مأساة «الروهينجا» بين صراع النفط وتشنج المسلمين
فارق كبير بين أن يغير المرء على حرمات الله مخلصا، وبين أن يكون ذلك لهدف خفي في النفس، فالأول مأجور من رب العالمين، والثاني معذب في جهنم لأنه سلك دربا من دروب الشرك، وبعد الضجة التي يثيرها الإعلام الغربي هذه الأيام حول المذابح التي ترتكب ضد مسلمي الروهينجا في ميانمار، صار هذا الكلام ضروريا حتى يعرف الصادق من الكاذب.
ولا شك أنه من الواجب على كل مسلم أن يحزن بسبب المذابح التي ترتكب ضد مسلمي الروهينجا، وأن يسعى بكل طاقته لرفع الأذى عنهم وإلا أصبح مقصرا في الدين، ولكن شتان بين من يفعل ذلك لأنه يغار على أعراض المسلمين ودمائهم وبين من دفعه الآخرون دفعا كي يحزن ويغضب ثم يقف حائرا كيف وأين يفجر غضبه.
وبعيدا عن التشكيك في أن كل الصور التي تبثها وسائل الإعلام لمذابح مسلمي الروهينجا ليست حقيقية، وكذا بعيدا عن الخلاف حول توصيف الجريمة التي ترتكب في حق مستضعفين لا ناصر لهم إلا الله، هل هي إبادة عرقية أم حرب أهلية، يبقى سؤال أهم لماذا اهتم المسلمون فجأة بما يحدث لإخوانهم في ميانمار على الرغم من أن هناك مسلمين آخرين يواجهون نفس المصير وهم على بعد مرمى حجر ؟!.
وحتى نفهم طبيعة ما يحدث للروهينجا يجب أن نعرف أن بورما (ميانمار) هي إحدى بلدان الهند الصينية تقع في جنوب شرق آسيا، يحدها من الشمال الصين، ومن الجنوب خليج البنغال، ومن شرق الصين وتايلاند، ومن الغرب خليج البنغال وبنجلاديش.
ويسكن أغلب المسلمين في الجنوب الغربي لبورما في إقليم أراكان الذي يفصله عن باقي أجزاء بورما حد جبلي هو سلسلة جبال (أراكان يوما) الممتدة من جبال الهيمالايا. وتُقدر مساحة إقليم أراكان للأغلبية المسلمة بعشرين ألف ميل مربع، وعدد السكان في بورما يزيد على خمسة وخمسين مليونا أكثر من 20% منهم من المسلمين، والباقي من أصحاب الديانات من البوذيين الماغ، وغيرهم من الطوائف الأخرى.
عدد المسلمين في بورما يزيد على عشرة ملايين، يسكن خمسة ملايين ونصف مليون منهم إقليم أراكان، وهم يمثلون أكثر من 70% من سكان الإقليم، وهم أفقر الجاليات في بورما وأقلها تعليما ومعرفتهم بالإسلام متواضعة محدودة.
وقد دخل الإسلام أراكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن السابع الميلادي عن طريق الرحالة العرب، وانتشر الإسلام فيها حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها 48 ملكا مسلما على التعاقب لأكثر من 3 قرون ونصف قرن من بين عامي 1430 - 1784.
ثم وقع الاحتلال البوذي لأراكان سنة 1784، ومنذ ذلك الوقت والمسلمون يعانون من موجات اضطهاد لا تتوقف من قبل البوذيين، تعلو تارة وتهبط تارة أخرى وفي كل الأحوال يعاني الوينج وحدهم.
وبدأت الهجمة الأخيرة المستمرة إلى اليوم عام 2012، حين اعترض المسلمون على اغتيال عشرة من الدعاة المسلمين، قتلوا بوحشية فائقة وببشاعة لا يصل إليها خيال، وساعتها زحف الماغيون على قرى المسلمين ومنازلهم بالسواطير والسيوف والسكاكين، وبدأت حملة إبادة منظمة ضد المسلمين، وحُرقت القرى والديار، وفُتك بالمسلمين والمسلمات، وتجاوز عدد الضحايا -ضحايا المجازر- الآلاف، وتم تهجير الآلاف جماعات جماعات مما عرض الكثيرين منهم للموت والغرق، وتم تسميم آبار المسلمين ضمن خطة للتطهير العرقي.
ما سبق هو ظاهر الأزمة، ولكن ما هي الأسباب الحقيقية للهجمة الأخيرة التي لم تتوقف منذ أكثر من 5 سنوات وما الذي دفع الإعلام إلى الاهتمام فجأة بمسلمي الروهينجا على الرغم من أن مأساتهم تاريخها تجاوز الـ4 قرون؟!
الإجابة في كلمة واحدة «النفط» فوفقا لدراسة نشرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2011 تم العثور على احتياطيات من الغاز الطبيعي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات في خليج البنغال قبالة سواحل أراكان، وبالتالي فهناك عائد اقتصادي ضخم للغاية على السكان في هذه المناطق.
ومع عدم الاعتراف بالروهينجا كمواطنين كان من الطبيعي العمل ولو بالعنف والقوة على تحريكهم من تلك المناطق لينال آخرين ثروتهم التي ظهرت في أرضهم التي عاشوا عليها منذ قرون.
وفور الإعلان عن الثروة النفطية بدأت شركات من الصين والهند وكوريا الجنوبية بالتعاون مع شركة الغاز والنفط المملوكة للدولة في ميانمار في العمل على استخراجه، وهنا هبت دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة تسعى بكل قوتها لاحتكار نفط وغاز أراكان.
وفي سنة 2007 كتب بعض المحللين الفرنسيين، أن المصالح الفرنسية في ميانمار، وبالذات شركة توتال النفطية، هي المستهدفة من تحويل ماينمار إلى أرض معركة، لتأمين انسحابها وتخليها لمصلحة الاحتكارات النفطية الأمريكية ومنها شركة شيفرون بالذات.
لكن هذا كان عام 2007. أما اليوم، فنظرة إلى موقع ميانمار على الخارطة ومعرفة بطبيعة المشاريع والتسهيلات التي أقامتها الصين والتي من شأنها إدامة وتسهيل إمدادات النفط القادمة من إيران وشرق المتوسط عبر خليج البنغال تجعلنا نستنتج أن المستهدف الأول هو الصين ومن ثم الهند، سواء بالنسبة لموقعها الجغرافي أو لطبيعة التشابك الاثني والبشري مع ماينمار.
وهنا يبرز دور المخابرات الأمريكية التي تسعى بكل جهدها لإعادة إنتاج نسخة جديدة من الحرب السوفياتية الأفغانية، وتوريط الصين في حرب جديدة يتم فيها إثارة مسلمي الصين، وتحفيز نزعتهم الاستقلالية وهنا تبدأ المرحلة الفعلية من زج الصين في صراع طويل ومكلف ومن شأنه التأثير على قدراتها الاقتصادية.
ومن ناحية أخرى يتم تصدير المجاهدين الذين تمت إثارتهم عبر وسائل الإعلام إلى بورما وسائر جنوب شرق آسيا، لضرب الدول الشيوعية الملحدة وإنقاذ المسلمين، ثم تبدأ مرحلة البحث عن إقامة الخلافة الإسلامية، ويحاولون العائدون من هناك تطبق شرع الله في بلاد العرب، وتندفع موجه جديدة من الإرهاب الممول من الحريصين على نصرة دين الله لصالح غير المسلمين.
وفي النهاية.. لا أقصد من كلامي أن نتخاذل عن نصرة مسلمي بورما أو غيرهم، بل المقصود هو أن يكون غضبنا لله وليس لمصلحة أعداء الله، لأن رب العالمين لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا.