رئيس التحرير
عصام كامل

«رشا» فتاة عاجزة عن الحركة محبة للحياة بكل صعوباتها

فيتو

وسط الزحام بإحدى محطات مترو القاهرة، إذ بفتاة ثلاثينية تضع يدها على كتفي تطلب مني المساعدة، ونظراتها مليئة بالخجل والحزن، لكني لم أفهم في البداية عن أي مساعدة تريد وبعد لحظات رأيت كرسيا متحركا، فعلمت حينها أنها من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي تود المساعدة في صعود السلم لتخرج من المحطة، ولسوء حظها تعطل مصعد المحطة المنقذ الوحيد لها في الصعود، وحينها قررت طلب المساعدة.


وبينما أحاول أنا وصديقتي حملها إذ برجلين تظهر عليهما ملامح الشهامة يعرضان المساعدة بحمل هذه الفتاة، فنظرت الفتاة لهم وجعلتهما يرددان "انتي زي أختنا الصغيرة متتكسفيش"، وحملا الفتاة وفي هذه اللحظة كانت تبتسم من الفرحة، فهي تشعر أنها فراشة محمولة على الأكتاف، وفي لحظة تغير كل شيء، إذ بسيدة تنطق لتكسر فرحة هذه الفراشة قائلة "ما تنجزي يا أختي إنتي طالعه تتمخطري وإحنا ورانا مشاوير مش فاضيين للدلع ده".

ولم تنطق الفراشة بل امتلأت عينُها بالدموع، متسائلة ما ذنبي أنني لم أقوى على الحركة؟ ليلتفت لها الجميع بحزن ثم يلقوا باللوم على هذه السيدة التي شعرت بالخجل الشديد، وحاولت إنقاذ نفسها بنفيها عدم رؤيتها لحالة الفتاة وسط الزحام، داعية الله أن يشفيها وغادرت بسرعة البرق كي تتخطى نظرات الغضب من الجميع.

وبعد الانتهاء من صعود السلم شكرت الفتاة هؤلاء الرجال، وظللت معها لبضع دقائق، فسريعا ما وجدتها تفتح قلبها لتخبرني بقصة حياتها دون أن تعرف من أكون.

إنها رشا حسن، بثيابها البسيطة التي توحي لك من الوهلة الأولى ببساطة حالتها المادية والاجتماعية.. الفتاة التي يظن من يراها أنها ابنة الخامسة والعشرين من عمرها لكن في الحقيقة هي تجاوزت الثلاثين بخمس سنوات.. الفتاة التي توقفت دراستها عند المرحلة الإعدادية بعد استقلالها كرسي متحرك من الخشب قديم ومتهالك، لكن هذه القطعة الخشبية هي السند الوحيد الذي رافقها منذ أكثر من عشرين عامًا، فهو يساعدها على الوقوف لبضع دقائق.

أنهت رشا تعريف نفسها لكن لم ينتهِ حديثها، وقالت "أبويا وأمي ماتوا ورا بعض ومن الزعل عليهم صحيت أنا وأختي الصغيرة من النوم عشان لقينا نفسنا فقدنا الحركة وبقينا زي أخونا الكبير".

وبعيون ممتلئة بالدموع أكملت رشا قصتها التي أنهاها الطبيب بعد فحصها هي وشقيقتها، قائلًا إن هذه الحالة مرض وراثي ناتج عن صلة القرابة بين الأب والأم، يأتي عن طريق الحزن الشديد فليس له علاج لكن هناك جلسات علاج طبيعي لا بد من الانتظام به كي لا تسوء حالتهم.

وأكدت رشا أنها تخطت الأربع سنوات من المجيء إلى المركز القومي للبحوث لتحصل على جلسات علاج طبيعي، رغم صعوبة الطريق فهي لم تستطع الذهاب إلى أقرب مركز لديها بشبرا لأنها لم تقوى على دفع ثمن الجلسة التي تصل إلى 35 جنيها في المرة الواحدة، وهي تحتاج إلى ثلات جلسات أسبوعيًا والجلسة بهذا المركز أوفر عشر جنيهات، فكيف تحصل على المال؟ فهي وإخوتها.

مصدر زرق رشا الوحيد معاش والدها المتوفى الذي يضع عليه فاعلو الخير لكي يستطيعوا العيش، وبالنسبة لمصاريف جلسة العلاج الطبيعي فهي تحصل عليها من شيخ المسجد المجاور لها، الذي أصبح يتذمر في كل مرة يعطيه لها، لكنها تتجاهل ذلك لأنها بحاجة لهذه المصاريف بشدة.

ولم تقوَ الدموع على الثبات في عينيها وتساقطت لتأخذ بعدها نفسا عميقا وتخبرني أن لديها من الأخوات أربعة بنات توفيت واحدة منهم والأخرى متزوجة والصغرى تعاني نفس حالتها، أما عن الصبية فهم خمسة أكبرهم أيضا مثل شقيقتيه والأربعة الآخرون كل منهم له زوجة وأولاد ولا يستطيعون التكفل أو العناية بأحد، فالحياة أصبحت سيئة على الجميع.

وأضافت رشا أنها لم تذهب لهذه الجلسات إلا بعد شعورها بسوء حالتها الصحية، مؤكدة رفض إخوتها المصابين بنفس الحالة لأخذ جلسات علاج طبيعي قائلين" هنخسر إيه أكتر من اللي خسرناه".

ولم تنسَ رشا وسط كل هذه الدموع ذكر طبيبتها "مها سعد زكي، رئيس المركز القومي للبحوث "التي قامت بإرجاع ثمن الكشف والأشعة حينما علمت بحالتها، وأيضا الرجل الذي قام بإعطائها الكرسي المتحرك.

وعبرت رشا عن أمنيتها في هذه الحياة قائلة "أنا نفسي أخد الجلسة في شبرا بدل المرمطة إلى بشوفها بس يخفضوا تمنها، ونفسي في العجلة المعدن إلى هتساعدني في الحركة"، مختتمة "أهي كلها أماني ومفيش حاجة بعيدة على ربنا".

وغابت صورة رشا عن الموضوع مخافًة من أن يشاهدها أخوتها فيتسبب ذلك بمشكلات لا حصر لها، فعلى رغم من عدم مساعدتهم لها إلا أنهم متمسكين بالطبع الصعيدي الصارم في ظهور صور بناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
الجريدة الرسمية