محمد عبد الوهاب يكتب: بليغ.. ملحن الشارع
في مجلة الكواكب عام1980 كتب محمد عبد الوهاب مقالا عن الموسيقار بليغ حمدى (رحل في 12 سبتمبر 1993) وصفه بأنه ملحن الشارع قال فيه:
بليغ حمدى ملحن موهوب.. لماح، وقد أبدع جملا موسيقية على مستوى رفيع من الجمال.. وعندما يعثر على جملة جميلة يستطيع بذكائه أن يستغلها أكبر استغلال، فهو يلح عليها ويعيدها ويبرزها ويعصرها عصرا حتى يلفت أذن المستمع إليها.. فيصادقها ويحفظها.
وبليغ تاجر في فنه وليس تاجرا في حياته الأخرى.. وعندما يجد الجملة الجميلة يتصور بأنه وضع يده على عمل فنى يستحق الظهور بسرعة.. ويزيد في رصيد فنه وماله، فلا يعبأ بما يحيط هذه الجملة.. فالمهم أن العمل يخرج إلى الناس ويقبض الثمن.
لذلك فهو يضع للجمل الجميلة أي شيء.. أي كلام لا يهمه العمل ككل.. ما دام يضمن أن هناك جملة سترضى الناس.
فمثلا إذا أعطينا جملته الموسيقية عشرة على عشرة، يمكننا أن نعطي الإطار الذي قدمت فيه هذه الجملة اثنين من عشرة،، لذلك نجد أن الفرق كبير وواضح بين الجملة الجميلة في عمله وبين ما أضاف عليها.. والحكمة تقول: وبضدها تتميز الأشياء، ولذلك نرى أن إطار الجملة وما أحيط بها أو ما قدم بها لا شيء.
وبليغ ملحن صالون وشارع.. ولكنه ملحن شوارع أكثر.. وبليغ عنده تجاهل لألحان الآخرين، فهو لا يحس بجمال غيره ولايريد أن يحس بهذا الجمال، إذا ما مدحته في حضوره انتفخ كالديك الرومي وقال من غير أن يقول: هل من مزيد.. فبليغ ليس فيه خجل الفنان الكبير.
وبليغ تجاري في فنه مع ما يستلزمه ذلك من السرعة وعدم التأمل في تركيب العمل ككل.. لذلك تحس بأن عمله عبارة عن مونتاج.
وعندما أسمع لبليغ خاطرا جميلا أشعر بأنه ليس صاحب الفضل فيه وإنما جاءه الخاطر بلا تعب.. وعندما يريد بليغ وضع هذا الخاطر في عمل ويجئ دوره كمبدع بتفكيره وعنائه وتأمله أشعر بالفرق بين الخاطر الذي جاءه هكذا، والعمل الذي صاغه من نفسه.