حكايات عمرو موسى
سألت الراحل مصطفى كامل مراد، زعيم أول حزب معارض في التجربة التعددية الثانية: لماذا لا تكتب مذكراتك عن ثورة يوليو؟.. أجاب بهدوء: لأنني لا أمتلك الشجاعة على الكذب!!
وشرح لي الرجل قائلا: لقد قرأت كل من دون مذكراته عن ثورة يوليو، فاكتشفت أنني وسط عالم من الأنبياء ليس من بينهم قادر على الاعتراف بالحقيقة كاملة، فكلهم ظهروا في مذكراتهم على غير حقيقتهم!!
تذكرت ذلك عندما قرأت خبرا عن صدور مذكرات واحد من أهم الدبلوماسيين المصريين والعرب وربما والعالم، وهو السيد عمرو موسى الذي عاصر فترات تاريخية هامة، وكان مثالا يحتذى في العمل الدبلوماسي على مدار عقود طويلة أدى فيها أدوارا مهمة، وشارك في أحداث كثيرة ذات أهمية على كافة المستويات العربية والأفريقية والدولية واستطاع منذ نعومة أظافره أن يكون صاحب طريقة، وواحدا ممن لن تنساهم الدبلوماسية المصرية والعربية.
ولأنني لم أقرأ المذكرات بعد، فإن ما أكتبه لاعلاقة له بما سيذكره السيد عمرو موسى في مذكراته، وإنما له علاقة بالذهنية العربية التي لم يكتب فيها حتى تاريخه، مذكرات بالمفهوم العلمى الصحيح المتعارف عليه في الوقت الذي خطت خطوات كبيرة في التقدم عندما يتعرى صاحب المذكرات أمام التاريخ ويكتب قاصدا الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة.
عاشت "الأيام" للعملاق طه حسين لأنه تأثر كثيرا بكتابات الغربيين عن أنفسهم وحياتهم، فجاء صادقا فيما كتب، والصدق يعيش طويلا ولا يغادرنا برحيل صاحبه، لذا فإن فن كتابة المذكرات في الغرب يختلف عنه في الشرق.. ومن أجل ذلك فإنني أتوقع أن أقرأ سطورا تخفي أكثر مما تعلن، خاصة وأن السيد عمرو موسى عمل في ملفات لا يزال عدد كبير من أطرافها على قيد الحياة، إضافة إلى أن الملف العربى أثناء قيادته للجامعة العربية لو ذكر الحقيقة كاملة فقد يقلب عروشا لا يمكن لها أن تقوم مرة أخرى.
مهاترات القمم العربية وحدها كفيلة بأن تكشف عورات أنظمة ودول وعروش وممالك، خاصة في فترات غزو الكويت وما بعدها، وتواصله مع القادة العرب ممثلا لمصر ولجامعة الدول العربية في فترات تاريخية مهمة للغاية.
واليقين أن عمرو موسى لديه ما يقوله للناس، فقد بدأ عمله الدبلوماسي منذ عام ١٩٥٨، وتقلد العديد من المناصب حتى وصل إلى أعلى السلم الدبلوماسي المصري بتوليه وزارة الخارجية، ثم وصوله إلى أعلى السلم الدبلوماسى العربي بتقلده منصب أمين عام جامعة الدول العربية، أي أن لديه أكثر من نصف قرن قضاها بين دهاليز الدبلوماسية المصرية العريقة، وعايش فترات تاريخية حساسة وكان جزءا لا يتجزأ من وقائع مصرية وعربية غاية في الأهمية.
والأهم أن صدور هذه المذكرات في هذا التوقيت، قد يضع النقاط فوق الحروف على عدد من الوقائع التاريخية المربكة، وسوف يعيد تنشيط الذاكرة العربية في عدد من القضايا التي أثارت الجدل حولها في حينها، وأظن أن ما سوف تحمله ذكريات عمرو موسى، قد يثير الجدل لفترات طويلة بسبب المراحل التاريخية التي سيتعرض لها في الجزء الأول من ذكرياته!!