رئيس التحرير
عصام كامل

لا تمرض... ولا تطلب حضانة!


لا أحسب أن أمة تريد أن تنهض نهضة كبرى تهمل شأنا عظيما هو شأن الصحة، بحجة ضعف الإمكانيات، فكل حكومة تتولى أمر مصر تعلن في بداية مسئولياتها عن تطوير المنظومة الصحية، خاصة المستشفيات الحكومية، ونرى زيارات مختلفة للسيد وزير الصحة لمعظم المستشفيات، وتصريحاته المختلفة بالاهتمام بذلك القطاع الحيوي الذي يخدم المصريين، خاصة الطبقة الفقيرة منهم، لكن بعد فترة بسيطة لا نجد لهذه التصريحات وجودًا على أرض الواقع، حتى الرقابة ومحاسبة المهملين ما تلبث أن تنتهي بعد فترة بسيطة من تولي الوزير، ويعود الحال على ما هو عليه من الإهمال..


والغريب في هذا الشأن أننا نسمع عن حصول مستشفيات على معايير الجودة ومن بينها مستشفى حكومي، وفي الحقيقة أن هذه المستشفيات لا نظافة ولا أطباء ولا دواء، والعاملون بالمستشفيات الحكومية لا يهتمون إلا بثمن التذكرة على الأبواب، و"تقليب" أهالي المرضى "ليقبوا" بالمعلوم، وبالمرور في هذه المستشفيات الحكومية تجد أهالي المرضى على وجوههم الغضب من سوء المعاملة وضعف الإمكانات، ونرى القطط الكثيرة تلهو بحرية، وأما غرف العناية المركزة التي تحرص كل المستشفيات عليها، تجدها تعاني من الإهمال وغالبًا ما يوجد بها جهاز تنفس يتيم، وهو ما يعني أنه من الممكن أن تتدهور حالة أي مريض دون أن يشعر به أحد.

ومن مآسي المستشفيات المتكررة الحضانات التي لا يجدها غالبا الفقير، بينما يمرح فيها الغني، فعندما يحتاج الطفل حديث الولادة لحضانة، ويكون من أسرة بسيطة الحال يفاجأ الأب بعدم وجود أي حضانة في هذه اللحظات القاسية، ويظل الأب يتنقل بطفله من مستشفى إلى آخر دون جدوى، وقد يموت الطفل بين يديه وهو عاجز عن إنقاذه في لحظات لا تجد أسود منها في حياتك، وأسعار الخاص قد تصل إلى ألف جنيه في الليلة، وهو ما يفوق قدرة البسطاء بالقطع.

وأحيانا كثيرة تجد نقص الحضانات راجع للإهمال واللامبالاة، فمستشفى الزاوية الحمراء به سبع عشرة حضانة، لكن تم إغلاقها سابقا بسبب سقوط سقف الحضانات منذ 5 سنوات، ولم ينتبه أحد من المسئولين لترميه وإصلاحه منذ زمن، كذلك مستشفى المنيرة تم إغلاق واحدة والأخرى تعمل نصف تشغيل، ومستشفى الخليفة وبولاق تم إغلاقه لتهالك المباني، والحضانات الموجودة التابعة لوزارة الصحة عددها قليل لا يتعدى 100 حضانة في مستشفيات المنيرة والخازندارة وشبرا العام ومنشية البكري.

والحضانات تحتاج إلى خبرة تمريضية كبيرة، حيث هناك أطفال يحتاجون إلى محضن فقط يشمل غذاء وحرارة، وهناك من لديه عيوب خلقية أو مشكلات في القلب فيحتاج إلى جهاز التنفس، فلا تجد هذه الخبرات سوى في القطاع الخاص، فالممرضة كانت تحصل على 95 قرشا في النوبتجية تم رفعها إلى 18 جنيها، أما في القطاع الخاص فتحصل على 200 جنيه، فالحل يكمن في استقطاب خريجات دبلوم التجارة وعمل دورات تدريبية لهن لمدة 6 أشهر وإعطائهن شهادة لممارسة المهنة، سبق وأن قامت مستشفيات قصر العيني بتطبيق تلك التجربة ونجحت فيها.

وترجع مشكلة الحضانات في المقام الأول إلى عدم وجود إدارة معنية بقسم الحضانات في وزارة الصحة ترصد عدد الحضانات على مستوى الجمهورية، فهذا الجزء الفني الخطير بمثابة الرعاية المركزة مع الفارق أن الرعاية بها مريض يسمعه الطبيب ويعرف ما يؤلمه، أما الحضانة ففيها طفل رضيع لا يستطيع الكلام، إنما اجتهاد الطبيب يكون شخصيا بناء على التحاليل والكشف الذي قام بإجرائه.

والمستشفيات الحكومية تعاني نقصا شديدا في الأدوية والاحتياجات اللازمة، وهو الأمر الذي يضطر معه أهالي المرضى إلى شرائها من الخارج، كما أن أغلب المرضى لا يستطيعون إلا الانتظار لحين توافر الأدوية بالمستشفيات وهو أمر يطول كثيرًا، وهناك صرخات وآهات متتالية تتردد داخل مستشفيات الحكومة دون أن تجد من يستجيب لها، فالأطباء غير متواجدين ولا يمكن العثور عليهم، ويضاعف من المعاناة التعامل الجاف من قبل الممرضات، ولذلك الأمر يحتاج إلى وقفة سريعة، فما يحدث الآن بعيد كل البعد عن وصف المستشفيات الحكومية بأنها مكان صالح لعلاج المرضى.
الجريدة الرسمية