توفيق الحكيم يكتب: طبق اليوم في الراديو
في مجلة آخر ساعة عام 1946 كتب الأديب توفيق الحكيم مقالا قال فيه:
يقولون إن مفتاح قلب الرجل معدته.. وها هو الرجل يجلس يصغى إلى جهاز الراديو وقد تصاعد منه صوت ناعم يقول "يوضع اللحم في البرام، ثم يغطى بالبطاطس، وتفرى بصلة ناعمة وتحمر في السمن حتى تصفر لونها وتقلب.. وهكذا".
إلى آخر ماجاء في برنامج التدبير المنزلي ذلك اليوم، وكان ذلك المستمع الكريم يسمع بقلب يخفق هياما ولعاب يسيل حنانا، والأذن تعشق قبل العين أحيانا.. فلم يطق صبرا وقام إلى أهله يعلن إليهم أنه لابد له من الزواج.
سألوه من هي؟ قال لا أعرف عنها إلا إذاعتها اللذيذة في الراديو.. إنها تهز قلبي. كان صاحبنا هذا من الذين يخلطون بين القلب والمعدة وكان لابد للمرأة التي تريد اكتساب قلب الرجل من أن تستولى على المعدة أولا، فإذا ملكتها ملكت كل شيء.
تمت مراسيم القران.. وجاءت ليلة الزفاف وغنت المطربة طول الليل إحنا الاثنين والعين في العين إحنا قلبين وأسعد عريسين.
ومرت الأيام الأولى من أيام الزوجية والعريس يتقلب على الشوق منتظرا اليوم الذي تدخل فيه زوجته المطبخ وتلبس فوطتها وتشمر عن ساعديها وتطبخ له تلك الأصناف الشهية التي طالما شنفت أسماعه بوصفها اللذيذ في الراديو.
ودخلت الزوجة المطبخ وزوجها يسأل الله أن يباركها، وعاد من عمله في الظهر وهو يقول ياسلام على أكلة النهارده، وانتظر ساعة ثم ساعة، وخرجت الزوجة من المطبخ والعرق يسيل من وجهها وهى ملبوخة من رأسها إلى قدمها وقالت انا تلاشيت التأخير وعملت لك طبق بيض مقلي.
أخفى الزوج حسرته وكتم غضبه ومد يده إلى طبق البيض فوجد سمنه قد تبخر وبياضه قد احترق وصفاره قد تحجر.
وفي الخامسة ارتدت الزوجة ملابسها مسرعة لتلحق ميعاد عملها بالراديو وسمع الزوج المسكين صوت امرأته يتصاعد من الراديو بوصفة طعام جديدة.
وجلس الزوج وهو لم يعد يدرى هل يضحك أم يبكي.