رئيس التحرير
عصام كامل

إعلام الرئاسة والرئيس


فيما يبدو أن معظم الزملاء الذين يكتبون أو يتكلمون عن نشاط الرئاسة يعتقدون أن مهمتهم هي الكتابة عن شخص الرئيس وصفاته النبيلة، أو تبرير كل ما يصدر عن المؤسسة، أو تفسير معنى القرارات التي تصدر ثم يتم التراجع عنها، أو حتى تعديلها فيما بعد، وليست مهمة الزملاء المرافقين للرئيس في جولاته الخارجية هذا النفاق الذي جعل المتلقي يفقد المصداقية حتى في الأخبار الصادقة، وأحيانًا تكون المبالغة أسوأ من الكذب ذاته، كما كتب أحد رؤساء التحرير المعينون حديثًا إن قادة "بريكس" في انتظار خطاب الرئيس، أو إن خطاب الرئيس هو أهم ما قيل في تلك القمة، أو إن رؤساء الدول الكبرى يتطلعون للقاء الرئيس، وبالطبع لا يختلف المانشيت عن التقرير التليفزيوني لدرجة أن راديو مصر قطع إرساله وبث موسيقى مزعجة ثم خبر عاجل ثم موسيقى مزعجة وكان الخبر رئيس فيتنام يستقبل الرئيس السيسي..


وبدأنا نرى الكبار يزاحمون الزملاء المندوبين ويقومون بعملهم في التغطية الإخبارية المتأخرة عادة عن السياق، بل إن الطريقة القديمة في تسجيل أنشطة الرئيس لم تعد تغري أحد بقراءتها أو مشاهدتها طالما يتم بث الأنشطة على الهواء مباشرة، وللأسف لا تختلف معالجة تلك الأنشطة سواء كان الرئيس يلتقي مع رئيس دولة كبرى أو صغرى، ويصرون على استخدام العبارات المحفوظة منذ زمن الحرب الباردة كبحث العلاقات الثنائية والأخوية وبحثوا مشكلة الشرق الأوسط، وغيرها من التعبيرات التي لم تعد مناسبة للمرحلة ولا لجهود الرئيس الذي يتدخل بمهارة في أدق تفاصيل المشكلة.

وأي قراءة منصفة لتغطية معظم الصحف المصرية لزيارة الرئيس الأخيرة سيكتشف أنها متطابقة، وليس هناك أي اختلافات حتى في العناوين، حيث زاحم رؤساء التحرير المندوبين في كتابة التقارير التي تعتمد بالأساس على تصريحات المتحدث الرسمي والالتزام بها حرفيًا، حتى الصور المرافقة للتقارير نفسها التزامًا بالصور التي يوزعها إعلام الرئاسة.

وتغيب عن هذا الإعلام التغطيات الكبرى للقضايا الداخلية والخارجية المرتبطة بالزيارة كما كان يفعل قديمًا هيكل ومكرم ونافع وسعدة من شرح وتفسير ودلالات أنشطة الرئيس سواء الداخلية أو الخارجية، وكانت تلك التغطيات المهنية تضيف للقارئ وللرئيس نفسه، وكان الرؤساء السابقون يستفسرون عن بعض الأحداث من الإعلاميين المرافقين لهم، ومع التعددية الموجودة الآن تغيب صحافة وتليفزيون المعارضة عن أنشطة الرئاسة، مما يدفع المعارضة للغلو والشطط في تفسير كثير من أحداث وأنشطة الرئيس والرئاسة، وأغلب الظن أن الرئيس لن يضيره وجود إعلام متنوع لأنشطته لأن عدم وجود هذا التنوع والمهنية ربما يضران بنشاط مؤسسة الرئاسة والرئيس، وينفر القارئ من إعلام الرئاسة تمامًا.

وعادة ما تأتي وفود إعلامية أجنبية قبل زيارات الرئيس لبلدانهم يحاورون بمهنية الرئيس، مما يساعد رؤساءهم في تكوين انطباع عن الرئيس الزائر، عكس ما يفعله الزملاء هنا من إرسال الأسئلة ثم السفر للتصوير فقط مع الرئيس الأجنبي.

وفي كتاب زيارة جديدة للتاريخ لهيكل دروس مجانية لمتعة التعليم في حوارات الرؤساء الأجانب، وكيفية جمع المعلومات من مصادر حقيقية، قبل ظهور جوجل وأشقائه، وكان لدى الرجل القدرة على الوصف التصويري في عصر ما قبل التليفزيون، ولهذا استحق الرجل لقب الأستاذ عن جدارة، وأن يعيش رغم الحب أو الكره فهو مهني كان يضيف للرؤساء وليس العكس، ولكنه للأسف لم يخلق مدرسة مهنية أو يترك تلاميذ ربما لأنه لم يكن لديه الوقت عكس مدارس أخبار اليوم وروزا.

ولمعرفة الفرق يكفي القول إن السادات كان حوله إعلام بحجم أنيس منصور وموسى صبري وصبري أبو المجد وصلاح حافظ وبهاء وعلي حمدي الجمال، وكان حول مبارك نافع وسعدة ومكرم ومحسن محمد، وفِي كل العصور كانت القمم الإذاعية والتليفزيونية تخدم على سياسات مصر ونشاطات مؤسسة الرئاسة والرئيس، ويكفي أن نعرف أن خطاب السادات بالكنيست كتبة موسى صبري والباز وبطرس غالي، وكان حول مبارك صحافة وتليفزيون في البداية تعينه كموسى صبري وسعيد سنبل وإبراهيم سعدة وإبراهيم نافع، وشعراء كالأبنودي ومستشارون كالباز، وقمم في البرلمان والأحزاب والوزارة والجامعات والنقابات كلهم أسهموا في استمراره بالحكم طويلا.

وفِي ظني أن الرئيس السيسي في أمس الحاجة لإعلام مهني عاقل ومبدع ومثقف يليق بطموحاته ونشاطاته أكثر من الأذرع الموجودة الآن لأنها بصراحة مع كل الاحترام لقدراتهم لا يليقون بتسويق نشاط الرئيس ولا مؤسسة الرئاسة.
الجريدة الرسمية