التبيان فيما يحدث ببورما الآن
يتداول الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي منذ فترة كبيرة صورًا لمذابح مروعة ودماء متناثرة يقول ناشروها إنها بحق المسلمين في ميانمار أو بورما –والاثنين واحد- وفي ذيل كل صورة طلب لنشرها والتفاعل معها، فضلا عن تدشين حملات إلكترونية للثأر للمسلمين المستضعفين هناك وإنقاذهم من الحكومة البوذية..
لم يكلف أي شخص نفسه عناء البحث عن أصل تلك الصور أو التواصل إلى حقيقة الصراع الذي يجرى في أقصى جنوب شرق آسيا على الحدود مع الصين والهند.
بادئ ذي بدء بورما هي ميانمار –وليس مينامار– هي نفسها جمهورية اتحاد ميانمار.. أما الصراعات في بورما فهي قديمة وليس بالشيء الجديد.. ولكن اسمحوا لي أن أصحبكم في هذه الرحلة القصيرة داخل تاريخ ذلك البلد البالغ مساحته نصف مليون كم مربع لمعرفة أبعاد الأزمة.. في عام 1940 قام ثلاثة من أبناء بورما بتكوين نواة لمقاومة شعبية ضد الاحتلال البريطاني وتم إطلاق عليها اسم "ميليشيا الرفاق الثلاثين.. استطاعت تلك المقاومة بتوسيع قواعدها بمساعدة اليابان لتصبح بعد عام واحد جيش الاستقلال البورمي.. ومنذ حينها أصبحت بورما مسرحا للمواجهة بين بريطانيا العظمى واليابان في العرب العالمية الثانية..
وبعد انتهاء الحرب قامت بريطانيا بضم بورما كمستعمرة مرة أخرى لأنها تمثل لها بوابة العودة إلى الهند..
وفي عام 1948 تحقق الاستقلال الكامل لبورما وتم تقسيمها فيدراليا إلى ولايات مثل نظام الولايات المتحدة الأمريكية.. إحدى تلك الولايات تدعى راكين "Rakhine"، كانت بورما قد قامت باحتلالها عام 1785 بمساعدة من الفرنسيين، والتي كان يسكنها مسلمون من أصول شامية ومغولية وفارسية، وذلك بعد نجاح مملكة المون في القضاء على مملكة تونجو بعد احتلال آفا عاصمة المملكة.
الأزمة بدأت عام 1974 عندما فكرت ولاية راكين فجأة في الاستقلال عن بورما ومنذ حينها بدأ الصراع بين البورمان وسكان راكين الذي يطلق عليهم روهينجا "Rohingya".. إذا فهو صراع عرقي ثوري وليس طائفيا دينيا.
ومنذ ذلك الحين كان الأزمة تطفو على السطح تارة وتعود للاندثار مرة أخرى.. حتى قامت ثورات الربيع العربي عام 2011، وتشجع سكان راكين "الروهينجا" وطالبوا بالاستقلال عن بورما، ليخرج الجيش البرومي من ثكناته لمحاولة السيطرة على الأوضاع.. وتستمر الأزمة حتى كتابة هذه السطور.
إذا ما هي حقيقة ما يحدث في بورما.. هناك من يقول أن مؤامرة أمريكية يدبر لها بليل لهدم نظام الحكم في بورما وتفكيك الجيش الوطني عن طريق تركيز الإعلام الغربي أن ما يحدث في بورما هو صراع طائفي بين المسلمين والبوذيين وقمع للحريات، مثلما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية فعله إبان 2011 في الدول العربية وهو ما نجحت فيه إلى حد كبير.
السؤال هنا.. لماذا بورما بالتحديد وما هي أهمية تلك الدولة؟ أقول لك أن النظام البورمي لديه تفاهمات ومصالح استراتيجية مع الصين.. ومن منطلق أن بورما لديها حدود مشتركة مع بكين ونيودلهي فهي لها أهمية جيوسياسية للولايات المتحدة الأمريكية لا تقل عن أوكرانيا التي لديها حدود مشتركة مع روسيا.. فهي تريد جعلها رأس حربة لإثارة القلاقل في الصين والهند وتحويلها لمركز عمليات استخباراتية جديد في جنوب شرق آسيا.
العجيب أن منذ نزول الجيش البورمي لقمع احتجاجات الروهينجا، وجدنا أن وسائل الإعلام الغربية ترفع شعار "عودوا إلى ثكناتكم" وهو نفس الشعار الذي رفعته إبان نزول القوات المسلحة لحفظ الأمن في مصر، بالرغم من إعلان مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها أن الشعب البورمي كله بما فيه المسلمين ممتنين للجيش البورمي وسعداء بدوره في حفظ الأمن!!
الأكيد في الأمر أن النظام البورمي يعتمد على الحكم العسكري ويتعامل مع الجميع بالحديد والنار.. ولكن الجيش البورمي عند نزوله لقمع أي تظاهرة لا يقوم بسؤال المحتج هل أن مسلم أم بوذي؟ اللعبة نفسها يقوم بها الإعلام في الأزمة السورية فيقوم بإقناعك أن طائرات التحالف الأمريكي تقوم بقصف داعش، في حين أن الطيران الروسي يقوم بانتقاء الأطفال على وجه التحديد.
إذا أصبح محتجو بورما يلقبون بـ"مسلمي بورما".. ويجب أن تظل الأوضاع في بورما كما هي عليها ويجب أن يعود الجيش إلى ثكناته ويسقط حكم العسكر هناك بأي ثمن.
والآن أترككم مع عدد من الصور –غيض من فيض- الاجتماعي لما يسمى "المجازر" في حق المسلمين ببورما.. لمحاولة تبيان حجم التدليس في سبيل تثوير الشعوب.
شاحنة نقل وقود انفجرت في جمهورية الكونغو.. الخبر منشور بتاريخ ٩ يوليو ٢٠١٠
صور من الإعصار الذي ضرب بورما في مايو ٢٠٠٨، ومن أحد المواقع الإخبارية