبه وأبحاثه متراصة أكوامًا فوق بعضها البعض، تحاصرها الأتربة من جميع الاتجاهات، أما عن الطعام فكاد أن يُفسد، أواني الطهي غير صالحة للاستخدام الآدمي يأكلها الصدأ.



"معروف أنه رجل فاضل ومحترم".. هكذا وصف عم خاطر "بواب العمارة" وإمام مسجد الرحمن، الدكتور عبد الحميد متولي، الذي يعرفه منذ 3 سنوات فقط، مؤكدًا أنه منذ أن عرف الشيخ وجده لا يحبذ الاختلاط بأحد، لا يتكلم مع أحد، لا أحد يزوره، لا أحد يعلم ما به سوى الله، فهو دائم السكوت، لا يتذكر شيئا سوى كُتبه المتراصة، لديه فقط ابن أخ يسكن بالطابق الذي يليه مباشرة، لكنه وحيد.



"القرآن الكريم صالح في أي مكان وأي زمان، في وصية للخير والبعد عن الشر".. هكذا بدأ يتكلم بصعوبة بالغة، عندما تم توجيه سؤال له عن دور القرآن الكريم.



"ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء".. كلمات لو يتأملها الجميع جيدًا، لما كان هذا هو حال عالم جليل لا يستطيع السير على قدميه جيدًا، وأصبحت المشاعر متبلدة كالثلج، وإلى متى يستمر مسلسل إهمال العلماء.



الجريدة الرسمية