لمصر.. لا للسيسي
في مصر، كما الدول المسماة عالما ثالثا، نشهد كل صباح، مع كل إشراقة شمس تقريبا.. محاولة للتزلف والتقرب من السلطة الحاكمة.. محاولات يصفها أصحابها بأنها مبادرات، أو حملات.. ويحرصون على اختيار الكلمات والصفات التي تعبر عن الوطنية والانتماء والولاء للوطن.
تلك الظاهرة لم تكد توقف إلا في فترات الأزمات.. مثلما كان الوضع أثناء ثورتي 25 يناير و30 يونيو.. لكن من عاصروا عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر عرفوا هذه المحاولات.. ومن عاشوا أيام الرئيس الراحل أنور السادات عاصروها أيضا.. وبطبيعة الحال فإن أبناء الجيل الحالي عانوا كثيرا من نفاق العديدين للرئيس الأسبق حسني مبارك، والسعي لتعيينه رئيسا مدى الحياة، وإمعانا في النفاق أقنعوه بترشيح ابنه جمال مكانه، كأن الكنانة قد عقمت.
محاولات هذه الأيام تختلف في أن من يدشنونها، في معظمهم، جدد.. لم يكونوا على الساحة في عهد مبارك.. أيضا فإن بعضهم يُكِنُّ في قلبه صدقا، ورغبة حقيقية في الإصلاح.. وهم يرون أن الإصلاح لن يتحقق إلا في وجود الرئيس عبدالفتاح السيسي على رأس السلطة في مصر.
أنا لا أقارن بين هؤلاء وأولئك.. وأشهد بأن الرجل من أكثر من حكموا مصر نزاهةً وشرفًا، وترفعًا عن المنصب، وزهدًا فيه، ومن أشدهم رغبةً في نهضة وتنمية مصر.. وأتمنى فعلا أن ينال فرصة الرئاسة لفترة ثانية.. لكن ليس بمثل تلك الأساليب.. ومطالبات "المنافقين" بالترشح، ولا من خلال المناداة بتعديل الدستور لزيادة فترة الرئاسة إلى 6 سنوات، وفتح مدد الترشح.. هذه المطالبات تسيء للرئيس، ولا تخدم مصر.
الرئيس السيسي يحتاج ممن يطالبون بترشحه ثانية إلى بذل المزيد من الجهد والإخلاص في العمل، والتوقف عن الفساد والإفساد، وتغيير ثقافة الاستثناءات التي دمرت الشباب، وزادت من معدلات البطالة بين الخريجين، فلا يحصل على وظيفة مرموقة أو محترمة إلا أصحاب الحظوة.. مما دفع بعضهم للانتحار، وجلَّهم إلى الإحباط والاكتئاب.
أما الدعوات إلى تعديل الدستور للأغراض، التي أسلفتُها، فإنها لا تصدر إلا عن نفوس مغرضة، وعقول لم تعد تواكب الزمن والتطور الذي لحق بمصر والمصريين، وتحركها الرغبة في إفساد ما حققناه من خلال ثورتين، وعبَّر عنه الرئيس نفسه في أكثر من مناسبة.. هل تناسى هؤلاء أن الرئيس السيسي كان رافضًا تمامًا للترشح للرئاسة، وأن الضغوط الهائلة التي مارسها الشعب، بكل حب، وأمل في التغيير للأفضل، هي التي اضطرته للنزول إلى رغبة المصريين، وقبول التحدي؟!
خلاصة القول إن علينا وضع مصلحة مصر نصب أعيننا.. وأن تستهدف كل الدعوات والمبادرات والحملات مصلحة البلد، وأن تتوقف عن استخدام اسم الرئيس في مسمياتها، مع التركيز على وضع خطط محددة، وآليات للتنمية، وخدمة المجتمعات المحيطة، و"الغلابة" في كل بقعة من أرض الوطن، وتوفير فرص للعمل والاستثمار، ونظافة الشوارع، وتجفيف منابع الإرهاب.
أزمتنا في الازدواجية.. نرفع أصواتنا بالغناء في حب مصر، وإطلاق الشعارات الرنانة، ونمد أيدينا لالتقاط الرشى، وممارسة الخطايا، وارتكاب الرذائل في حق البلد الذي نعلن عن حبه واحترامه.. ونطالب رئيسه بالبقاء مدة ومدد جديدة، أو مدى الحياة، وتوسيع صلاحياته من أجل استكمال إنجازاته.. فارق رهيب بين السر والعلن.. بين شخصياتنا في المسجد والمكتب.. في المنزل والشارع.. في معاملاتنا مع الناس ومع الله.. مع المواطن والمسئول الكبير.
أحد "الناشطين" بكى أثناء حواري معه، وهو يتحدث عن مصر وعشقه لها، وكفاحه ضد الفساد رغم إصابته الخطيرة في ظهره، وبعدها بسنوات أدين في قضية رشوة ضخمة، اهتزت لها الدنيا، وقضى فترة عقوبة خرج منها مؤخرا، رافعا علامة النصر بإصبعيه.. لم يتعلم، ولم يتعظ، بل يبدو أنه مصمم على استمرار "النصب".
مسئولة كبيرة، ألقي القبض عليها مؤخرًا بتهمة الفساد، تلقت رشوة عبارة عن رحلة حج 5 نجوم، تكلفت نحو 200 ألف جنيه (!!).. مقابل استثناء رجل أعمال من تطبيق القانون على تجاوزاته.
كثير من رجال الأعمال مسئولون بشكل مباشر عن الغلاء الذي يجتاح الأسواق، ويدفع معظم أفراد الشعب دفعًا نحو خانة الفقر، ويصيبهم بحالة غير مسبوقة من الإفلاس والعوز.. ولا يخجلون من ترديد الأسطوانة المشروخة من عشق مصر، وحب رئيسها.
الخروج من الأزمة في كلمة من خمسة أحرف؛ الصدق.. ليس في الحديث فقط، بل في التعامل، والسرائر، والنوايا، والتصرفات.. وأن يكون هدفنا هو مصر فقط؛ لأن الرئيس السيسي لن ينخدع، ولن يكرر أخطاء سابقيه، ولن يتحول في يوم من الأيام إلى ديكتاتور.