سلمت راية قلبي بـ «نظرة»
في طريقي المعتاد الذي أسلكه للمنزل، حيث الحياة الاعتيادية، والعادات المألوفة، والتعاملات الرسمية، وربما الكلام المنمق وكأنك في اجتماع دبلوماسي رسمي، وبينما أخطو صوب ذاك المستقبل القريب مشوه المعالم مجهول الهوية، استوقفتني نظرة وقعت على خاطري كأنها صاعقة رقيقة، وما أدراك كيف ترق الصاعقة، بيد أنها أعادت شريط قصة أمامي وكأنه فيلم أبدع مخرجه وأبطاله وفشل الجمهور في تقييمه.
تلك النظرة التي لم تتلاق فيها العيون، بل تعانقت الأرواح، جراء لهفة القلوب للقاء العاشقين، تسمرت أمام تلك الهمسات الهائمة، أمام مشاعر لم يأبه من يكنها لا لزمان ولا للمكان، أزاحوا الطرف عما سواهما، وكأن العالم قد هُجر ولم يبق في أركانه سوى نفحات مشاعر صادقة أذابها الشوق.
نظرات لم تدم سوى لحظات، بيد أن لحظاتها قد أطاحت بسنوات العمر، وبقيت رغم أنف من أقروا زيف المشاعر.
في تلك اللحظة تحديدا راودتني ذكراك، وكأنني أشهد إحدى لحظاتنا الحالمة، تذكرت لحظات أقحمتها بإرادتي في دائرة النسيان، طرحتها منذ زمن، أتذكر أن الشجاعة لم تراودني حينها بالحد الكافي لرفع عيني ومخاطبة عيناك، لم أجرؤ أن أترك قلبي يلقي السلام والتحية، بيد أن عينيك ما استسلمت قط، إلى أن رمقتك بنظرة مشوبة بعتب رقيق على استحياء، حينها سلمت راية قلبي حينما أعلنت عيناي الاستسلام لسحر لم أرقبه من قبل، وكأن نسمات لألحان عذبة قد اجتاحتني؛ أدركت حينها بأن روايتي على وشك أن يُخط أول سطورها، لم آبه حينها بالفصول القادمة ولا الأحداث الغابرة.
لم أكن أرغب حينها في أن أقر بإحساسي وما أكنه، ألم أعلم حينها بأن عين المرء عنوان قلبه؛ تفشي أسراره شاء أم أبى!
أفقت فجأة من دوامة أفكاري ونهر ذكرياتي الراكد، وتداركت الموقف سريعا، ابتسمت ابتسامة ظن العاشقان بأنني أساندهما، لم يعلما بأن قلبي يخفق خشية النهاية!
أكملت دربي في نفس المسار الرتيب للمنزل، وما إن وطأت قدماي بابه حتى أزحت عني كل تلك المشاعر التي أثقلتني، والتي لا يبالي بها أحد سواي، فمرور تلك المشاعر بهذه المدينة كتدنيس للبقاع المقدسة- وما أرضهم ببقاع مقدسة ولا الحب كان يوما تدنيسا-ويالها من فلسفة آثمة!
مرت أيام ولا زال وصال الحب يداعب مشاعرهما؛ حتى أحسست أن روايتي تُعاد من جديد، لم أكذب حدسي مطلقا وقد كانت النهاية!
دموع ساخنة تتساقط وكأنها تستجدي القلب أن يرق، أو أنها تستحلفه بأيام خوال، بلحظات تبادلا العهود، سلسلة لا تنتهي من مقدمات النهاية؛ تسلسل متوازن حقا! " أنت، كنت، هِنت" كلمات تمثل القصة بمحاورها ومراحلها المختلفة؛ كلمات تثبت صحة أن "ما كان قد هان".
بادرتني في تلك اللحظة مشاهد قصتي وكأنها وقعت بالأمس القريب، لم أكن أدرك حينها أن السيناريو لا يكتمل إلا بوجود كواليس، ولكل قصة كواليسها، بيد أننا تغاضينا عنها إلى أن غدت هي القصة ذاتها.
رأيتك الرجل الوحيد في أعطاف الكون الذي أئتمنه على قلبي، ولن يخون، بيد أنني لم أتدارك أن للميثاق ثغرات، ولولا تلك الثغور ما استطاع المُدان أن يغدو دائنا.