القضاء الإداري: تعذيب الشرطة للمواطنين جريمة لا تسقط بالتقادم
أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة مبدأ قضائيا بحظر التعذيب، وقالت إن الضابط الذي يرتكب التعذيب على أحد المواطنين بمناسبة وظيفته فان هذا التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لمخالفته أصلا من الأصول المتعلقة بحقوق الإنسان، لذا فإنه يتحمل قيمة التعويض من ماله الخاص وليس من مال وزارة الداخلية باعتبار أن التعذيب يمثل خطأ شخصيا يتجاوز حدود المخاطر العادية للوظيفة الأمنية.
وأضافت المحكمة عن مبدأ التزام الشرطة بحماية ورعاية حقوق الإنسان: "المشرع الدستوري لأول مرة في الدستور المعدل لعام 2014 أولى إلزام العاملين بجهاز الشرطة بحماية حقوق الإنسان، كما أنه يتوجب إحالة أي مخالف إلى القضاء الجنائى لمحاكمته جنائيًا عن واقعة التعذيب بحسبانه سلوكًا ماديًا وفقا لنموذج التجريم يخرج عن قيم المجتمع المحروسة من المشرع ، فضلًا عن وجوب قيام وزارة الداخلية بمحاسبته تأديبيًا عن هذا الفعل الذي يخرج خروجا صارخا عن مقتضيات واجبات ضابط الشرطة المنوط به كفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين والسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة والالتزام بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات والاحترام لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية".
وذكرت المحكمة برئاسة الدكتور خفاجى عن مفهوم الأمن كشراكة بين جهاز الأمن والمواطن لمواجهة ظواهر الإرهاب: "إن مفهوم الأمن في الفكر الحديث تحول من منظور ضيق كان مقتصرًا على جهاز الشرطة إلى نظرة أعم وأشمل جعلت منه مسئولية قومية يشارك فيها كل أفراد المجتمع إذ أضحى مفهوم الأمن شراكة بين كل أجهزة الدولة وكافة قطاعات الجمهور والمنظمات الأهلية، وتعتبر العلاقة بين الشرطة والجمهور من أهم القضايا الأمنية لأن مساهمة الجمهور في حفظ الأمن وتعاونه مع الشرطة يعد من مقتضيات الفعالية لكشف الجريمة خاصة أن الإحصاءات العالمية تؤكد أن عدد الجرائم المقترفة يفوق إلى حد كبير عدد الجرائم المكتشفة الأمر الذي يبرز أهمية وضرورة التعاون الوثيق بين الشرطة والجمهور فيتحقق الأمن وما يقتضيه ذلك من وجوب إتمام العلاقة بينهما بالحميمية بدلًا من افتقارها إلى التفاهم والتعاون وسوء الظن إذ يجب على رجال هيئة الشرطة المنوط بهم حماية أرواح وأموال المواطنين عدم الاعتداء بالتعذيب أو بما من شأنه أن ينال من كرامة الإنسان لأن القيام بذلك يبث الكراهية في نفوس المواطنين تجاه رجال الشرطة بحسبانهم المنوط بهم إغداق حمايتهم وليس اقتراف تعذيبهم أو النيل من كرامتهم فرجل الشرطة حينما يخطئ أو يسلك مسلكًا معيبًا فإنها يؤدي إلى انعكاسات سلبية على علاقته مع المواطنين ويجب مواجهتها بحسم وردعها بالكيفية التي تتناسبمع خطورتها لأن الأصل أن الشرطة تؤدى وظيفتها في خدمة الشعب باعتباره واجبا دستوريا يبلور رسالة الشرطة في علاقاتها بالشعب لهذا كان لزامًا أن تكون ممارستها تحت إشراف السلطة القضائية ضمانا لعدم إساءة استخدامها".
وأوضحت المحكمة في سبيل نفيها لواقعات التعذيب لضباط جهاز الشرطة: "إنه نظرا لخطورة الآثار المترتبة على التعذيب لمستقبل الضابط فإنها يلزم إقامة الدليل عليه وإذ يطلب المدعى في الدعوى الأصلية بإلزام وزير الداخلية بصفته أن يؤدى له مبلغا مقداره مائتى ألف جنيه تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابته من جراء ما ذكره من قيام الضابط محمد أحمد زايد بمديرية أمن البحيرة بتعذيبه تأسيسا على مسئولية المتبوع عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها ومتى كان الثابت بالأوراق أن المدعى نسب إلى الضابط محمد أحمد زايد رئيس مباحث إيتاى البارود آنذاك أنه قام بتعذيبه وأنه حرر عن هذه الواقعة محضر رقم 5397 إداري إيتاي البارود وذكر في عريضة دعواه أن النيابة العامة قامت بحفظ هذا المحضر لعدم كفاية الأدلة وقد كلفته المحكمة على مدار عدة جلسات أن يقدم بكافة طرق الإثبات ما يفيد تعرضه للتعذيب وصرحت له باستخراج صورة رسمية من التقرير الطبى الذي قدم صورة ضوئية منه غير ممهورة بخاتم الجمهورية أو بأى خاتم للمستشفى إلا أنه لم يقدم هذا أو ذاك مما لا تطمئن معه المحكمة لهذه الورقة المرسلة، وأن أمر الحفظ الذي تصدره النيابة العامة بعد قيامها بأي إجراء من إجراءات التحقيق هو في صحيح القانون أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بمجرد صدوره وله حجيته في مواجهة كافة الخصوم في الدعوى، ومقتضى هذه الحجية امتناع العودة إلى الدعوى إلا في الحالات وبالكيفية التي قررها الشارع في المواد 210، 211، 213 من قانون الإجراءات الجنائية، ولو جاء الأمر في صيغة الحفظ الإداري، وسواء كان مسببًا أم لم يكن".
وأشارت المحكمة في سبيل قطعها بالنفى بأن وزارة الداخلية لم يصدر من أي جهاز فيها ثمة تعذيب لأحد: "وإذ كان الأمر كذلك فإن ادعاء المدعى أنه قد تعرض للتعذيب على يد الضابط المذكور دون أن يقيم الدليل عليه وعجز عن إثبات دعواه رغم تكليفه بذلك عدة جلسات ، حال أن النيابة العامة قد حفظت المحضر المشار إليه لعدم كفاية الأدلة فإن ادعاءه - والحال كذلك- يكون مرسلًا وينتفى معه ركن الخطأ في جانب وزارة الداخلية بحسبانها المتبوع المسئول عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى ثبت في حقه وكان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها وهو ما خلت الأوراق من ثبوته وتنهار معه باقى أركان المسئولية، ويضحى طلب المدعى بإلزام وزارة الداخلية بالتعويض قائما على غير أساس سليم من الواقع أو القانون مما يتعين معه الحكم برفض الدعوى".
واستطردت المحكمة أن الأعمال القضائية لا يجوز التعويض عنها ومنها قرارات النيابة العامة: "وإنه لا يحتاج في هذا المقام، ما ذكره المدعى من أن قرار النيابة العامة بالحفظ فيه إجحاف بحقوقه، ذلك أنه كان بإمكانه التظلم منه لدى النائب العام وفقًا للإجراءات المقررة قانونًا، فضلا عن أن المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا وقضاء محكمة النقض أنه لا يجوز التعويض عن أعمال السلطة القضائية سواء الأحكام الصادرة في الدعاوى الجنائية أو التأديبية وكذلك الإجراءات المتعلقة بعمل النيابة العامة بوصفها قرارات قضائية ينحسر عنها وصف القرارات الإدارية فإجراءات التحقيق والمحاكمة وما تبعه يعتبر من قبيل الأعمال القضائية التي لا يجوز المطالبة بالتعويض عنها.
واختتمت المحكمة في معرض تأييدها لموقف وزارة الداخلية في دعوى الضمان الفرعية المقامة منها في سلامة موقفها في رعاية حقوق الإنسان: "إنه عن دعوى الضمان الفرعية المقامة من وزير الداخلية بصفته ضد الضابط المذكور لتحميله في ماله الخاص ما عساه أن تحكم به المحكمة في الدعوى الأصلية فإن المستقر عليه قضاء أن دعوى الضمان الفرعية هي دعوى مستقلة بكيانها عن الدعوى الأصلية ولا تعتبر دفاعًا ولا دفعا فيها وإن لكل منها ذاتيتها واستقلالها بما ينبنى عليه أنه يجوز للمضرور أو طالب الضمان أن يطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية استقلالا دون انتظار الفصل في طلب الضمان".
كما أن المادة (120) من قانون المرافعات لم تلزم المحاكم بالفصل في الدعوى الأصلية بطلب التعويض وفى طلب الضمان فجاءت صياغته بأن يقضى في طلب الضمان وفى الدعوى الأصلية بحكم واحد كلما أمكن ذلك وإلا فصلت المحكمة في طلب الضمان بعد الحكم في الدعوى الأصلية، ولما كانت وزارة الداخلية في دعوى الضمان الفرعية تبتغى الحكم بإلزام المدعى عليه لتحميله في ماله الخاص ما عساه أن تحكم به المحكمة في الدعوى الاصلية، ولما كان ما تقدم وكانت المحكمة قضت برفض الدعوى الأصلية في هذه الدعوى لعدم ثبوت أية وقائع تعذيب، ومن ثم فلا يوجد ثمة نزاع ثائر في الدعوى الفرعية بينها وبين المدعى عليه فيها ، وبهذه المثابة فقد انتفى النزاع بينهما، الأمر الذي تقضى معه المحكمة بعدم قبول هذه الدعوى الفرعية لانتفاء النزاع فيها.