جني الذهب الأبيض.. «ضلمت يا قطن النيل» تقرير مصور
كان ياما كان.. كان هناك يومًا كنز يسكن الأراضى الزراعية في مصر المحروسة.. لونه الأبيض "يشرح" القلوب، وحصاده حقًا كان عيدًا منتظرًا من العام للعام، حتى أن موسم الزواج في كل القرى المصرية كان يرتبط دومًا بموسم جنيه، كان المصريون يلقبونه بالذهب الأبيض، فقيمته كانت لا مثيل لها وسمعته لا غبار عليها، فقد كان يومًا في الصدارة حينما يتعلق الأمر بالتصدير، ولكن كل هذا كان في الماضى ففرحة المزارعين بالقطن انطفأت منذ أعوام وأعوام وخفت بريق الذهب الأبيض، وازدادت وطأة الأزمة بعدما رفعت الدولة يدها عن زراعته لتترك الفلاح في النار تحت رحمة التاجر الذي يحدد قيمة المحصول وفقًا لرؤيته وما يمكن أن يجنيه من الأرباح.
حالة القطن في الفيوم هي جزء من كل.. لا تبتعد عن الحالة العامة للذهب الأبيض في المحروسة، فالمحافظة تزرع الاقطان من صنفي جيزة 90 وجيزة 95، على مساحة 13 ألف و92 فدانا، وهي مساحة تثير في النفس حزنًا لأنها لاتزيد عن زمام أي وحدة محلية بعد أن كان القطن يومًا هو الملك، وهذه المساحة تؤكد أن القطن اختفى من الخريطة الزراعية بقرى ومراكز الفيوم.
واقعة اختفاء القطن وخفوت ظهوره تزامنت مع اختفاء الدورة الزراعية التي كانت تلزم المزارعين بزراعة محصول بعينه، وهذا لا يعني أن المزارعين أنفسهم زهدوا في جمال الذهب الأبيض واتجهت قبلتهم نحو غيره من المحاصيل، ولكن هذا حدث لأن القطن محصول يتأثر بما حوله من محاصيل فلا يمكن زراعته بجوار البرسيم مثلا لأن الدود سيقضي عليه بين عشية وضحاها.
وابتعاد المزارعين عن زراعة الفول والبصل في الفيوم ألقي بظلاله على زراعة القطن، فالفول والبصل هما المحصولان الوحيدان اللذان يحمل عليهما القطن لأن عمرهما في الأرض قليل وينتهي مع موسم زراعة القطن في شهر مارس.
وبطبيعة الحال لا يزال التجار هم العامل الأساسي في تراجع مكانة القطن وزراعته، فبالرغم من أن الدولة حددت الأسعار الاسترشادية هذا العام بين 2100، و2800 جنيه للقنطار إلا أن التاجر لا يصل لهذه الأسعار بحجة أن رتب القطن المنتج متدنية، وبذور القطن طويل التيلة لم تعد متوفرة ولا يوجد سوى القطن الأحمر قصير التيلة.
ويأتى اختفاء القطن طويل التيلة وانتشار هذا القطن القصير بعدما خلط محلج سخا في الدقهلية بذورا أمريكية بالبذور المصرية الأطول تيلة، منذ عدة سنوات، وهو ما أدى إلى إنتاج فصيلة من القطن عاجزة عن المنافسة بسبب سوء حالة التيلة، وضاعت 10 سنوات من الأبحاث حاول خلالها علماء القطن إعادة السيادة إلى القطن المصري الأطول تيلة بعد أن اختفى من العالم وقد كان يومًا أشهر الأقطان على الإطلاق.